رواية طالبة ولكن (الفصل الثامن والعشرون)




تقف علياء مترددة تتذكر رسالة عبد الرحمن وتتذكر كلام سيف وأنها لا بد أن تتأكد ممن يحدثها.. وكذلك تفكر في الرسالة القادمة لها فتتردد في إبلاغ سيف بالرسالة، ولكنها تقول إنه لا يستحق الثقة فعبد الرحمن حكى لها ما جعله يشك به أيضًا، ولكنها تتذكر كيف كانت الرسالة بأسلوب عبد الرحمن فإنها لم تشك بها حتى علمت بالحادثة التي ألمت به.. ولكنها حزمت أمرها على أن تضيف رقمه على الاتصال السريع لتستطيع الاتصال به في أي وقت.

تنزل علياء لتذهب أمام باب كليتها الخاص..
تقف في البرد والشارع هادئ تمامًا.. تسمع مواء قط من هنا ونباح كلب من هناك..
ينقصها فقط غراب ليكتمل مشهد الرعب..

وبعد دقائق تأتي سيارة عالية سوداء تتوقف أمامها وينزل السائق ليفتح الباب الخلفي لها ثم يعود ويجلس على عجلة القيادة دون أن يتكلم..
تأتي رسالة لهاتفها من رقم خاص"اركبي السيارة".
تركب علياء السيارة وهي خائفة.. فهي لم تعرف أنها ستتحول من مكان لآخر.. تفكر بالاتصال بسيف، ولكن وإن اتصلت به ماذا سيفعل لها فهو لا يعرف مكانها فتمد يدها في حقيبة يدها وتمسك الهاتف وتكتب ويدها بداخل الحقيبة..
"تتبَّع هاتفي"
تقف السيارة بعد مشوار دام نصف ساعة.. ولم ترسل علياء الرسالة بعد فهي لا تريد أن يراها السائق وهي تبحث عن رقم سيف.. ينزل السائق ليفتح لعلياء الباب وهنا تبحث علياء بسرعة على رقم سيف وترسل له الرسالة..
تنزل علياء لتجد نفسها على شاطئ النيل ولكن بمنطقة مهجورة فلا يوجد بنايات قريبة..
تنظر علياء أمامها لتجد السائق ينظر لها بابتسامة، ويتكلم لأول مرة:
-من فضلك أعطني الهاتف.
- لماذا؟
-إنني أنفِّذ ما بلغني من أوامر فقط (ويمد يده لتعطيه الهاتف).
-حسنًا.. وإن رفضت؟
-لن تركبي ذلك القارب ما دام الهاتف معكِ.

ويشير نحو قارب بمجدافين يتهادى على الضفة أمامهما).
-أنا لن أركبه بأي حال.. فأنا لا أجيد السباحة وأخشى الماء بوجه عام.
-حسنًا في هذه الحالة.. سأعيدك لنفس المكان الذي أخذتك منه.. ولكن أظن أن تحملك كل تلك المشاق لن يوقفها الخوف من الماء.
علياء(مترددة وهي تنظر للقارب بخوف):
-حسنًا..ولكن حافظ عليه(وتمد يدها لتعطيه الهاتف

يستدير السائق ويرمي الهاتف في الماء)، ثم يقول: الآن يمكنكِ أن تركبي القارب.

تنظر علياء برعب للمكان الذي سقط به الهاتف وتعلم أن آخر خيط مع سيف قد انقطع الآن.. وأيًا كان ما تواجهه فستكون وحدها في مواجهته).
تركب علياء القارب ويركب هو ويبدأ بالتجديف حتى يصل لنصف النهر ويتوقف.
علياء(وقد بلغ الخوف منها مبلغه):
-لماذا توقفنا؟
السائق(بابتسامة):
-لا داعي للخوف.. هنا ينتهي دوري.. سيأتي من يقابلك لتنتقلي لقاربه وأعود أنا بهذا القارب.

تنظر علياء لتجد بالفعل قاربًا يقترب من الضفة الأخرى ببطء).
يتوقف القارب على بُعدٍ ويشير لهما من فيه فيجدِّف السائق بقاربه أكثر حتى يقترب من القارب الثاني..
يتوقف القاربان بجوار بعضهما البعض تمامًا.. وتنظر علياء لتجد رجلًا جالسًا وقد أعطاها ظهره.. يشير لها السائق فتنزل علياء بخوف من قاربها للقارب الآخر.
تقول:
-حسنًا لقد أتيت، كيف تثبت لي أن أثق بك؟
يستدير الرجل الموجود في القارب ويبتسم لها.

تخرج من علياء شهقة ناجمة عن خليط من الذعر والمفاجأة والارتباك وعدم الفهم)تقول:كيف؟

دارت بعقلها كل تساؤلات الفترة الماضية.. فقد كان هناك من التساؤلات ما يجعلها تبقى العمر كله تفكر.. ولكن كلما طرأ لهما تساؤل يحدث شيء تنخرط فيه فتنسى تساؤلها.. بدأت بالتساؤل حول كيفية إرسال الرسالة الرابعة التي كانت عن طريقة المجموعة؟وتساءلت حول من يجري كل هذه الأمور ويعطيها كل هذه الأوامر؟
تساءلت إن كانت شركة البريد وهمية فمن أسسها؟ وكيف اتفق معهم الدكتور على أن يرسلوا الطرد بعد وفاته بثلاثة أيام..إن الجثة الموجودة في الشقة كانت متفحمة تمامًا ولم يتعرفوا عليها سوى من الساعة...كيف لم تفكر للحظة في أن الدكتور حي؟!

علياء مازالت تقف مصدومة أمام الدكتور، في حين يتكلم الدكتور قائلًا:
-ألستِ سعيدة برجوعي للحياة؟(ويضحك

-لماذا؟!
-لأن ما اخترعت كان قيمًا حقًا.. وهناك من راقبني ليعرف مكانه.. أما أنتما فلم يراقبكما أحد.. كذلك لقد كانت لعبة جميلة.. فقد كان بإمكاني أن أسهِّل الأمر عليكما وأجعلكما من أول رسالة تكتشفان مكانه.. ولكنني استمتعت برؤيتكما وأنتما تتخبطان.
- ومن مات في شقتك؟
-إنه لا شيء.. واحد من الكثيرين الذين وجودهم في القبر أكثر فائدة من وجودهم في الحياة.
-أقتلته؟
-إنه أحد مجرمي المنطقة.. لم تفتقده المنطقة ولم يسأل عنه أحد.. إن العالم أفضل بدونه.. صدقيني(ويمد يده): أين هو؟
علياء(مصدومة):
-لقد قتلت أحدهم.
-أنا لست بحاجة لتبرير ما فعلت.. كل ما فعلت كان لإنقاذ العالم (يمد يده ثانية).
تتشبث علياء بحقيبتها ولا تعطيه القنينة.
-إننا في نفس الجانب أليس كذلك؟
تتذكر علياء رسالة عبد الرحمن:
"لقد ارتكبنا خطًأ جسيمًا يجب أن نصححه قبل فوات الأوان إننا في الجانب الخطأ.. كذلك أظن أن سيف ليس كما نعتقد.. لقد طرأ تغيير بسيط على الخطة سأبلغك به عندما نتحدث"
تغمغم علياء بصوتٍ خافضٍ: وإن كنا جميعًا على الجانب الخطأ؟
يقول الدكتور:
-لم أسمع جيدًا.
علياء(تكرر بصوت أعلى):
-وإن كنا جميعًا على الجانب الخطأ؟
-ماذا تقصدين؟
-إن عبد الرحمن قد أخبرني أننا...
الدكتور(مقاطعًا بانفعال بالغ):
-إن كان قد أخبرك.. لماذا آتيتِ؟ لماذا تفاجأتِ برؤيتي؟
علياء(مصدومة):
-هل كان يعرف الأمر؟
الدكتور(ضاحكًا):
-لم تعرفي وقد أخبرتك لتوي أليس كذلك؟
علياء(بإصرار):
-أكان يعرف؟
-لقد اكتشف ذلك وأراد أن يبلغك.. أظنه شك بي.
- ولكنه لم يخبرني بشيء.
-لقد أخبرك، ولكن لم تفهمي.
-وكيف عرفتِ؟
-بطريقتي الخاصة.. أيا كان.. أعطني إياه الآن (ويمد يده).
علياء: لن أعطيك إياه.
الدكتور(يخرج مسدسًا):
-أظنك ستعطيني إياه.
أستقتلني؟
- لن تكوني أعز من عبد الرحمن عندي.
-هل أنت من قتل عبد الرحمن؟
-أعطني إياه لا وقت للكلام.

علياء تخرج القنينة من الحقيبة وتتوقف فجأة).
تقول: إن كان هذا الاختراع نبيلًا فلماذا تفعل كل تلك الأشياء؟
الدكتور: أظن في النهاية أنه لكِ الحق في أن تفهمي.. لقد اخترعت ما يتحكم في الوظائف الحيوية اللاإرادية.
-لقد فهمت ذلك من التسجيل الصوتي.. على الأقل هناك أمر صادق في كل هذا.
الدكتور(ضاحكًا بسبب تعليق علياء):
-حسنًا.. لقد جعلت هذا الاختراع ينتشر بأسرع وسيلة على الأرض..
-جعلت العدوى تنتقل بالهواء؟
الدكتور(ضاحكًا):
-تفكير بدائي.. إن هذا الفيروس يخاطب الإشارات الكهربية بالمخ.. إنه يخاطب الطاقة ولذلك جعلته ينتقل عبر طاقة أيضًا. إن العالم كله مصاب به منذ سنين تحديدًا بعدما اخترعته بأسبوعين.. أنتِ مصابة به وأنا كذلك.
علياء(وهي ممسكة بالعبوة):
-ولكن المضاد له في هذه العبوة أليس كذلك؟
-أظنكِ لم تفهمي بعد.. إن هذا الاختراع لا يهاجم المناعة لنصنع له مضادًا..
إنه يتواصل مع إشارات المخ.. إنه يجعل كل منا مستقبِلًا جيدًا في حال كان المرسل موجود، بينما ما في يدك يصنع ..
علياء(مقاطعة): المرسل..
-صحيح.. لطالما اعتبرتك أذكى تلامذتي.
-أتقصد.. أن الاختراع في حد ذاته ليس له قيمة ما دام المضاد له لم يستعمله أحد.
الدكتور(يصفق بأداء مسرحي يجعل القارب يهتز):
-لقد فهمتِ أخيرًا.. أعطني العبوة.
-ارتكبت ثلاث جرائم قتل من أجل أن تسيطر على الناس؟ليس لتنقذ العالم.. لقد استغللت ثقتنا بك.

وتلتفت فجأة ناحية الماء وتفتح العبوة لتسكب ما فيها في الماء).
يصرخ الدكتور:
-لا تفعلي.. سيتحلل بمجرد فتح العبوة إنه يتحلل بالضوء.

ولكن قد سبق السيف العزل).
فتحت علياء العبوة وبمجرد خروج السائل من الزجاجة تحول لشعاع أصفر قوي امتصه وجه علياء مرة واحدة مما جعل قشعريرة تسري في جسدها وتصلبت أطرافها ثم سقطت على القارب.. تتصبب عرقًا مع ارتفاع درجة حرارتها الذي يزيد بزيادة الوقت .
صوَّب الدكتور المسدس عليها وقال:
-لقد قلت لكِ إنه يتحلل بالطاقة.. لماذا لم تتذكري أن الضوء طاقة؟ لقد امتصه جسدك بالكامل ولم يصبني شيء منه.. كل ما فعلتُه ضاع بسبب غبائك
ثم تسمع الرصاصة لتخلصها من ألامها..

وتسقط في الماء وكان إحساس السقوط في الماء ممتعًا حقًا.. كان كالخروج من الجحيم للجنة بقفزة واحدة..
أغمضت عينيها وتاهت منها الدنيا.

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك