أجمل فتيات القرية
في أحدى القرى اليمنية تعيش فتاة جميلة جداً تُدعى زهراء وكانت يتيمة الأبوين ولديها أخ واحد أسمه حامد.
أحب حامد فتاة فتزوجها ، ولكنها لم تكن صافية النية كزهراء، بل بدأت نيران الغيرة تتولع في داخلها، أجل فهي تغار من جمال زهراء كثيراً.
وأكثر ما جعل زوجة حامد تفور غيضاً هو أحاديث أهل القرية عن حسن أخلاق زهراء ، فحاولت بشتى الطرق أن توقع زهراء بمكائد تثبت لأهل القرية أنها فتاة لا مبادئ لها وساذجة ، ولكنها لم تنجح فأهل القرية يعرفون زهراء جيداً.
والذي زاد الطين بلةً هو أنه في أحد الأيام كانت زوجة حامد تجلس مع بضعةً من نساء القرية يتناولن الأحاديث و الحكايا ، وكانت زوجة حامد معهن تتصنع الطيبة وحسن الخلق ظناً منها أن تنسيهم زهراء و وصف جمالها وأخلاقها ، لكن النسوة مدحن زهراء فغضبت زوجة حامد وعادت للمنزل مهرولة تود أن توقع زهراء المسكينة في شرٍ كبير ، ونسيتُ أخباركم أن زوجة حامد تمارس السحر فأخذت ديك وذبحته في الحمام فأمتلئ الحمام بدماءه ، ثم أخرجت الريش والديك فرمته فمن يرى الحمام يظنه ممتلئ بدماء بشر فلا ريش ولا أي شيء يثبت أنها ذبحت ديك ، وخرجت من الحمام لغرفتها لجلب كتاب السحر لالقاء التعويذة ، وفي هذه الأثناء دخلت زهراء الطيبة الحمام فهلعت بمنظر الدماء وبينما حاولت الخروج من الحمام انزلقت و وقعت فيه فامتلأت ملابسها بالدماء. وخرجت زوجة حامد من غرفتها حاملة الكتاب و توجهت للحمام لإكمال الطقوس ولكنها صدمت حينما رأت زهراء ملطخة بالدماء، وصدمت زهراء أيضاً حينما رأت زوجة أخيها ممسكة بكتاب سحر ، فخافت زهراء من ذاك الكتاب وكانت تريد أن تري اخيها حامد حقيقة زوجته الساحرة فصرخت زهراء بأعلى صوتها فخافت زوجة حامد وأرجعت الكتاب لمخبئه وعادت تنظر لزهراء التي تبكي. ثم سمعت صوت حامد يطرق الباب ، ورأت بأنه لو علم أنها تمارس السحر لعاقبها ففكرت بمكيدة جيدة حتى تستطيع أن تنجو من مصيبتها .. لكن ما الذي عليها أن تفعله ؟ ..
!@!
قررت أن تفتري على زهراء بالزنى ، وأنها كانت حاملاً وأسقطت الجنين ، فهذه الدماء التي تغطيها هي بسبب نزيف الاجهاض وهذا خير دليل ، لقد شغلت زوجة حامد خصلة المكر في باطن عقلها فوجدت الحيلة المناسبة لجعل زوجها يصدق كلامها ، وبدأت تصرخ : " ويلاااااااااه لقد ضعنا يا حامد .. ضعنا .. فلتلحق بهذه المصيبة ، ويلااااااه ياغارة الله ، فلتلحق حااااااامد أنظر لفعلة زهراء التي ظننا أنها بنت متربية ".
فبهتت زهراء من هول المكيدة ، وبكت حزناً وقهراً من زوجة أخيها الشريرة ، فهرول حامد وكسر الباب حينما سمع صوت صراخ زوجته ، وحينما وصل صدم حينما رأى زهراء تبكي وملابسها مليئة بالدماء ونظر لزوجته التي تصنعت البكاء وكان في يده بندقية فقد ظن حينما سمع زهراء تصرخ أن أسدا قد هاجمهما ، فقالت زوجته : " أنظر لأختك لقد أضاعت كرامتنا وداستها في التراب ، يبدو أنها كانت حاملاً فأسقطت الجنين " ، فصُدم حامد كيف لأخته أن تحمل وهي غير متزوجة ؟ فوجه بندقيته ناحية زهراء ، فقالت زهراء : " أنا لم أفعل شيء ، صدقني ، أنها تكذب أنها ساحرة ، حامد أرجوك صدقني " ، قاطعها حامد : "و تجرؤين على نعتها بالكاذبة لأنها أرتني حقيقتك أيتها السافلة الزانية ؟ أخبريني من أين تلطخت ملابسك بالدماء ، من هو ذاك الذي تلاعب بعقلك لترتكبي معه الفاحشة ؟ " ، فقالت زهراء : " صدقني لقد وقعت في الحمام وكان فيه دماً لا أعلم من أين أتى فتلطخت ملابسي به " ، لكن كلامها لم يقنع شقيقها وما لبث حتى قتلها دون أن يرف له جفن.
وفرحت زوجة حامد بالنتيجة ، خصوصاً أنها لو لم تكذب عليه وتخدعه بدهائها لكانت تورطت بكشف ممارستها بالسحر فعقوبة الساحرات في ذاك الوقت قاسية ، ولأنه كان يحبها بجنون رأها ملاك لا تخطئ ولا تكذب فصدق حامد زوجته وقتل شقيقته التي أئتمنه والده عليها قبل موته.
تدارك الأخطاء وإخفاءها
دفن حامد زهراء مع ملابسها وشالها الذي فوق رأسها دون أن يأبه أو يلتزم بمراسم الجنازة فقد زعم أنها قذرة لا تستحق ، وكان الشال الذي فوق رأس زهراء فيه جيب وهذا الجيب كان ممتلئ ببذور اليقطين ، فمر شخص من سكان القرية فوقعت منه قنينة ماء فوق قبرها أو الحفرة التي دفنت فيها فأنفك غطاء القنينة فسال الماء على قبرها حتى وصل لتلك البذور ، فنمت البذور وكبرت شجرة اليقطين فظل الناس يسقونها و نمت يقطينة كبيرة.
وكانت هذه اليقطينة تحت شرفة منزل امرأة مسنة ، وقد أعجبت باليقطينة وعزمت على قطعها ، فأخذت فأسا تقطعها ، وما أن لوحت بالفأس لتقطع جذر اليقطينة حتى سمعت صوتا يقول : "ااه" .. كأنه طفل يصرخ ألماً ، كان الصوت صادراً من اليقطينة ، فنظرت العجوز لليقطينة ورأت سائلاً أحمر يخرج منها كالدم ، فخافت العجوز وتوقفت وعادت لمنزلها الواسع ، وكانت اليقطينة تحت أنظارها ليلاً ونهاراً تنظر إليها من نافذتها ، ولم تتمالك العجوز الرغبة في الحصول عليها ففكرت في أن تجففها ، لكنها فكرت بذاك الصوت الذي يصدر منها وتذكرت تلك الدماء فخافت ، غير أن رغبتها غلبت خوفها ، فأهتدت إلى فكرة ماكرة ، حيث أحضرت رجلاً أعمى لكي لا يرى الدماء عندما يقطع اليقطينة ..
وبالفعل هوى الأعمى على اليقطينة بالفأس في المرة الأولى والثانية وهو لا يرى الدم ، لكنه توقف عندما سمع صوت صراخ يصدر من اليقطينة ، فخاف وهرب ، فعادت العجوز تجر خيبات أملها ..
وفي اليوم التالي أحضرت رجلاً أصم لكي لا يسمع الصوت ، فضرب بالفأس مرة ومرتين لكنه توقف عندما رأى الدماء تخرج من الشجرة فخاف وهرب ..
في اليوم الثالث أحضرت العجوز رجلاً أصم وأعمى! .. لا يرى ولا يسمع .. فقطع الشجرة دون أن يأبه ، وأخذت العجوز اليقطينة وعادت لمنزلها و وضعتها أعلى السطح لتجف وتجعل منها جرة ..
تركت العجوز اليقطينة لأيام دون أن تنظر لها حتى ، والظاهر أنها نستها تماماً ، وذلك لانشغالها الدائم فهي عجوز ثرية ذات أعمال عديدة ، فكانت تخرج صباحاً وتعود ظهراً ولا تلاحظ شيئاً غريباً ، كان المنزل واسع و كانت تنظف نصفه فتذهب للعمل وتكمل تنظيف نصفه الآخر في اليوم التالي ، فكانت تعود فتجده نظيفاً ومرتباً حتى النصف الذي لم تنظفه كانت تجده نظيفاً ، وكانت تجد الأكل ناقص حتى أنها أحياناً تذهب دون تنظيف المنزل ولكنها تعود فتجده يتلألأ نظافة.
في يوم من الأيام فكرت العجوز ملياً ، فهي لا تمتلك أية خادمة ، فمن ينظف البيت إذن ؟ .. و قررت اكتشاف السر.
في اليوم التالي ذهبت العجوز وقررت العودة باكراً ، فذهبت ثم عادت باكراً وتسللت للمنزل واختبأت ، وبعد فترة سمعت صوت أدوات التنظيف من الغرفة التي أمامها ، فنظرت لجهة الباب فصدمت برؤية فتاة كالقمر تنظف ، وعندما انتهت من التنظيف أخذت قليل من الطعام و هرولت للسطح ، فلحقتها العجوز ووجدتها تختبئ في اليقطينة ، فكشفتها و وعدتها أن لن تؤذيها إن أخبرتها بأسمها ، فقالت لها بأن أسمها زهراء وروت لها حكايتها مع زوجة أخيها ، فأخذت العجوز مرآة وأعطتها أياها قائلة : " أنظري لجمال وجهك ما شاء الله " فنظرت زهراء وصدمت لتغير ملامحها كثيراً وبشعرها الأشقر الذهبي ، ولكن الذي صدم زهراء أكثر هو مرور الزمن فقد مر عامان على دفن أخيها لها.
عاشت زهراء مع العجوز تخدمها ، وأحبت العجوز زهراء ، وأحبت زهراء العجوز ، وكانت المصادفة أن نقل حامد منزله بجانب منزل العجوز ، و بين الأغراض وجد حامد كتاب السحر فوبخ زوجته ولكنه لم يصدق أنها تحولت لساحرة. وكان يشاهد من النافذة على سطح منزل العجوز بنت جميلة كالملاك تقوم بوضع الملابس على الحبال لتجف ، فقرر الذهاب لزيارة العجوز فقد أعجب بالفتاة وتساءل حولها ، مع العلم تلك العجوز لا تمتلك أولاداً ولا بناتاً فهي تعيش لوحدها منذ أعوام ، فطرق الباب فأجابته العجوز "من هناك؟ " ، فقال حامد " أفتحي يا عمتي أنا حامد أود التحدث معك "، فأرتابت العجوز في سبب قدومه وأبت أن تفتح له بأي شكل من الأشكال لأنها تخاف أن يكشف أمر فتاة اليقطين (زهراء) ، فذهب حامد يجر خيبته و ظل يراقب سطح العجوز فلم تعد تلك الجميلة (زهراء) تصعد إلى السطح فحزن حزناً شديداً فقد أحبها بجنون دون أن يعرف أنها شقيقته التي قتلها خشية العار بحسب اعتقاده.
عشق حامد هذه الفتاة بجنون فمن أين يعرف أنها أخته فقد تغيرت ملامحها كلياً! وجُن حامد بهذه الفتاة فقرر الحصول عليها كيف ما أمكنه ذلك ، ولاحظت زوجة حامد شرود زوجها أمام النافذة دائماً ، فتجاهلت الأمر حفاظاً على زواجهما.
وفي يومٍ من الأيام كان حامد كعادته ينظر لعل تلك الجميلة تصعد للسطح ولكنه شاهد العجوز تعود لمنزلها من بعيد فقرر أحراجها والدخول معها ، خرج مسرعاً نحو بيتها وعندما توقفت العجوز أمام منزلها سمعته يقول : " توقفي يا عمتي أريد أن أتحدث معك " ، حاولت العجوز تجاهله ، لكن حامد كان مصراً ، فأدخلته منزلها وجلست معه في غرفة الجلوس و اختبأت زهراء في غرفة النوم ، ثم أصر حامد على العجوز أن تأخذه في جوله ليرى المنزل فهو لم يرى منزلها قط ، فأخذته في جوله حتى توقفا أمام غرفة النوم فأبت العجوز أن تريه إياه ، ولكنه أصر وفتحها بالقوة لينصدم بالملاك : " يا لجمالها ! " هكذا قال حينما رآها ، عيناها الجميلتان وجنتيها الورديتان وشعرها الذهبي ، فطلبت منه العجوز ألا يخبر أحد عن هذه الفتاة ، فحاول حامد معرفة أي شيء عن الفتاة وكيف جاءت وما أسمها ؟ ، لكن العجوز رفضت إخباره عن أي شيء حولها ، ثم قال حامد : "حسناً سأخفي سر الفتاة هذه بشرط " ، " ، و ما هو شرطك ؟ " قالت العجوز ، قال حامد " زوجيني هذه الفتاة والا سأخبر الجميع أنك أختطفتها " ، ولم تكن العجوز تريد تزويج زهراء فقد اعتادت عليها وأحبتها ولكن ما باليد حيلة فقد أستغل موقفها فقالت بدهاء : " حسنا لا بأس ، ولكنك ستدفع المهر الذي سأطلبه منك ". فوافق حامد ، و لأنه كان ثرياً جداً ومثلما أستغلها استغلته العجوز واستغلت ثراءه فطلبت منه أن يسكن عندها ويحضر سريراً من العاج وآخر من الزجاج فيجمعهما معاً ، وتنام زهراء على الزجاج وينام حامد على العاج ، وطلبت منه أيضاً أن يحضر لها جرة من الذهب ..
بالفعل نفذ حامد طلبات العجوز فأحضر لها ما تريده ، و عندما علمت زوجة حامد بأن زوجها سيتزوج عليها جن جنونها ثم بدأت تمارس طقوسها السحرية ، فاستعانت بالجن و أخبرها الجن بأن الفتاة التي سيتزوجها حامد هي زهراء شقيقته وأخبروها بالقصة وبأن حامد قد أشترى لهما سرير عاجي و زجاجي ، ففكرت و استعانت بالجن وسحرت السريرين وجعلتهما لا يطيقان الكذب ولا يستطيعان رؤية منكر ..
اكتشاف الحقيقة
تزوج حامد بالفتاة الجميلة (زهراء) و عندما ناما معا بدأ السريرين بإصدار صوت غريب ونطقا قائلين : " سرير من العاج سرير من الزجاج لا يصح بين الأخوة زواج ".وكررا بتلك العبارة ، فقال حامد للفتاة : " من تكونين ؟ " ، فقالت " أنا زهراء ، وأنت ؟ " ، فقال : " و أنا حامد ". فصُدم الأثنان ، وأخبرت زهراء حامد بقصة اليقطين و أن زوجته هي السبب ، فطلق حامد زوجته وأخذ زهراء من العجوز و رحل.
وصل حامد إلى وادي و معه زهراء فوجدا منزلاً قديماً مهجوراً فاصلحاه وعاشا فيه وتعاهدا عهداً و هو ألا يتزوج أي منهما وأن يبقيا سوية حتى النهاية ، فكان حامد يعتني بزهراء جيداً ولا يجعلها تشكو بأساً لأنه لا يحتمل خسارتها مرة أخرى ، فكان لدى حامد حصان يُدعى "حصان بن هادي " فوجد في هذا الوادي ذئاباً و نموراً فرباها وأطعمها فأصبحت مطيعة له فكان أذا اطلق صغيراً تتراكض مسرعة إليه لتلبيه.
حذر حامد زهراء أن لا تفتح الباب لأي أحد ، وذلك لأنه كان يخرج للعمل منذ الصباح حتى الظهيرة فيعود و يجد زهراء قد أعدت له طعام الغذاء ، و كان بجانب منزلهما جدول صغير.
و في يوم من الأيام قررت زهراء الخروج للجدول قليلاً ، فخرجت وغسلت شعرها ولكن سقطت من شعرها خصلة ذهبية وهي لا تعلم ثم عادت وأعدت الغذاء فلم يعلم حامد أنها خرجت ، و كان هنالك سلطان يسكن في قصر كبير و لديه خادمة مطيعة ذكية لكنها عجوز خرفة ، فأخذت الخادمة العجوز الجمل لترعاه في الوادي الذي يسكن فيه حامد فتوجهت للجدول ، و عندما هم الجمل ليشرب من ماء الجدول لم يشرب ، فحاولت معه ولكنه أبى الشرب من الجدول ، فتسألت العجوز الخادمة عن سبب رفضه فبدأت تبحث في الجدول فوجدت شعرة ذهبية اللون لم ترى مثل جمالها قط ، و عندما أخرجتها من الجدول شرب الجمل الماء ، فتأكدت العجوز الخادمة أنها خصلة شعر فتاة حقيقية ، فنظرت في أرجاء الوادي فرأت المنزل المهجور عاد جديداً ولكنه مقفل ، فأخذت العجوز الجمل والشعرة الذهبية وعادت إلى القصر.
معرفة السلطان وتساهل زهراء مع العجوز
أخبرت الخادمة العجوز السلطان عن الجدول وأرته الشعرة ، فسحر السلطان بجمالها ، وقال للعجوز : " أسمعي إن أحضرت لي مثل هذه الشعرة فسأهديك جرة من الذهب وجرة من الألماس" ففرحت العجوز بهذا العرض المغري فخرجت في صباح اليوم التالي للوادي و راقبت حامد حتى خرج من المنزل وأبتعد عن الوادي ثم ذهبت لبيته ، فطرقت الباب وكان زهراء تمشط شعرها .
زهراء : " من الطارق ، أهذا أنت يا حامد ؟ ".
أجابت العجوز الخادمة : " أرجوك يا صغيرتي أفتحي لي الباب".
أجابت زهراء : " أنا آسفة لا أستطيع ذلك " ، فقالت العجوز وهي تتعمد إثارة الشفقة : " أرجوك ، لا أستطيع التحمل ، أرحميني ، أكاد أموت جوعاً وعطشاً ".
فرقت الفتاة لها وفتحت الباب وأدخلتها وقدمت لها طعاماً وشراباً ، فرأت العجوز أن شعر زهراء طويل وذهبي مثل الشعرة التي وجدتها في الجدول فكانت تتحين الفرصة لسحب شعرة من شعرها ولكنها لم تستطيع ، فظلت تراقبها إلى أن مشطت زهراء شعرها و كانت العجوز الخادمة تلاحظ أن زهراء لا تقدر على تسريح شعرها لطوله ولكثافته ، فقالت بحب وحنان مصطنع : " أرجوك دعيني أمشط لك شعرك" ، فوافقت زهراء ، وبينما كانت العجوز تمشط لها شعرها قامت بقطف شعرة ، و بعد أن تحدثن كثيراً في مواضيع مختلفة غادرت العجوز الخادمة والسعادة تغمرها ، ولم تنتبه زهراء للوقت وأنه قد حان موعد عودة أخيها والغذاء غير جاهز.
وحين عاد حامد سألها عن سبب تأخر الطعام ، فلم تقل له إلا أنها انشغلت بالتنظيف ، ولكنه قال : " زهراء لماذا تكذبين ؟ لقد كان هنا شخص ما ، لقد أخبرتني الذئاب" ، فأخبرت زهراء حامد بالعجوز الجائعة فحذرها من أن تفتح لأحد مجدداً و صنعت له الغذاء.
عادت العجوز الخادمة إلى قصر السلطان وأهدته الشعرات المطابقة للشعرة التي وجدتها في الجدول و وصفت له جمال زهراء الخيالي ، فأهداها جرة من الذهب والألماس وقال لها : " إن جعلت هذه الفتاة تقبل بالزواج بي سأهديك الذي تتمنينه " ، فوافقت العجوز رغم صعوبة المهمة.
لكن كيف سيكون رد زهراء بعد العهد الذي قطعته لأخيها ؟.
حسناً ، في صباح اليوم التالي انتظرت العجوز حامد حتى ذهب وتوجهت فطرقت الباب ، ولكن زهراء أبت أن تفتح ، لكن العجوز استرحمتها مجدداً ، فتحت لها زهراء و أعطتها طعاماً وشراباً وأعدت الغذاء سريعاً حتى لا يشك حامد في أن هنالك من زارها ، ثم بدأت العجوز الخادمة مهارتها في الإقناع وأخبرتها بأن أخاها يكذب عليها وبأنه سيتزوج يوماً ما ، و حاولت معها حتى اقتنعت زهراء و قررت أخذها ليلاً ، فذهبت العجوز و عاد حامد من العمل وتناول الغذاء ثم قال : " من الذي كان هنا ؟ ".
أجابته زهراء " لا أحد" ، فقال حامد و هو ينهض : " هل تظنينني أحمق ؟ توقفي عن خداعي يا زهراء لقد لأحظت النمور والذئاب ان هناك شخص دخل المنزل ، لقد أخبرتني ، كم مرة قلت لك لا تفتحي الباب لأحد ؟ " ثم غضب حامد و رحل عن المنزل ، وكانت زهراء تشعر بالحقد تجاه حامد ، فهو أولاً قد أطلق النار عليها وقتلها بعد سماع زوجته وتصديقها ، ثانياً يبدو أن كلام العجوز صحيح فهو كاذب ـ إذ كيف للنمور أن تفهم وتتكلم ؟ ، والأرجح أنه هو الذي يتجسس عليها ، وثالثاً لقد تركني وحدي الآن.
لكن حامد لم يكذب ، فالنمور والذئاب والحصان كانوا أذكياء جداً.
وكانت العجوز تراقب من بعيد ، فاستغلت غياب حامد وتوجهت لزهراء واقنعتها أن تأتي معها ، فقامت زهراء بوضع القطن في أذان النمور والذئاب لكي لا يستمعوا لصفير حامد ويلبوا نداءه ، و قامت بوضع سائل لزج عند أقدام الحصان لكي لا يذهب لحامد ، ثم ذهبت مع الخادمة العجوز.
في الطريق وجد حراس السلطان حامد عائد للمنزل فتبعوه وحينما وصل حامد للمنزل بحث عن زهراء ولكن لا أثر لها ، فهاجمه الجنود ، فنادى مستنجداً بحيواناته : "نموري ذئابي حصان أبن هادي .. حطموا الوادي" ، فلم يلبوا نداءه ، فالنمور والذئاب لا تسمع بسبب القطن ، والحصان كلما هم بالنهوض وقع بسبب السائل اللزج.
وطلبت زهراء أن لا يقتلوا شقيقها حامد ، فحلف لها السلطان أنهم لن يقتلوه ، و عندما وصل الحراس للسلطان سألوه : "ماذا نفعل به .. إن لم نقتله سوف يسبب المتاعب ؟" ، فقال السلطان الذي كان فطيناً و ذكياً : " لا تقتلوه ، لأنني أقسمت ألا أقتله ، بل أميتوه بطريقة أخرى" ، فتسأل الحارس كيف ذلك ، فقال السلطان " لا تقتلوه بل أدفنوه حياً في طريق المارة ، حتى أن لم يموت بسببكم فسيموت بسبب أقدام المارة التي تدوسه " ، فقاموا بدفنه ، و بعد ساعة مر مارة يمتلكون ناقة و عندما كانوا يمرون توقفت الناقة وأبت المرور فتسألوا عن السبب ؟ ، فقاموا بالحفر لأنهم يعلمون أن الناقة لا تتوقف إلا إذا كان الأمر متعلقاً ببشري ، فوجدوا حامد ومن حسن الحظ لم يمت بعد.
أقام السلطان حفلاً كبيراً بمناسبة زفافه بزهراء ، أستيقظ حامد وساعده المارة الطيبين وأعطوه جملاً وقوس و رمح فتوجه للقصر حيث الحفل و عندما دخل القصر وبين الحضور نظر للأعلى ، كانت هنالك شرفة مطلعة على جميع القصر مزينة بالورد وكان السلطان مطلاً و بجانبه العجوز الخادمة و بينهما تقف زهراء برداءها الأبيض ، فنظر لها حامد و قال : " أصيد الحمامة بين الصقور" ، فصوب الرمح ناحيتها فقتلها وهرب ، ولكن ما أثار دهشة الحراس أن حامد قد أصاب زهراء بالرمح في جبينها بين عيناها بالذات مثلما أصابها بالبندقية.
أخيرا أتمنى أنكم استمتعتهم بقراءة هذه القصة من الفلكور اليمني الأصيل والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.