قصة جيمس واط

منذ #قصص عالمية

الطاقة للعمل

هناك من قال إننا لسنا سوى معلومات مرزومة في مادّة (جسد) تعملُ بواسطة الطاقة!

إنّ قسماً كبيراً من الطاقة التي نحتاجُها ونحصل عليها من الغذاء الذي نأكله، يُعتبر مطلوباً لجسمنا من أجل تحريك عضلاتنا. ولكنّ عضلاتنا محدودة بكميات الطاقة التي تستطيع إنتاجها، وبسرعتها الخاصّة..

في حقيقة الأمر، نحنُ نفضّل، بشكل عامّ، استغلال جسمنا (ودماغنا) لأهدافٍ مهمّةً أكثر من سحب الماء والتكاسل وممارسة ما قلّ من النشاطات، وهكذا، فمنذ فجر الحضارة البشريّة، بحثَ الناس عن وسائل لتحريك الأشياء من مكانها بوسائل أخرى غير عضلاتهم.. كان البديل الأوّل استغلال قوّة الحيوانات، وفي البلاد الأقلّ تطوّراً، لا يزال هذا البديل سارياً حتّى اليوم – لسحب العجلات وآلات الحراثة، لإدارة حجري الرحى وما إلى ذلك.

حتّى بالنسبة لإمكانيّة الطاقة المائيّة، كان الإنسان قد أخذها بعين الاعتبار في وقتٍ مُبكر جدّاً، وعلى امتداد مئات السنين، قام الإنسان بتشغيل المراوح (مراوح القمح والحبوب الأخرى) بواسطة عجلاتٍ تتحرّك بالطاقة المائيّة.

الصيغة الجديدة للعجلات المائيّة هذه –التوربينات- تعمل اليوم لإنتاج جزءٍ كبيرٍ من الطاقة التي يحتاجها العالَم.

كذلك، قامت الريحُ بعملِها: في أماكن كثيرة حول العالم، وهي عادة أماكن معزولة، لا يزال الناس هناك يستخدمون طاقة الريح لسحب المياه من الأرض.

تقدموا بكامل البخار!

لكن، مع حلول القرن الثامن عشر، فهمَ الناسَ أنّ الحرارة يمكنها، أيضاً، ومبدئيّاً، القيامَ بالمطلوب، وقد فَهِمنا، عمليّاً، أنّ كمية قليلةً من الحرارة يمكنها إجراءُ ما يتطلّب جُهداً كبيراً في ما لو أنّه أجُريَ يدويّاً، كان السؤال التالي: كيف يمكن إجراء هذا التحويل من الحرارة إلى العمل بطريقةٍ ناجعة؟

إنّ مشكلة الطاقة الكبرى التي تواجهها البلاد غير الصناعيّة بعد، هي استخراج كميّات كبيرة من الماء من داخل المناجم.

عام 1732، قام الحدّاد الإنجليزيّ نيوكومب Newcombe ببناء المضخّة البخاريّة التجاريّة الأولى التي عملَت بنجاح في المناجم. كان المبدأ بسيطاً بالكامل، ومرتكزاً على المعرفة – التي كانت جديدةً نسبيّاً في ذلك الوقت – بالقوّة الكبيرة للضغط الجويّ:

تمّ وضعُ مكبَس كبير داخل عجلة مغلقة، بحيث تمتلئ المساحة في جانب واحدٍ بالبخار، أدّى تبريد البخار إلى تكثيفه وتحويله إلى ماء، ولم يبقَ في هذه المساحة سوى الفراغ، تقريباً.

نتيجةً لذلك، لم تكن في الجانب الآخر من المكبَس مقاومةٌ للضغط الجويّ في الجانب الثاني، فدفعَ الضغطُ المكبسَ إلى الأمام بقوّةٍ ملحوظة، تمّ ربطُ المكبَس بالمضخّة، التي رفعت الماء، بدورها، من المنجم.

تصليح جدي

تمّ بناء محرّكات نيوكومب كثيرة واستخدامها في تلك الفترة، عِلماً أنها لم تكن ذات فائدة تُذكر، وكانت هناك حاجةٍ إلى كميّاتٍ كبيرة من الفحم.

لكن، عام 1764، طُلِبَ من الشاب جيمس واط – الذي كان آنذاك يعمل في جامعة غلاغزو بصفة "مُصنِّع أجهزة حسابيّة"، تصليح محرِّك نيوكومب لم يكن يعمل بشكل جيّد، لاحظ واط من فوره أنّ الماكنة التي وُضِعَت بين يديه لم تكن تشكو من شيء، ولكنّ المبدأ التي تقومُ عليه خاطئ.

عام 1765، سجّلَ واط اختراعه الأكبر، الذي ضاعف "بضربةٍ واحدة" فائدة المحرّكات البخاريّة عدة مرات.

من المنطقيّ أن نفترض بأنّه لولا اختراعه لكانت الثورة الصناعيّة قد حدَثَت بصورةٍ أبطأ بكثير، فهِمَ واط أنّ أغلبية الحرارة التي يتم توليدها في محرّك نيوكومب تُصرَف على تحمية المكبَس وجوانب العجلة في كلّ دورةٍ من دورات العمل، باعتبار أنّ ارتفاع الحرارة ينبغي أن يعود فيُبرّدها، من أجل تكثيف البخار.

في مقابل ذلك، وفي محرّك واط، بقيَ المكبَس والعجلة ساخنيْن طول الوقت، بينما تمّ تكثيف البخار في وعاءٍ منفصل، يبقى بارداً

كلّ الوقت، بهذه الطريقة، فإن الماء وحده حين يكون في الحالة السائلة سيتحوّل إلى بخار، وبعدها سيتكثف ويعود من جديد إلى الحالة السائلة.

إنّ كلّ ما ينبغي فعله هو تصليح الصمّامات، بشكلٍ يجعلها تُدخِل وتُخرِج البخار عبر فتحِها وإغلاقِها في اللحظات المناسبة لكلّ عمليّة (دورة).

مع التحسين الذي طرأ على نجاعة المحرّك البخاريّ، ازداد الطلب على استخدام الطاقة لأهداف أخرى، وليس فقط لهدف استخراج الماء، ما يعني أن الأمر كان يتعلّق بالحركة الدائريّة.

طوَّر واط طريقةً مبتكَرة وذكيّة لتحويل التحرّك المخروطيّ (الذهاب والإياب) إلى حركة دائريّة، بالإضافة إلى ذلك، ولجعل العمليّة "أكثر سلاسةً"، بل حتّى لمضاعفة القوة، أدخَلَ واط بخاراً لجانبيْ المكبَس، الواحد تلوَ الآخر (بالتناوب).

أدّى هذا التطوير إلى تحرير محرّكات البخار، أخيراً، من استخدام الضغط الجويّ لتحريك المكبَس، ومهّدَ الطريق إلى استخدام البخار بضغطٍ عالٍ، الأمر الذي عارضه واط بالذات.

التوربينات

خلال الـ150 سنة اللاحقة، وصلت محرّكات واط (وإنْ لم يكن بصيغتِها الأصليّة ولكن بصيَغ مُحسَنة كثيرة) إلى السفن، القطارات والماكينات في المصانع حول العالَم.

كانت الخطوة الكبيرة التالية هي تطوير توربينات بخاريّة، فيها بخارٌ عالي الضغط يُحرّك نظامَ الشفرات الدوّارة.

تتمتّع التوربينات بإيجابيّةِ الدوران المباشرة بسرعة كبيرة، وهي صفةٌ تُعتبر التوربينات بفضلها وسيلةً مثاليّةً لتحريك المولّدات الكهربائيّة (الدينامو).

تم اختراع التوربينات عام 1884، ولكنّ استخدامها الواسع لم يتطوّر إلا بعد مرور سنواتٍ كثيرة، أمّا اليوم، فتُعتبر التوربينات هي المسؤولةً عن إصدار أغلبية الكهرباء في العالَم.

ومن سخرية القدر، كان واط قد اخترع، أيضاً، ما هو "عكس" التوربينة – المروحة الدافعة، التي تدفع الماء إلى الخلف وتحرّك السفنَ إلى الأمام، أطلق على ذلك اسم "المجداف اللولبي".

رجل الأفكار

كان واط مليئاً بالأفكار مثل ثمرة الرمّان، وكان قد سجّل كثيراً منها كحقوق ملكيّة فكريّة ("براءة اختراع")، على سبيل المثال جهاز لنسخ التماثيل، ماكِينة محمولة لرسم الطبيعة من منظور ما، و"عربة بخاريّة" تُستخدَم بشكلٍ عاديّ، مركبةٌ كان يمكنه من خلالها حتّى استبدال المشي، والسفر بها مع مقابلٍ ماديّ!

ولكنّ واط كان شخصاً محترماً ومتواضعاً ليس مثله شخصٌ آخر، فرغم حاجته إلى المال، رفض اقتراحاً مُغرياً طرحَهُ عليه الفرنسيّون عام 1786 مقابل براءة اختراعه، لأنّ الخطّة كانت، حسب رأيه، "تناقض المصالح الإنجليزيّة" (لا تنسوا أنه كان أسكتلنديّاً!).

في مرحلة لاحقة من حياته، رفض أيضاً لقب "بارون" الذي طلبت السُّلطات منحَه إياه.

هل تعرفون عُلماءَ كثيرين كانوا سيتصرّفون هكذا اليوم؟

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك