تجلس علياء بجانب عبد الرحمن في المستشفي..
-حمدًا لله على سلامتك.
يبتسم عبد الرحمن قليلًا ويحاول أن يجلس ولكنه يتألم فيتخلى عن تلك الفكرة..
-هل مضى عليَّالكثير وأنا غائب عن الوعي؟
- حسنًا لنقل إنه كان شيئًا أكبر من مجرد غياب عن الوعي.. بالمناسبة اليوم الثلاثاء.
عبد الرحمن(وهو يتحسس الضمادة على قلبه):
-الثلاثاء؟..أظنني قد تركتكِ وحدك.. هل انتهى الأمر؟
-لقد انتهى على خير الحمد لله.
عبد الرحمن(وهو ينظر في جوانب الغرفة):
-أين نحن الآن؟
-إننا في ألمانيا.. أنت لا تعلم أننا متنا؟
عبد الرحمن(بتعجب):
-كيف؟
-إننا موتى لمدة سنة على الأقل.. حتىتتسنى لنا العودة لحياتنا مرة أخرى.
- كيف أتيت إلى هنا؟
علياء: بعد أن أجرينا العملية لك بمصر.. تم نقلنا لهنا وسوف نبقى هنا طوال هذا العام.
-كيف؟.. كيف ستتقبل والدتك الأمر؟ كيف سيقبل والدك؟
علياء(بابتسامة):
-إن والدي قد مات منذ سنين، وأما عن والدتي فهي تنتظرني بالفندق الآن.
-وماذا عن يوسف؟
-لقد مات..
- غفر الله ذنبه وسامحه.
- لقد حاول أن يقتلني.
- وأنا حاولت أن أحذرك.
-أظن أننا اطلنا الحديث وهذا ما حذرني منه الأطباء.. سأخرج الآن ولكن هناك أمرًا أخيرًا.
عبد الرحمن(بفضول):
-ماذا هناك؟
- أريد أن أعرف كيف عرفت أن يوسف حي؟
عبد الرحمن(مبتسمًا):
-أظن أن هذه الأشياء أصعب من أن تفهميها.
- حسنًا.. جربني.
- أتتذكرين عندما كنا بالشقة التي وجدنا بها الشريط؟
- بالطبع.
-هناك كنت أنظر في لوحة لفتاة تعزف على قيثارة.. وكان من رسمها قد وقعها باسم الخال.. أتتذكرين؟
- تذكرت،ما الغريب في ذلك؟
عبد الرحمن(مبتسمًا):
-اصبري قليلًا.. هل تتذكرين عندما ذهبت للحلاقة يوم الخميس عندما كنا بالفندق؟
-بالطبع.. عندما أتى سيف وعلاء، لقد كان موقفًا صعبًا حقًا.
-هل قُبِضَ عليك أم هربت منهم؟
-هربت.. سأحكي لك بعد أن تكمل.
-حسنًا.. لقد وجدت هناك بعض المجلات الفنية وقد قرأت بإحداهن وكانت بتاريخٍ قديمٍ من قبل موت الدكتور.. وقد كان بها خبر جذب انتباهي يقول:
"انتقل لرحمة الله الفنان المصري أسامة عليالسويفي المشهور بتوقيعه "الخال" في حادثٍ مأساوي..
وقد كشفوا في منزله عن لوحة "العزف بالمشاعر" والتي تمثل فتاة تعزف على آلة القيثارة.. وقد نُقِلَت هذه التحفة للمعرض، ومن المقرر أن يُجرَى عليها مزادًا في خلال الأسبوع القادم"
علياء وعلامات الاستفهام ترتسم على وجهها:
-لا أفهم.
-إن اللوحة قد رُسِمَت وبيعت.. بعد وفاة يوسف المزعومة.. فكيف أتت إلى الشقة التي جهزها يوسف؟
علياء(بانفعال):
-هذا يعني أن صاحب الشقة قد اشتراها ونقلها بنفسه.
عبد الرحمن يجلس عند الحلاق في انتظار أن يفرغ الحلاق ممن يحلق له ويقلّب في مجلات فنية ورياضية مجاورة له قد تراكمت بدون نظام سحب إحداهن، فكانت بتاريخ قديم.. فيرن هاتفه.. يتصفح عبد الرحمن إحدى المجلات وتقع عيناه على أحد الأخبار، تجذب انتباهه ثم ينظر بشرود أمامه وهو يسترجع كلام علياء.. ثم يمسك هاتفه بسرعة..يرن هاتف علياء لفترة ثم ترد..
علياء بصوت ناعس:ماذا حدث؟
-لقد كانت الشواهد كثيرة، ولكننا لم نلحَظ.. أو قولي لم نولها اهتمامًا.
- صحيح.. يكفي الرسالة الرابعة التي تم نشرها في مجموعة القراءة الخاصة بك.
-كذلك.. عندما أخبرتِني بأن شركة "السهم الذهبي" وهمية، تساءلت كيف اتفق معها الدكتور إن كانت وهمية؟
- ولهذا حاول قتلك.
عبد الرحمن:أظن ذل..
علياء(مقاطعة):
-ولكن كيف علم باكتشافك أنه على قيد الحياة؟
- لقد حاولت أن أنبهكِ على الهاتف.. وهو يراقب هاتفي.. إنه من أعطاني إياه.. لقد اكتشفت ذلك بعد فوات الأوان لذلك أغلقت الهاتف.
علياء:لقد هربت من سيف.. تحدث بسرعة لأن الشحن قد ينفذ في أي وقت
عبد الرحمن(بسرعة): أظننا ارتكبنا خطأ.. خطأ كبيرًا.. إن اللوحة الموجودة في المنزل...
يفصل هاتف علياء ويتركها في حيرة).
علياء: ولكن ما أمر أن تفتش في هديتك جيدًا؟ هل سيرسل لك هدية؟
عبد الرحمن: لا بل أرسلها مسبقًا.. في حياتي مع يوسف أعطاني هديتين.. إحداهما هذا الهاتف(ويمسك هاتفه الخاص) بعدما اشترى هو هاتفًا جديدًا قبل وفاته بشهر تقريبًا.
علياء: والأخرى؟
عبد الرحمن: إنها نظارة شمسية قد أهداها لي منذ مدة..
- لقد كان ذكيًا.. لم يترك مجالًا للصد..
عبد الرحمن(مقاطعًا):
-ولكن كيف هربت أنت من الفندق؟
علياء(مبتسمة بفخر): بالهاتف.
عبد الرحمن(متعجبًا):كيف؟
علياء:لقد كان الوضع سيئًا جدًا.. ذهبت لأكثر من باب خلفي لأجدهم جميعًا موصدين..
فأهداني عقلي بعد طول تفكير أن أصعد لغرفتي فهم قد فتشوها مسبقًا.. ومن الممكن ألا يفتشوها ثانية.. ولكنني فكرت في أنه أمر غير مضمون.. فحاولت أن أثنيهم عن تفتيش الغرفة، عبد الرحمن(متعجبًا):كيف؟
-كما أخبرتك.. بالهاتف.. لقد اتصلت بسيف من حمام الغرفة على أمل أن يسمع صدى الصوت فيعتقد أنني مختبئة بأحد حمامات الفندق.. وقد كان بالفعل، ولكنني مجددًا حاولت أن أزيد من احتياطات الأمان.. فخرجت للسطح من سلم الطوارئ، فهم إن لم يفتشوا الغرف فبالتأكيد لن يفتشوا سطح الفندق.. وإن فتشوا الغرف قد لا يفتشون السطح.
-تصرف جيد.. واختبأتِ حتى ذهب أليس كذلك؟
-هذا ما يفعله العاديون.. لكن أنا قد وضعت بصمتي.
عبد الرحمن(ضاحكًا):
-هذا ما أخاف منه
علياء تبادله الضحك ثم تقول:
-عندما صعدت للسطح سمعت صوت ضجيج مكتوم.. وبعد فترة تبينت أن فتحة التهوية المتصلة بالمطبخ تعكس كل ضجيج المطبخ لأعلى.. فاتصلت بسيف مجددًا لأخبره أنني قد هربت من الفندق بالفعل.
- وهل صدقك بهذه البساطة؟
- لقد برهنت له إنني في الشارع بصوت الضجيج الناتج من المطبخ.. فأخذ القوة وانطلق ليبحث عني
عبد الرحمن(مبتسمًا):
-ونزلتِ بعدها بأمان.. أحييك على هذه الخطة.
-إنها من أبسط ما فعلت.
ويضحكان
بعد ساعة من الحديث، تستأذن منه علياء قائلة:
-حسنًا.. حمدًا لله على سلامتك مرة أخري.. سأتركك الآن كي تستريح
قبل أن تخرج تقف لتقول له:هل تعلم أنني من أنقذت حياتك؟
عبد الرحمن(متعجبًا):
-حقًا؟ وكيف ذلك؟
تعود علياء وتقف بجانبه وتشرح له كيف ساعدته في إجراء العملية الجراحية).
عبد الرحمن(متعجبًا):
-على الرغم من عدم تصديقي.. شكرًا لك.
-لا، إنني لا افعل شيئًا دون مقابل.. أريد رد الجميل.
-حسنا.. عندما تكون حياتك في خطر اتصلي بي لكي أنقذك
- لا، أنا لن أعرِّضك لهذا الكم من الخطر.. فقط أريد أن أعرف طريقتك لحل كلمة سر الخزنة قبلي بأسبوع.
يضحك عبد الرحمن فيؤلمه قلبه فيضغط عليه) .
-حسنًا.. لقد قضيت الكثير من الوقت لأبحث عن شفرات تربط بين الحروف والأرقام بتلك الطريقة فلم أجد.
عبد الرحمن(مبتسمًا):
-هذا لأنها ليست شفرة..سأشرح لكِ.. إن يوسف قال:"السر يكمن في البدايات"
-أعرف ذلك.
-لا تقاطعيني مجددًا و إلا لن أخبركِ..
-حسنًا..
-فظننت أنه يقصد أولى كلمات الرسائل.. وظللت على هذا الحال أسبوعًا حتى عجزت عنها ووضعت كل الأمل عليكِ.. ولكن في اليوم التالي كنت في مجموعة القراءة التي أخبرتك عنها.. وقد طرح أحدهم موضوعًا للمناقشة عن اللغات السامية وكيف تفرعت وما إلى ذلك.. تابعت المناقشة وبعد قليل كعادة أي مناقشة تترك محورها الأساسي وانتقلت لتناقش أصول الأرقام العربية وإن كانت ذات أصل هندي كما يشاع عنها..
تذكرت وقتها أنني درست موضوعًا لا أذكر متى،يشرح أن أصل الأرقام في العالم كله عربي..
فأجريت بحثًا عن الأرقام العربية بدافع الفضول ولأستطيع أن أشارك بتلك المناقشة.. ووجدت السر في ذلك البحث.
-ماذا وجدت؟
عبد الرحمن(بهدوء):
-أظنني تعبت.. سأستريح وأكمل لك غدًا.
علياء(بانفعال):
-أكمل لي الآن.
عبد الرحمن(يضحك حتي يؤلمه قلبه مجددًا):
-وجدت أن العرب قديمًا قد استخدموا ما يسمى بــ"حساب الجمل" وهو أن كل حرف يقابل رقم ألم تسمعي عنه؟
-لقد درسته في الثانوية العامة.. انه نظام "أبجد هوز" أليس كذلك؟
-إنه كذلك.. أجرِي بحثًا على هاتفك وستفهمين ما أقصد.
تمسك علياء هاتفها وتجري بحثًا، فتظهر لها أولى النتائج في الموسوعة الشهيرة ففتحتها لتجد:
"حساب الجمل أو الترتيب الأبجدي طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية، إذ يعطي كل حرف رقمًا معينًا يدل عليه. فكانوا من تشكيلة هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما تعنيه من تاريخ مقصود وبالعكس كانوا يستخدمون الأرقام للوصول للنصوص."
وبعدها تحمل الصورة من نفس الموسوعة)، فيقول عبد الرحمن:
-لقد كانت الرسالة الأولى تبدأ بحرف "الجيم" والذي يقابله 3 في الجدول.. والرسالة الثانية بدأت بحرف "الألف" والذي يقابله 1.. أما الرسالة الثالثة فقد بدأت أيضًا بحرف "الجيم".. والرسالة الأخيرة بدأت بحرف "الكاف" والذي يقابله 20، فمثلًصصا بدايات الرسائل، كانت:
"جاءك من يوسف حمدان (رحمه الله)..
. . .
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
. . .
" من يوسف حمدان" (رحمه الله)..
. .
"جانب من كتاب كليلة ودمنةهو كتاب رائع به الكثير من القصص، وقد احتال الفرس أعوام كثيرة ليأخذوا نسخة منه من الهند..
. . .
"كلمة أخيرة.. ودعوة مفتوحة للنقاش
سأحكي آخر قصصي وأترك لكم المجال).
كانت علياء تسمع كلام عبد الرحمن بدهشة كبيرة وتقارن الحروف بالأرقام في الجدول وتندهش كلما خرج الرقم صحيحًا من فم عبد الرحمن.
ثم تتحدث وهي لم تخرج من حالة الاندهاش بعد:حسنًا.. أظنني لم أكن لأحله بهذه الطريقة في حياتي كلها.
-أظننا الآن متعادلين.
-أظن ذلك.. أتركك لترتاح الآن وسأزورك غدًا.
-حسنًا.. إلى اللقاء.
- إلى اللقاء.. وحمدًا لله على سلامتك مرة أخرى.
وتخرج).
يتبع....