قديماً في منطقة متطرفة بالقرب من الغابة ، كان يسكن حطاب مع زوجته في كوخ صغير، ولم يرزقا بأولاد رغم أنهم متزوجان من فترة طويلة ، وكانا يعيشان حياة صعبة لأن الحطاب لم يكن يوفر إلا القليل من جمعه لبعض الأغصان وترتيبها في حزم ثم بيعها ، فكانت أمنيته هي أن يملك دجاجة تبيض له من حين إلى آخر أو معزة يستفيد من حليبها.
لم يكن الحطاب يتوغل في الغابة كثيراً والتي كانت بدورها تقود إلى الجبل مباشرة ، فهو يخاف على زوجته من أن تبقى لوحدها وتتعرض لخطر، لكن في يوم من الأيام تشجع وقرر الابتعاد قليلاً ، وبينما هو يمشي كان يتعجب من مظاهر الغابة الساحرة والتي غفل عنها سابقاً ، من أزهار جميلة موزعة في نواحي الغابة وأصوات الطيور التي لا تنقطع ، وفجأة وهو يمشي ظهرت أمامه شجرة باسقة عظيمة ، وكانت على خلاف الأشجار المحيطة حيث كانت قليلة الأوراق وأغصانها طويلة ، ففرح الحطاب وعرف بأن هذه الشجرة في حال إذا قطعها وباعها ستعود عليه بمال كثير و ربما تيسر له شراء الدجاجة التي كان يحلم بها ، حمل فأسه وضرب ضربة قوية فسمع صوتا خشناً يقول:
- آآآآآآآآآه.
!@!
ارتعش الحطاب في مكانه! وراح يلتفت يميناً ويساراً ، أعلى وأسفل ، أمامه و وراءه ، لكن لا شيء ، فاعتقد أنه تخيل الصوت ، وعاد مجدداً و رفع الفأس وضرب ضربة أقوى من الأولى ، فظهر صدع على الشجرة وهنا عاد الصوت ليحدثه:
- يا حطاب ، لقد ضربتي في جذوري ، جذوري التي نمت لقرون لتشكل مظهري المهيب ، لماذا تريد قطعي ؟ فأنا منذ أن كنت شجيرة صغيرة لم يلمسني أحد.
ارتعش الحطاب من الخوف ، واعتقد لوهلة أنه يحلم ، ولكنه خاف وقال بلسان متلعثم:
- أنا جئت إلى هنا من أجل قطع بعض الأشجار والأغصان لبيعها ، فأنا رجل فقير وأعيش مع زوجتي وأريد كسب قوت عيشي ، وعندما رأيت فيك الصلابة والخشونة أردت قطعك لأشتري دجاجة وإذا تيسر معزة صغيرة.
ردت الشجرة عليه بصوت مطمئن:
- عد يا حطاب إلى بيتك ولا تعد ثانية إلى هنا ، ستجد ما تريد.
أنطلق الحطاب بسرعة البرق إلى منزله قاطعاً كل تلك المسافة الطويلة التي سلكها ، وكان خائفاً أن يكون أصاب زوجته مكروهاً ، وعندما وصل أمام المنزل فغر فاه عندما رأى بقرة سمينة وجسمها ممتلئ باللحم ، وكان صدرها من الأسفل منتفخاً ينتظر من يحلبه ، لم يكد يصدق عينيه حتى رأى على يسار الكوخ قناً للدجاج يعتليه ديك يصيح ، تقدم ليرى ما بداخل الكوخ فوجد قرابة 20 دجاجة ، و كلما رفع واحدة منها وجد أنها كانت تجلس على كم هائل من البيض ، أسرع إلى الكوخ وظهرت عليه علامات الصدمة ، أحضرت له زوجته كوباً من الماء شرب وقال:
- هل رأيت ما رأيت في الخارج ؟.
- ما الذي يوجد في الخارج ؟ أنا لم أخرج منذ أن ذهبت للغابة.
أصطحبها وأراها البقرة و قن الدجاج ، و حكى لها قصته مع الشجرة ، ففرحت كثيراً وعاشا لأشهر على أكل البيض الطازج وشرب الحليب ، وأصبح ما يكسبه من مال يشتري به خبزاً وشاي.
لكن أبليس اللعين لا يصبر على إضلال العباد ، وسرعان ما وسوس لزوجته وقال لها :
- لماذا لا تقولين لزوجك أن يعود إلى الشجرة ويطلب منها المال الكثير، وتكونان من أصحاب الوجاهة وتنتهون على ما عليه أنتم الآن من بيض وحليب ، ألا يحق لك أن ترتدي الثياب الفاخرة مثل أبناء السلاطين وأن تأكلي اللحوم و الأسماك ؟.
بقيت الفكرة تدور في رأسها ، ومن ثم عرضتها على زوجها ، لكنه رفض وطلب منها أن تحمد الله على ما هم عليه من نعمة ، ولكنها أصرت وهددته بالطلاق ، فقبل طلبها لأنه كان يحبها ولم يكن يريدها أن تغضب ، وذهب في الصباح إلى الغابة وهو محرج لأن الشجرة طلبت منه ألا يعود ، وكان يخشى أيضاً أن يعود إلى زوجته فارغاً ، وصل إلى الشجرة و طرقها بيديه لكن لا إجابة ، صاح ونادى لكن دون جدوى ، فقرر حمل حجر سميك وضرب الشجرة وعندما فعل ذلك وهو يائس تكلمت الشجرة:
- آآآه يا حطاب ، لقد عدت وأخبرتك أن لا تعود ، ماذا تريد ، أتريد قطعي مجدداً ؟.
فقال لها الحطاب مذعوراً ومرتعشاً :
- أقسم بالله أن زوجتي هي التي بقيت تئن على رأسي من أجل أن أعود إليك وأطلب منك المال والرفعة بين الناس ، فهي تقول أنها تريد أن تعيش مثل الناس وأعتقد بأنك عندما أعطيتينا البقرة و قن الدجاج طمعت أكثر.
فقالت الشجرة غاضبة ومهددة:
- اسمع أيها الحطاب سأعطيك ما تريد لأنك معذور ، لكن لا تعود هنا مرة أخرى وانسى هذا المكان نهائياً.
ركض الحطاب كما في المرة الأولى عائداً إلى منزله بسرعة ، دخل المنزل وأخبر زوجته بما حصل ، بحثاً في المنزل ولكن لا شيء ، ليظهر فجأة صندوقان خشبيان لم يكونا موجودان من قبل ، وعندما فتحهما الحطاب وجد ذهباً أصفر ناصعاً يسر الناظرين ، ففرحت زوجته فرحاً عظيماً وبدأ يصرفان منه فشيد قصراً وأصبح له خدماً ، وقامت زوجته بعيش حياة بذخة هي و زوجها ، وأصبحا معروفين في المدينة بغنائهما الفاحش.
ولكن الشيطان عاد ليسوس مجدداً لزوجة الحطاب ويقول لها:
- أمعقول ! أمعقول كل هذا الترف الذي تعيشين فيه وكل هذه العز والجاه وأنت لا تملكين الذرية ، فكما أمكن الشجرة إعطائكم كل هذا بإمكانها أيضاً إعطائكم ذرية ؟.
خافت في البداية من زوجها ولكنها تشجعت وقالت له ، لكنه غضب غضباً كبيراً ورفض رفضاً قاطعاً ، فبدأت تتحدث معه بلهجة الشيطان الذي وسوس لها وأقنعته بعد جهد وعناء ، فحمل الحطاب فأساً لأنه عرف أن الشجرة لا تتكلم إلا بضربة في ساقها ، وفي نفس الوقت لم يكن مقتنعاً ، وصل إليها وخاف أن تصيبه بمكروه وحاول تخفيف قوة الضربة ، و عندما ضربها قالت متفاجئة:
- أنت ؟ لماذا عدت فقد أعطيتك المال وكل ما تشتهيه أنت وزوجتك ؟ وهذه الضربة الثالثة لن تمر مرور الكرام.
رد عليها وهو يكاد يبكي:
- زوجتي ، زوجتي يا شجرة، هي من طلبت الأولاد ، وأنا أحبها ولا أحب رد طلب لها.
قالت الشجرة وفي كلامها جدية كبيرة:
- اسمع سأعطيك الذرية لكن معها عقاب ، وإذا عدت مرة أخرى هنا سأحرقك وأنت واقف بمكانك.
هذه المرة الحطاب لم يعد مسرعاً فقد كان يمشي ، ما هو العقاب الذي سترسله الشجرة مع الأولاد ؟ وصل إلى قصره وحكى لزوجته ، فطمأنته وقالت له : إنه مجرد كلام كي لا تعود.
مرت أسابيع قليلة وبدأ الحطاب يفقد ماله شيئاً فشيئاً في ديون وحسابات أتته في وقت غير مناسب ، فتبخرت ثروته واضطر لبيع قصره وعاد إلى كوخه القديم حزيناً هو و زوجته.
حتى قن الدجاج والبقرة اختفوا ، وبعد أشهر حملت زوجته وأتت بتوأمين وعاد الحطاب إلى حاله الأولى يجمع الأغصان ويبيعها من أجل كسب قوت عائلته وندم ندماً شديداً على اتباع رأي زوجته.