قصة فيلو تايلور فرانوُورت

منذ #قصص عالمية

من اخترع التلفزيون؟

تطوّر التلفزيون بفضل جهود مستكشِفين ومخترِعين كثيرين، ومع ذلك كلّه، قرّر مكتب براءات الاختراع الأمريكيّ بشكلٍ واضح وصريحٍ ما يلي: فيلو فرانزوُورث هو مُخترِع التلفزيون الإلكترونيّ، كان ذلك عام 1934، وكان فرانزوُورث شابّاً: لم يتجاوز عمره الثامنة والعشرين.

لمعَت الفكرة في رأسه قبل ذلك بكثير: كان فتًى في الخامسة عشرة من عمره عندما قرأ مقالاً يتحدّث عن التكنولوجيا المستقبليّة التي ستُتيحُ بثّ صوَرٍ لمسافات بعيدة. تحكي الأسطورة أنّ فرانزوُورث كان يحرثُ حقلَ بطاطا راكباً على محراثٍ مربوطٍ بحصانٍ، ثِلماً ثِلماً، عندما راودته فكرة القيام بذلك أوّل الأمر: فهمَ أنّ شعاعاً من الإلكترونات يستطيع مسحَ صورةٍ معيّنة، خطّاً خطّاً، تماماً مثلما نفعل نحن حين نقرأ كتاباً (وتماماً مثلما يمسحُ المحراثُ الحقل).

المشاكل، والحل القديم

من أجل بثّ صورةٍ لمسافات بعيدة، يجب تحويلها إلى تيّارٍ كهربائيّ.

من أجل استقبال الصورة، يجب تحويل التيّار الكهربائيّ إلى صورةٍ من جديد.

حاولَ كبار عُلماء الفترة ومهندسوها، الذي حظوا بدعمِ شركاتٍ ثريّة – صاحبة موارد وسُلطة كبيرة، تحويلَ الصورة إلى إشارات نبضاتٍ كهربائيّة (والعكس) بواسطة اسطواناتٍ ومرايا دوّارة.

أعلنَ عن الجهاز الأوّل من هذا النوع، طالبٌ ألمانيٌّ اسمه باول نيبكوف Nipkov، أواخر القرن التاسع عشر، كانت الفكرة المركزيّة لجهازه هي أنّ الاسطوانة المثقوبة والدوّارة تقوم بمسح الصورة، خطّاً خطّاً. يقوم عنصر السيلينيوم، الذي تتغيّر موصلاته الكهربائيّة لدى تفاعلها مع الضوء، بتحويل الصورة إلى إشارات كهربائيّة، بمعنى أنّه يُمرّر إشارة التيّار الكهربائيّ حسبَ الضوء الموجود في كلّ جانبٍ من جوانب الصورة. يتم استقبال الصورة اعتماداً على المبدأ نفسه: تدورُ اسطوانةٌ مثقوبةٌ بما يتلاءم مع الاسطوانة الأولى (ليس من السهل التوصّل إلى هذا التلاؤم، وقد أخذت لامبة النيون الصغيرة تُومِضُ في الخلفيّة بوتيرةٍ تُحاكي وتيرة وصول الإشارات الكهربائيّة.

استوعب فرانزوُورث أنّ الاسطوانات والمرايا لن تدورَ أبداً بالسرعة الكافية التي تُتيح عمليّة بثّ صورةٍ كاملةٍ لمسافات بعيدة. كانت فكرته مختلفةً بجوهرها: حيث إنها لم تضمّ أيّة أجزاء متحرّكة.

الفتى الذي تخيل التلفزيون

أيّ فتًى ذاك الذي يُفكّر بالأجهزة الإلكترونيّة الحديثة وهو في هذه السنّ الصغيرة؟

كان ابناً لعائلةٍ من المزارعين المورمون في غرب الولايات المتّحدة؛ ليس بالضرورة المكان الأكثر تقدّماً من الناحية التكنولوجيّة في الولايات المتّحدة في ذلك الحين.

كان فرانزوُورث قد قرأ تاريخ الكهرباء في الكتب قبل أن يرى خيوط الكهرباء للمرّة الأولى عام 1919.

بعد ذلك بوقتٍ قصير، قام بتصليح مُولِّد كهرباء كان قد تعطّل (وقفَ البالغون هناك مذهولين)، فأصبح "المهندس الكهربائيّ" الرسميّ للعائلة: لقد بنى مجموعةً من الأجهزة التي سهّلت القيام بأعمال البيت والمزرعة، وقرّر أنّه وُلِدَ ليكون مُخترِعاً.

الجوهرة المخبأة: فرانزوورت يشعر بالملل في المدرسة..

وصل "دودة الكتب" فرانزوُورث إلى المدرسة الثانويّة المحليّة، فأصابه المَلَل. تمّ قبوله في صفّ الكيمياء للجيل الأكبر سنّاً، ولكنّه شعر بالمَلل هناك، أيضاً.

أنقذَ مُعلّم الكيمياء الحالَ عندما بدأ بإعطاء فرانزوُورث دروساً شخصيّةً بعد ساعات الدوام. وأنقذَ المعلّمُ نفسُه الحالَ بعد سنوات من ذلك، عندما شهِدَ إعلانَ فرانزوُورث مبدأ عمل كاميرا التلفزيون الإلكترونيّة عام 1922. إنّ شهادتَه تلك أقنَعَت مكتب براءات الاختراع الأمريكيّ بأنّ فرانزوُورث، وليس غيره، هو مُخترع كاميرا التلفزيون الإلكترونيّة.

وضعَ فرانوُورث تخطيطاً لجهازٍ تتشكّل فيه هيئة (صورة) غرضٍ على سطح لوحٍ خاصٍّ موجودٍ داخل أنبوبٍ فارغ خالٍ من الهواء. تقوم أشعّة إلكترونات يتمّ تحريكها بواسطة مغناطيسٍ كهربائيّ بمسحِ الصورةِ خطّاً خطّاً (المغناطيس الكهربائيّ هو أنبوبٌ معدنيّ يتحوّل إلى مغناطيسٍ عندما نُمرّر عبره تيّاراً كهربائيّاً).

توقّع فرانزوُورث أنّ ملامسة أشعّة الإلكترونات لكلّ المناطق على سطح اللوح، ستُتيحُ إرسال إشارةٍ كهربائيّةٍ لمسافة بعيدة تكون قوّتها على علاقةٍ طرديّةٍ مع قوّة الضوء في منطقة الصورةِ هذه. هنا، أيضاً، يتم إجراء الاستقبال والبثّ اعتماداً على المبدأ نفسه، بمعنى أنّ الإشارات الكهربائيّة تتحوّل إلى صورةٍ بفضل شعاع الإلكترونات الذي يقوم بمسح اللوح الخاصّ (والذي يختلف عن اللوح الموجود في جانب البثّ). يظهر المسحُ في جانب البثّ، وقوّة الإشارات الكهربائيّة من خلال قوّة الضوء في الصورة التي يتم استقبالها.

الطريق الطويلة من الفكرة الى التلفزيون

عام 1923، بدأ فيلو فرانزوُورث يدرسُ في الجامعة، حيث استخدَم أجهزَتها لتطوير الأبحاث التي ستؤدّي يوماً ما إلى بناء التلفزيون الإلكترونيّ. لكنّه لم ينجح في التقدّم كثيراً، ذلك أنّه كان يفتقر إلى مصادر التمويل لأبحاثه، ولأنّه خلال وقتٍ قصير، اضطرّته وفاة والده إلى ترك الدراسة والمساعدة في إعالة أسرته.

فهِمَ فرانزوُورث أنّ فكرة التلفزيون الإلكترونيّ هي فكرةُ اختراعٍ له إمكانيّةٌ ربحيّةٌ تجاريّة.

بعد عدّة سنواتٍ من تركه الجامعة، تمكّن فرانزوُورث من إقامة ما ندعوه اليوم شركة ستارت-أب: حيث نجح في تجنيد تمويلٍ لإقامة مختبرٍ إلكترونيّ لنفسه، يقوم فيه بتطوير تلفزيون يعمل.

بعد أن توفر لديه بعض المال، نشأت لديه مشاكل صعبة: لم يكن من الممكن، ببساطة، الذهاب إلى حانوتٍ ما وشراء قطِع تلفزيون، فصارَ فرانزوُورث، يقومُ بأعمالٍ غامضة في بيته: جلسَ صِهرُ فرانزوُورث في الساحة الخلفيّة، وراح يضمُّ خيوطاً نحاسيّة حول أنبوبٍ مصنوعٍ من الكرتون (قام ببناء أنبوبٍ نحاسيٍّ يعملُ كمغناطيسٍ كهربائيٍّ في كاميرا التلفزيون!). اتّصل أحد الجيران بالشرطة – إذ اشتبه بنشاطات غير قانونيّة تجرى في البيت.

بعد سنواتٍ من ذلك، تبيّن أن تحقيقَ الفكرة يتطلّب المزيدَ والمزيدَ من التمويل. تمت إدارة النضال على عدّة جبهات: إقناع رجال الأعمال الأغنياء بالاستثمار في المشروع، منعهم من أن تكون لديهم سُلطة كاملة على مُختبر البحث، إقناعهم بعدم بيع المختبر حتّى لا يضطّر فرانزوُورث إلى التنازل عن حريّة بحثه وعن استقلاليّته، والتغلّب على الصِّعاب التقنيّة التي كانت لا تزال تقفُ عقبةً في الطريق.

جنّدَ فرانزوُورث مختبره بطاقمِ عملٍ ماهر، مهنيّ ومُخلِص، اختبرَ معه العديد من التقلّبات. وافقوا على العودة إلى العمل معه حتّى بعد أن اضطرّ إلى إقالة أشخاصٍ معدودين منهم، نتيجةَ ضغوط المستثمِرين، حتّى إنّهم وصلوا معه إلى الطرف الثاني من الولايات المتّحدة، إلى مدينة فيلادلفيا في الساحل الشرقيّ. لقد كان الطاقم كلّه، برئاسة فرانزوُورث، من وجدَ الحلول التقنيّة المطلوبة.

استمرّت حالات النضال مقابل المستثمِرين، وفي سنوات الثلاثين ظهرت حالات نضالٍ أخرى: النضال من أجل حقّ الرفض. كان الأمر أشبه بحكايةٍ مليئةٍ بالتشويق: تجسّسٌ صناعيّ، مؤامرات وصفقاتٌ مشبوهة من وراء ظهر فرانزوُورث، وفي نهاية الأمر، تسجيل براءة الاختراع الأمريكيّ باسم فرانزوُورث، وليس باسم منافسِه فلاديمير تسفوركين Zworkin.

عمل تسفوركين برعاية الشركة الأمريكيّة RCA، التي كانت لديها براءات اختراع خاصّة بقطَع أجهزة الراديو. اعتُبرَ تسفوركين مؤسّس التلفزيون الإلكتروني، وربما كان ذلك، أيضاً، بفضل دعم شركة RCA. مع ذلك، لم يُساعده هذا الدعم في مكتب براءات الاختراع الأمريكيّ.

عمليات البث الأولى لدى فرانزووت

كان فرانزوُورث في حاجةٍ إلى جهازٍ إلكترونيٍّ يفكّك الصورة ويحوّل مركّباتها، خطّاً خطّاً، إلى نبضات كهربائيّة. نَدعو هذا الجهاز باسم "كاميرا التلفزيون".

كان في حاجةٍ إلى جهازٍ يقوم بـ"تجميع" الصورة من جديد بشكلٍ يُمكّن من مشاهدتها. نَدعو هذا الجهاز باسم "مُستقبِل التلفزيون".

كان الجهازان في متناول يده عام 1927، ولكنّه لم ينجح، في محاولاته الأولى، في بثّ الصوَر، وإنما مجرّد ومضات ضوئيّة. خلال شهرٍ تقريباً، كان في الإمكان بثُّ صورةٍ بسيطة: خطّ عموديّ أو أفقيّ. شيئاً فشيئاً، كان في الإمكان، أيضاً، بثُّ صوَرٍ أكثر تعقيداً، عِلماً أنّ الصوَر لم تكن ثابتة أو واضحة لوقتٍ طويل.

تم إجراءُ البثّ العَلني الأوّل لتلفزيون فرانزوُورث منتصفَ سنوات الثلاثين في معهد Franklin Institute بمدينة فيلادلفيا. من حضروا، وكانوا كثيرين، استطاعوا مشاهدة أنفسهم، وحتّى في مناسباتٍ مختلفة، على شاشة التلفزيون الأولى التي أظهرَت جمهوراً.

تحققت فكرة فرانزوُورث من الناحية التكنولوجيّة بعد أكثر من عشر سنواتٍ على إعلانِه إياها. رغم ذلك، مرّت سنواتٌ كثيرةٌ قبل أن يصبح التلفزيون على ما هو عليه اليوم: جهازٌ لا يمكن تصوّر الحياة بدونه.

وفي النهاية

استمرّ إجراءُ التحسينات التكنولوجيّة، ومع حلول منتصف سنوات الثلاثين، كانت هناك قنواتُ بثٍّ في بريطانيا، ألمانيا والولايات المتّحدة.

حتّى عام 1939، كان قد بيعَ نحو 20.000 جهاز تلفزيون في مدينة نيويورك.

في المعرض العالميّ لعام 1939، الذي أُقيمَ في نيويورك، وفي معرض "باب الذهب" الذي أُقيمَ في سان فرانسيسكو العامَ نفسَه، كان الجمهور الرحب يستطيع مشاهدة عيّنةٍ واسعة من البثّ التلفزيوني، حتّى أنّ رئيس الولايات المتّحدة في حينه، فرانكلين روزفيلت، ألقى خطابَه الرئاسيّ الأوّل في 30 نيسان 1939.

رغم ذلك، أوقفت الحرب العالميّة الثانية عمليّة الاستقبال التي يُجريها مُستقبِل التلفزيون في كلّ بيت. كانت القِطَع المطلوبة لصناعة أجهزة تلفزيون مطلوبةً، كذلك، في الجهود الحربيّة، مثل القِطَع الخاصّة بأجهزة الرادار. تمت صناعة أجهزة تلفزيون لاستخدام الجمهور الرحب من جديدٍ بعد الحرب، وذلك بعد أن تمّ تحويل مصانع الأسلحة العسكريّة إلى مصانع لتصنيع التلفزيون.

منذ ذلك الحين، تحسّن التلفزيون أكثر فأكثر.

كان ظهور التلفزيون الملوّن، سنوات الستين، تطوراً أحدث تغيراً بارزاً في عين المُشاهد، كما كان التغيير في هيكليّة المُستقبِل: حيث تحوّل من قطعة أثاثٍ ضخمةٍ في مقدّمته شاشةٌ صغيرة، إلى عُلبةٍ تحتلّ فيها الشاشة معظم المقدِّمة. تعكسُ هذه التطوّراتِ التقدّم التكنولوجيّ، حتّى أنّ كاميرا التلفزيون لم تكن استثناءً: في البداية، كان فرانزوُورث يستطيع إرسالَ بثٍّ مباشرٍ فقط؛ لم تكن كاميرته تُسجّل الصوَر لتحفظَها في المستقبل. ثانياً، تغيّر الجهاز الذي يُحوّل الصوَر إلى تيّارٍ كهربائيٍّ في قياساته من جهاز استشعار ضخم إلى قطعة إلكترونيّة صغيرة مصنوعة من مسطح من المجسّات.

وَ فرانزوُوت

استمرّ في إجراء أبحاثٍ مختلفة، وكان قد بحث، ضمن أشياء أخرى، عمليات الانشطار النووي واستخداماتها المُحتمَلة في سياقات غير عسكريّة.

كان من بين اكتشافاته ما ساهم في تطوير المجهر الإلكترونيّ وغيره.

عام 1983، تم تكريم ذكرى المُخترِع البارز على شكلٍ طابعٍ بريدي يحملُ صورته الشخصيّة، واختارته مجلّة Time العريقة كواحدٍ من أهمّ مائة شخصٍ في القرن العشرين.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك