بعد مرور عدة أيام...
وقفت أمام المرأة تتأمل فستانها الطويل بملامح راضية، كانت ترتدي فستان أخضر اللون يماثل لون عينيها طويل يصل الى كاحلها يحيط به حزام اصفر اللون عند خصرها، وترتدي في قدميها حذاء اصفر اللون ايضا...
شعرها الاسود ينسدل على ظهرها بغزارة بينما مرفوع من الامام من الجانبين قليلا الى الخلف بشكل يبرز ملامحها الجميلة...
تنهدت بسعادة وهي تضع عطرها المفضل على رقبتها وملابسها، لقد عادت لتوها من شهر العسل وستذهب الان الى منزل عائلتها، هي متحمسة للغاية، اشتاقت بشدة لوالديها واخواتها، تذكرت تلك الايام الجميلة التي قضتها مع جابر، كم كانت سعيدة بها، تشعر بأنها أسعد إمرأة بهذا الكون.، فقد إكتمل عشقها اخيرا وتحققت جميع أمانيها حالما ارتبطت بمن تحب...
التفتت الى الخلف حينما سمعت صوت الباب يُفتح ثم ابتسمت بحبور ما ان رأت جابر يتقدم نحوها وهو يرتدي حلة بنية اللون، احتضنها وطبع قبلة على جبينها ثم همس لها بإعجاب: تبدين رائعة...
وانت ايضا...
قالتها بخجل فبالرغم من مرور عدة ايام على زواجهما الا أنها ما زالت تخجل منه ومن غزله الذي لا ينتهي...
هل انتِ جاهزة لنخرج الان؟!
اومأت برأسها ثم اتجهت الى السرير وحملت حقيبتها الموضوعة عليه وقالت موجهة حديثها له: انا جاهزة...
هيا بنا اذا...
قالها جابر وهو يقبض على كف يدها ويسحبها خلفه، خرج الاثنان من الغرفة ليتفاجئا بوالدة جابر أماميهما، كانت تنظر إليهما بنظرات مريبة قبل ان تقول: إلى أين؟!
تطلعت ليلى الى جابر بنظرات مستفهمة ليجيب جابر والدته: سنذهب الى اهل ليلى...
ألا يمكنكما الانتظار الى الغد؟!
قالتها وهي تلوي فمها بضيق ليرد الابن عليها: ليلى اشتاقت لهم، وهم ايضا اشتاقوا لها...
لا تتأخرا على العشاء اذا...
قاطعتها ليلى: ولكننا سنتعشى عند اهلي...
رمتها حماتها بنظرات باردة قبل ان تهتف بها: لقد جهزت عشاء يكفي لأربعة اشخاص.، ولست مستعدة لأن أرميه في الزبالة فقط لأنكما لا تريدان تناول العشاء معنا منذ اول يوم...
ولكن...
كادت ليلى ان تتحدث الا ان جابر قاطعها بسرعة محاولا حل المشكلة قبل تفاقمها: لا بأس أمي، سوف نتناول العشاء معكما هذه المرة...
ثم أكمل بسرعة غير آبه بنظرات ليلى المنصدمة: هيا عزيزتي لقد تأخرنا...
سارت ليلى أمامه وهي ما زالت مصدومة مما حدث أمامها قبل لحظات...
وصل الاثنان الى منزل عائلة ليلى التي التزمت الصمت طوال الطريق رغم غضبها الداخلي...
حاولت ان تأخذ نفسا عميقا وترسم ابتسامة على وجهها وتنسى ما حدث...
دلف الاثنان الى الداخل لتستقبلهما العائلة المكونة من الاب والام ومازن والاخوات...
بعد تبادل السلام والقبلات جلس الجميع في صالة الجلوس...
سحبن الفتيات ليلى واتجهن بها الى غرفتها المشتركة مع فرح لتسرد لهم ما حدث خلال شهر العسل...
أخذت تحدثهن عن الأماكن الجميلة التي زارتها وعن تفاصيل كثيرة ولم تنس ان تريهمن الصور التي التقطتها...
بعد فترة انفردت ليلى بفرح وأخذت تسألها عن حالها واستعداداتها لحفل زفافها الذي سيقام بعد يومين...
تنهدت فرح وقالت بقلق حقيقي: قلقة للغاية يا ليلى، أشعر بأنني أذهب نحو المجهول بزواجي هذا، لا أعرف ما ينتظرني، اضافة إلى أن أدهم يبدو شخصا غريبا غامضا غير مفهوم...
تطلعت ليلى إليها بنظرات حائرة ولم تعرف ماذا تقول لها، هي تدرك أن أختها معها كل الحق في خوفها...
فالإرتباط بشخص غريب عنك لا تعرفينه يبدو أمرا مريبا وغير سهلا...
فرح عزيزتي.، تفائلي خيرا، قد تكون هذه الزيجة خيرا لك...
هزت فرح رأسها بعدم اقتناع ثم قالت مغيرة الموضوع: ماذا عنك؟! أخبريني، لماذا تبدين مضطربة قليلا؟!
أشاحت ليلى وجهها بعيدا عن فرح محاولة ان تخبئ الضيق والغضب الذي ظهر على ملامحها بوضوح ما ان تذكرت ما حدث مع والدة جابر ثم قالت كاذبة: انا بخير...
شعرت فرح بأن هناك شيء ما يحدث مع اختها، فإضطرابها كان واضحا اضافة الى نبرتها الباهتة وهي تخبرها أنها بخير...
ليلى لا تكذبي علي.، أنا أعرفك جيدا، أنتِ تبدين متضايقة من أمر ما...
زفرت ليلى أنفاسها بقوة ثم حركت وجهها نحو فرح وأخذت تسرد على مسامعها ما حدث...
يا الهي ما هذا؟! وأنتما ستنفذان ما قالته؟!
سألتها فرح بعدم تصديق لتومأ ليلى برأسها وهي تكاد تنفجر من شدة الغيظ لترد فرح بتعجب: ما هذه المرأة العجيبة؟! لم تراعِ أنك ما زلت عروس جديدة ترغبين بزيارة أهلك والبقاء معهم قليلا...
تراعي، !!! أنتِ على نيتك يا فرح، من الظاهر أن حموات هذا الزمن لا يراعين أي أحد...
قالتها ليلى بلهجة متهكمة لتتطلع إليها فرح بأسف وتقول بمواساة: لا بأس عزيزتي.، تحمليها لأجل جابر...
اومأت ليلى برأسها دون أن ترد بينما أخذت فرح تحاول إخراجها من ضيقها فبدأت تحدثها عن مختلف المواضيع وتسرد لها ما حدث في الأيام التي سافرت بها...
عاد كلا من ليلى وجابر الى منزلهما بعد فترة ليست بطويلة...
تناولا العشاء مع والدي جابر ثم توجها الى غرفتهما...
دلفت ليلى الى الغرفة يتبعها جابر الذي اقترب منها واحتضنها من الخلف وأخذ يقبل رقبتها بشوق شديد...
ابتعدت ليلى عنه بشكل أثار استغرابه فسألها بضيق: ماذا حدث حبيبتي؟! لماذا تبتعدين عني بهذا الشكل؟! هل انت متضايقة مني؟!
عقدت ليلى ذراعيها أمام صدرها وقالت بنبرة ذات مغزى: برأيك لماذا؟! ألم يحدث شيء يستحق أن أتضايق منك لأجله؟!
حاول جابر تذكر ما فعله وضايقها لكنه فشل فقال بصدق: انا حقا لا أفهم مالذي فعلته.؟!
تنهدت ليلى بصوت مسموع ثم قالت موضحة له: هل نسيت ما فعلته والدتك معنا؟! وكيف تصرفت أنت؟!
ابتسم جابر بعدم تصديق وقال: هل تمزحين يا ليلى؟! هل هذا الضيق كله بسبب أننا تعشينا مع والدي وليس مع عائلتك...
لا تحور كلامي من فضلك...
قالتها بحدة جعلته يصرخ بها: وانتِ لا ترفعي صوتك عليّ بهذا الشكل...
شعرت ليلى بخطأها فإعتذرت منه: انا اسفة، لم انتبه لنبرة صوتي وهي ترتفع، لكنني غاضبة بشدة..
لما كل هذا الغضب؟! فقط لأن والدتي رغبت بأن تتناول عشائها معنا؟!
ضغطت ليلى على أعصابها بقوة وهي تجيبه بغضب مكتوم: ألم تلاحظ طريقتها وهي تخبرنا بهذا؟! هي حتى لم تراعِ كوني ما زلت عروس جديدة، ولم تحترم رغبتي برؤية أهلي...
هي بالتأكيد لا تقصد يا ليلى...
قالها جابر محاولا تبرير أفعال والدته لتقول ليلى بجدية: بلى تقصد يا جابر، وانت نفذت لها ما أرادت بكل سهولة...
وماذا عليّ أن أفعل، إنها أمي...
قالها جابر بنفاذ صبر لتهتف ليلى بملل: لا تفعل شيئا يا جابر، لا تفعل أي شيء...
ثم اتجهت نحو الخزانة وأخرجت بيجامتها منها وهمت بالذهاب الى الحمام الملحق بغرفتها لتجد جابر يقف في وجهها يقول: لا تتضايقي مني حبيبتي، انا لم أقصد أن أزعجك...
تنهدت ليلى وقالت: لا بأس، حصل خير...
ابتسم جابر براحة ثم قال وهو يغمز لها: سأنتظرك حتى تنتهي من حمامك...
ابتسمت ليلى بخجل ثم اتجهت الى الحمام تاركة إياه يتابعها بإبتسامة...
في صباح اليوم التالي...
استيقظ أدهم على صوت منبه هاتفه، تأفف بضيق وهو يحمل هاتفه ويضغط على زر اطفاء المنبه، نهض من فوق سريره بتكاسل شديد واتجه الى الحمام، أخذ حمام سريع ثم خرج وهو يلف منشفة بيضاء على خصره، ارتدى ملابس خروجه وبدأ يسرح شعره حينما سمع طرقات على باب غرفته يتبعها دخول أسامة الذي أخذ يقول بمرح: صباح الخير أيها العريس...
رد أدهم عليه بإقتضاب وهو يرش عطره المفضل: صباح النور...
ثم أردف بضيق جلي: كف عن مناداتي بالعريس...
ألست كذلك؟!
قالها أسامة بتعجب قبل ان يردف بجدية: عليك تقبل هذا يا أدهم.، أنت عريس، وعروسك في تلك القرية.، وغدا ستصبح هنا في غرفتك...
قاطعه أدهم بإنفعال غاضب: حسنا حسنا فهمت، لا داعي لأن تذكرني بهذا في كل دقيقة...
حسنا إهدأ...
قالها أسامة محاولا تهدئته ثم ما لبث أن أكمل: أين ستذهب هكذا منذ الصباح الباكر؟!
اجابه أدهم وهو يرتدي سترته: مشوار مهم، يجب أن أقوم به اليوم...
عقد أسامة حاجبيه متسائلا بتعجب: مشوار ماذا؟!
أجابه أدهم: لو كنت اريد إخبارك لأخبرتك قبل ان تسأل...
ابتسم أسامة بحرج وقال: كما تشاء، عاجلا او أجلا سأعلم كل شيء...
رماه أدهم بنظرات غير مبالية قبل ان يحمل هاتفه ويخرج من غرفته متجها الى مشواره المزعوم...
وصل أدهم بعد حوالي ثلث ساعة الى العمارة التي تقع بها شقة شيرين...
خرج من سيارته واتجه الى داخل العمارة، ركب المصعد الذي ارتفع به نحو الطابق الذي تقع به الشقة المقصودة، وقف أدهم أمام باب الشقة وضغط على جرس الباب لتفتح شيرين له الباب بعد لحظات قليلة وهي تبتسم بسعادة...
أدهم كيف حالك؟!
منحها أدهم إبتسامة واسعة وقال: بخير الحمد لله...
تفضل...
قالتها شيرين وهي تفسح المجال له ليلج الى الداخل...
أين الصغيرر؟!
سألها أدهم وهو يبحث بعينيه عنه لتجيبه شيرين وهي تسير خلفه بعدما اغلقت الباب: ليس هنا.، لقد ذهب مع الخادمة الى السوق...
جلس أدهم على الكنبة بينما سألته شيرين بسرعة: قهوة؟!
اومأ أدهم برأسه وهو يخلع سترته ويرميها بجانبه لتتجه شيرين بسرعة نحو المطبخ وتصنع له القهوة...
عادت بعد لحظات وهي تحمل بيديها كوب القهوة خاصته، أخذه أدهم منها وتناوله بشرود...
شعرت شيرين بشروده وضيقه فسألته بتردد: تبدو متضايقا للغاية، هل حدث شيء ما؟!
تنهد أدهم وقال مجيبا: غدا حفل زفافي...
أوووه، بهذه السرعة...
اومأ برأسه دون أن يرد لتردف شيرين: ولما أنت متضايق الى هذا الحد؟!
أجابها أدهم بجدية: سأتزوج من فتاة لا أحبها ولا اريدها.، ألا يجب أن أتضايق؟!
نعم يجب أن تتضايق.، لكن لا حل اخر أمامك.، عليك ان تتقبل هذا...
وهل فعلت أنا شيئا غير هذا؟!
هزت شيرين رأسها نفيا وقالت: كلا لم تفعل، لكن لو تنظر الى الامر من الجانب الاخر ستجد أنك لست المتضرر الوحيد بهذه الزيجة، هناك فتاة أيضا ستتضرر منها.، فتاة أجبرت على الزواج من رجل لا تعرفه ولا يرغب بها...
وهل تظنين أن هناك يفكرون مثلنا.؟! هناك لا يهتمون لهكذا مواضيع...
قالها أدهم بسخرية منهم ومن تفكيرهم السطحي بنظرة لتتسائل شيرين بعدم فهم: انا لا أفهم ما تعنيه...
أجابها أدهم وهو يضع كوب قهوته على الطاولة أمامه: ما أعنيه أن ثلاث ارباع الفتيات هناك يتزوجن من رجال لا يعرفونهم، يتبعون أوامر أبائهم، يقولون تزوجي فلان فتتزوجه على الفور...
لا أصدق هذا.، غير معقول، لقد تطورت الحياة هناك يا أدهم...
قالتها شيرين غير مستوعبة لما تقوله ليرد أدهم بجدية: بلى صدقي...
تطلعت إليه شيرين بأسف ثم قالت فجأة: وماذا ستفعل اذا؟!
تنهد أدهم وهو يجيبها: سأتزوجها وأمري لله...
شعرت شيرين بالشفقة لأجل الفتاة المسكينة فقالت له: لا تضايقها بكلامك أو تصرفاتك، يعني لا تقسو عليها...
ابتسم أدهم ساخرا وهو يتذكر لسانها الطويل الذي وعد نفسه بأنه سيقصه بأقرب وقت...
نهض من مكانه وحمل سترته وارتداها لتنهض شيرين من مكانها وتقول: ستذهب الان..
اومأ أدهم برأسه وقال: نعم سأذهب.، سلميلي على الصغيرر، سأزوره قريبا...
ثم تحرك خارج الشقة، اتجه الى سيارته، جلس داخلها أمام مقود سيارته وأخذ يفكر فيما ينتظره...
يشعر بأنه مقيد، غير حر، بالرغم من كونه هو من أراد لهذه الزيجة أن تتم وقبض ثمنها كاملا.، ولكن هناك في داخله إنقباضة غريبة تخبره بأن هذه الزيجة لن تجلب الخير له كما أراد...
افاق من شروده و اعتدل في جلسته وهو يستمع الى صوت هاتفه يرن...
أخرج الهاتف من جيبه ليجدها تتصل به...
تنهد بضيق وأجاب على زر الإجابة ليأتيه صوتها الناعم المغنج: أدهم، أين أنت؟! هكذا تتركني كل هذا الوقت دون أن تزرني.، لقد إشتقت لك، ألم تشتق إلي...
أجابها أدهم بصوت غليظ: أهلا كارول.، أنا في عمل مهم.، هل حدث شيء ما لتتصلي بهذا الوقت المبكرر؟!
جاءه جوابها الناعم: اشتقت إليك أدهم.، إشتقت إليك كثيرا...
كارول، أريد أن أخبرك بشيء مهم...
قالها مقاطعا إياها من وصلة غزلها تلك لتسأله بتوتر شعر به بوضوح: قل ما لديك يا أدهم، أسمعك...
أجابها أدهم بصراحة: انا سأتزوج غدا...
ماذا؟!
أبعد أدهم الهاتف عن أذنه للحظات قبل أن يعيده خلف أذنه وهو يسمعها تصرخ بعدم تصديق: كيف تفعل بي شيئا كهذا.؟! ألم تفكر بي؟!
كارول، انا بي ما يكفيني.، لا ينقصني أنتِ.، سنتحدث لاحقا...
لكن...
وقبل أن تكمل ما تريد قوله كان هو قد أغلق الهاتف في وجهها...
دلفت أسما الى غرفة ابنتها لتجدها ما زالت نائمة بعمق...
اتجهت نحو النافذة وفتحت الستائر على مصراعيها ليسطع نور الشمس في ارجاء الغرفة...
تغضن جبين الاء بضيق وبدأت ترمش بعينيها حتى فتحتهما لتغمضهما بسرعة مرة اخرة...
عادت وفتحت عينيها واعتدلت في جلستها لتجد والدتها أمامها تقول بجدية: هيا يا الاء استيقظي...
أمي ماذا حدث؟! لماذا توقظني مبكرا؟!
أجابتها أسما وهي تجلس على السرير بجانبها: غدا يوم زفافك وانتِ ما زلت نائمة...
زفرت الاء أنفاسها بضيق وقالت من بين أسنانها: ظننت أن هناك شيئا مهما...
ألا تعتبرين زواجك أمرا مهما؟!
رددتها الام بذهول لتنهض الاء من فوق سريرها فيظهر قميص نومها الازرق القصير...
اتجهت الى النافذة وأخذت تتأمل الحديقة الخارجية للقصر بملامح قاتمة قبل ان تهمس بجمود: كلا لا اعتبره.، هذا الزواج بالنسبة لي مثله مثل أي صفقة، لا يختلف عنها كثيرا...
نهضت أسما من مكانها واقتربت منها ووقفت بجانبها ثم قالت بجدية: انتِ حقا غريبة يا الاء، لما كل هذه القسوة واللامبالاة؟!
هكذا أنا، طوال عمري هكذا ولم أتغير، لما انتِ مستغربة لا أعلم؟!
ردت أسما بضيق: انا لا يعجبني حالك هذا.، أريد منك أن تتغيري قليلا، انت الان ستتزوجين، وزوجك يبدو رجلا قويا، ليس سهلا على الاطلاق...
تذكرت الاء أمر ذلك الرجل الذي سترتبط به غدا وشعرت بصدق كلام والدتها فهو يبدو ليس سهلا على الاطلاق، الا إنها لا تهتم، الموضوع يبدو لها بسيطا للغاية، ستمثل دور الزوجة الطبيعية لوقت محدد، حتى تحصل على ما تريد، ستعصر على نفسها مئة ليمونة وتتحمله، حتى تنال ما صبرت لأجله...
أمي لا تقلقي لأجلي.، انا أعرف كيف أتصرف...
قالتها محاولة إقناع أمها والتخفيف من قلقها، لتهز أمها رأسها بعدم اقتناع ثم تقول باستسلام: لقد قلت ما لدي، وانتِ حرة، افعلي ما تريدين...
ثم تحركت خارج الغرفة لتبقى الاء لوحدها، همت الاء بالاتجاه الى الحمام لأخذ دوش سريع لكن رنين هاتفها أوقفها عما تنوي فعله.، كان المتصل رقم غريب لكنها تعرفه جيدا، ضغطت على زر الاجابة وقالت بسرعة: نعم...
جاءها صوته الرجولي الذي تحفظه عن ظهر قلب: هل ما سمعته حقا.؟!
ومالذي سمعته؟!
سألته بنبرة هازئة ليسألها بعصبية: هل ستتزوجين حقا؟!
اجابته ببرود: نعم..
لا تجني يا الاء.، أي زواج الذي ستتزوجينه بالله عليك؟!
الا أنها أكملت بنفس البرود القاتل: عفوا، بأي حق تتحدث معي بهذا الشكل؟!
سمعت صوت زفير أنفاسه عبر الهاتف تبعها نبرة صوته المترجية تقول: لا تفعليها يا الاء.، ارجوك...
الا أنها قالت بقسوة: بل سأفعلها ولتذهب أنت الى الجحيم...
الاء...
الا انها أغلقت الهاتف بوجهه وهي تلعنه وتسبه في داخلها، رمت هاتفها على السرير وسارت نحو الحمام...
ولج كاظم الى منزله ليجد الجميع يعمل بهمة عالية فهم يجهزون المنزل لإستقبال العروس الجديدة...
تأمل أخواته وحماسهن الغريب وكأنهن في صدد مشاهدة مسلسلهم التلفزيوني المفضل، ولما لا؟! فزواجه من تلك المغرورة سيكون مسلسل رائع لا تفوت مشاهدته، اقترب من والدته التي كانت تأمر بناتها بأن يحركن هذا وينظفن هذا وقال وهو يقبل رأسها: صباح الخير يا ست الكل...
صباح النور يا بني، أين خرجت من الصباح الباكر.؟!
أجابها وهو يتفحص المكان: كنت أقوم ببعض الأعمال الضرورية...
ردت الأم بضيق: غدا زفافك وأنت تذهب الى العمل...
العمل مطلوب دائما يا أمي...
هزت الأم رأسها بضيق بينما اتجه كاظم الى غرفته، دلف إليها وجلس على سريره وأخذ يفكر بأمر زيجته من تلك المدعوة الاء، ما زال يشعر بأشياء غريبة نحوها، لكنها لا تدل على الخير ابدا، عاد بذاكرته الى يوم خطبتهما وتحديدا حينما جلسا لوحديهما...
ما زال يتذكر نظراتها الباردة اللامبالية، لم تكن خجلة او مضطربة كمثل غيرها من الفتيات في موقف كهذا...
وبالرغم من هذا كله كانت جميلة بل ساحرة.، بفستانها الازرق الرقيق وشعرها البني المرفوع بشكل تسريحة عالية، اما عيناها الزرقاوتان فكانتا حكاية اخرى، كل شيء بهذه المراة يضج بالأنوثة والفتنة...
تذكر حديثه معها حينما سألها بصراحة مطلقة: تبدين متضايقة للغاية...
لتجيبة ببرود مستفز: اطلاقا، بالعكس أنا اكثر من سعيدة...
هل تحاولين إقناعي بأنك سعيدة كونك ستتزوجين بي؟!
قالها ساخرا لترد بلا مبالاة: انا سعيدة لأسباب اخرى لا تتعلق بك، !
قالتها ثم صمتت دون أن تجعله يفهم أي شيء مما يدور في ذهنها، وهو ايضا اختار الصمت فهو لن يتعب نفسه ويدخل في نقاش عقيم معها...
افاق من افكاره تلك على صوت اخيه الاصغر يقترب منه وهو يقول بحماس: صباح الخير أيهاالعريس...
ابتسم كاظم ورد: صباح النور...
كنت في العمل، أليس كذلك؟!
اومأ كاظم برأسه ثم نهض من مكانه وقال: انا ذاهب لبيت عمي، أريد كامل في موضوع هام.، ابقى انت هنا.، قد تحتاجك والدتي فبدي بعض الامور...
أمرك كاظم بك...
قالها اخوه بأبتسامة ليخرج كاظم متجها الى منزل عمه...
كانت ميرا تسير في السوق وهي تبحث عن فستان مناسب ترتديه في زفاف الغد...
كانت تبحث في المحلات عن شيء مناسب لحفلة مهمة كهذه...
وفي اثناء سيرها لمحت مازن من بعيد يجلس في احد الكافيهات لوحده يعمل على حاسوبه الشخصي بتركيز شديد...
ابتسمت بسعادة وركضت بسرعة نحو الكافيه المغلق...
دلفت اليه واتجهت الى الطاولة ووقفت أمامه ليرفع مازن رأسه ما ان شعر بظل يتكون امامه فابتسم تلقائيا وهو يراها واقفة وعلى شفتيها ابتسامة مترددة...
ميرا، ماذا تفعلين هنا؟!
سألها غير مصدقا من وجودها امامه لتجيبه بصوت خافت مرتبك: كنت أتسوق بالقرب من هنا ورأيتك فقلت لأاتي وأسلم عليك...
لعنت نفسها وحماقتها فهي كلما تراه ترتبك وتتوتر بهذا الشكل الواضح...
حسنا اجلسي معي اذا وتناولي شيئا..
قالها مازن وهو يشير الى احد الكراسي لتجلس بالفعل عليه وتطلب عصير...
اذا اخبريني كيف حالك؟! لم استطع الحديث معك كثيرا هذه الفترة بسبب انشغالي في بعض الامور التي تخص العمل...
كان محقا، فعي اعتادت سابقا ان تتحدث معه كثيرا لكن ما ان عاد الى البلاد حتى انشغل عنها ولم يعد يتحدث معها كالسابق...
أخذت تحدثه عن بعض الامور التي تخصها وتخص دراستها وكان هو مستمع جيد لها...
انتهت ميرا من حديثها ليبتسم مازن لها ابتسامة كادت تودي بقلبها...
رائع، اذا انتِ تتقدمين في دراستك...
اومأت برأسها وهي تبتسم بخجل ليقول مازن فجأة: اذا ما رأيك ان نختار سويا فستان مناسب لحفلة الغد...
دب الحماس في أوصالها فقالت بعدم تصديق: حقا؟!
هل تظنين بأنني امزح يا فتاة؟!
قالها ساخرا لتهز رأسها نفيا وهي بالكاد تسيطر على ابتسامتها ليقول لها بسرعة: هيا انهضي.، سوف يحل المساء وانت لم تشترِ شيئا...
نهضت ميرا بسرعة وتبعته، خرج الاثنان من الكافية وأخذا يجوبان انحاء السوق بحثا عن فستان مناسب ترتديه...
بعد فترة بحث طويلة كانت ميرا واقفة امام المرأة ترتدي فستان زهري قصير يصل الى ركبتيها ذو حمالات رفيعة...
انه رائع...
همست بها ميرا بإعجاب حقيقي ليتطلع مازن إليها قبل ان يهمس بعدم رضا: كلا.، ليس رائعا، بل سيء للغاية...
لماذا تقول هذا؟!
سألته ميرا مندهشة مما قاله ليجيبها موضحا: انه قصير للغاية.، وعاري الاكمام...
ولكن...
لا يوجد لكن، ما رأيك ان ترتدي هذا.؟!
قالها وهو يشير الى اخر قصير بعض الشيء يصل الى منتصف ساقيها ذو اكمام مربعة تغطي ربع ذراعيها...
شعرت ميرا بسعادة خفية وفسرت قوله هذا بأنه يغار عليها، الامر الذي جعلها تأخذ الفستان منه وتذهب الى غرفة القياس بسرعة وهي تشعر بأنها ستطير من السعاده فهاهو حبيبها يغار عليها...
خرجت ميرا من غرفة القياس لتجد مازن غير موجود...
اخذت تبحث عنه بعينيها لتجده يتحدث في الهاتف خارج المحل، ركضت نحوه وهي تبتسم بسعادة سرعان ما اختفت وهي تسمعه يحدث احداهن قائلا: حسنا حبيبتي، لا تتضايقي، سوف أحل هذا الموضوع فورا...
تلاشت ابتسامتها تدريجيا وحل محلها الالم الواضح على ملامحها...
عادت الى المحل وهي تجر اذيال الخيبة خلفها بينما بالكاد تسيطر على دموعها التي بدأت تهدد بالانهمار...
توقفي هنا، اعتدلي في وقفتك قليلا، ابتسامة خفيفة، اعيدي شعرك الى الوراء.، احسنتِ، انتهينا...
تنفست الصعداء وهي تفكر بأنها اخيرا قد تحررت منه، اتجهت الى غرفة تبديل الملابس، خلعت القطعتين اللتان ترتديهما ثم ارتدت ملابس عملية مكونة من بنطال جينز فوقه قميص اخضر اللون...
خرجت من الاستوديو وهي تكاد تموت من شدة النعاس.، لقد قضت الليل بأكمله في الاستوديو...
كانت تتمنى لو تأخذ القليل من الراحة قبل ان تذهب الى جامعتها.، لكن العمل كثير، وهاهي ستذهب الى جامعتها وهي شبه نائمة...
اوقفت دارين احدى سيارات التاكسي وطلبت منه ان يوصلها الى الجامعة...
وصلت بعد حوالي نصف ساعة لتزفر أنفاسها بضيق فهاهي قد تأخرت على المحاضرة الاولى كالعادة...
فكرت في عدم الدخول لكنها تراجعت في اخر لحظة ودلفت الى الداخل لتجد أيهم هناك وقد بدأ يشرح للطلبة المحاضرة بالفعل...
تطلع إليها أيهم بنظراته المتفحصه فلاحظ شحوب وجهها الشديد والهالات السوداء تحت عينيها الامر الذي جعله يشعر بالشفقة من اجلها ويسمح لها بالدخول...
جلست دارين على احد المقاعد وبدأت تستمتع اليه...
كانت تحاول التركيز قدر المستطاع لكن بلا فائدة...
بدأ الالم الشديد يتكون في رأسها وأخذت نظراتها تزوغ لا اراديا، لم تشعر بنفسها الا وهي تفقد الوعي أمام انظار ايهم الذي ركض نحوها بسرعة وهو يصرخ بإسمها بلا وعي.، اجتمع الطلبة حولها بينما اندفع أيهم بينهم وأحاطها بذاعية وصرخ بهم: ماء، هاتوا ماء حالا...
جلب له أحد الطلبة الماء فأخذ يرش قليلا منه على وجهها..
بدأت دارين تستيقظ تدريجيا حتى فتحت عينيها بشكل كامل لتنصدم بأيهم أمامها يتطلع إليها بنظرات مليئة بالخوف والقلق...
اعتدلت في جلستها قليلا وشعرت بالخجل الجديد كونها محط انظار الجميع ليسألها أيهم بسرعة: هل أنت بخير.؟!
اومأت برأسها وهي تبتلع ريقها الجاف ليعطيها أيهم الماء لتتناوله وكأنه شعر بجفاف فمها.، تناولت الماء منه ثم شربته وبعدها حاولت النهوض من مكانها ليساعدها أيهم بهذا...
هل تسمح لي بقليل من الراحة؟!
بالطبع...
قالها أيهم بسرعة ثم طلب من أحدى الفتيات ان ترافقها في الخارج...
عاد بعدها الطلاب الى مواقعهم وعاد أيهم يشرح محاضرته رغم أن تركيزه لم يكن مع الشرح بل معها...
بعدما انتهى أيهم من محاضرته اتجه الى غرفته ليتفاجئ بها هناك، تقدم نحوها وسألها بلهفة: كيف أصبحت الأن؟! هل أصبحت أفضل؟!
اومأت برأسها ثم قالت: وجئت لأشكرك ايضا...
تنهد براحة وقال بجدية: لا داعي لشكري، انا لم افعل شيئا...
منحته ابتسامة خفيفة قبل ان تقول: بلى فعلت...
حاول تغيير الموضوع فقال ناصحا إياها: انتِ لا يجب ان تجهدي نفسك كثيرا بالدراسة، هذا ليس صحيا على الاطلاق...
ابتسمت دارين داخلها بسخرية وهي تفكر بأنه لو علم سبب اغمائها لرماها خارج هذا المكتب...
حاضر...
قالتها بإذعان ثم استأذنت منه وخرجت تاركة إياه يفكر في أمر هذه الفتاة الغريبة التي دخلت حياته فجأة...
جاء يوم الزفاف الموعود الذي اقيم في أحدى القاعات الراقية في القرية...
كان أدهم يقف بجانب كاظم كلا منهما ينتظر عروسه...
تقدمت العروستان كلا منهما ممسكة بذراع والدها...
تصنم كاظم في مكانه مدهوشا بجمال الاء، فبالرغم من جمالها الواضح والمعتاد الا انها كانت تبدو مختلفة اليوم بفستان الزفاف والطرحة البيضاء التي تغطي شعرها، كانت فاتنة للغاية بشكل مهلك للاعصاب...
واخيرا استطاع ضبط نفسه وهو يقبض على كف يدها ويأخذها من والدها بعدما سلمه إياها ليذهب بها في المكان المخصص لهما...
اما ادهم فاخذ يتطلع الى فرح بنظرات لا مبالية قبل أن يأخذها من والدها ويتجه بها الى نفس المكان...
مر الزفاف سريعا دون أي تفاصيل تذكر، كان زفافا هادئا بسيطا.، ذهب العروسان بعدها كلا الى منزل عائلته في القرية...
دلف أدهم الى الداخل تتبعه فرح، وقفت فرح في منتصف الغرفة وهي تفرك يديها الاثنتين بتوتر شديد...
خلع أدهم سترته ورماها على السرير ثم التفت نحوها ليجدها مخفضة رأسها الى الاسفل...
فرح...
همسها بخفوت لترفع فرح رأسها نحوه وفي عينيها الكثير من علامات الاستفهام...
تنهد أدهم بصوت مسموع ثم قال بجديةة: أريد أن اتحدث معك قليلا...
اومأت فرح برأسها بمعنى أن يتحدث ليقول أدهم بجدية: في الحقيقو انتِ تعلمين طبيعة زواجنا وكيف تم...
ازدردت فرح لعابها بتوتر ملحوظ ثم هزت رأسها دلالة على سماعها لما يقوله ليكمل أدهم: لهذا يجب أن تعلمي بأن زواجنا هذا ما هو الا لفترة مؤقتة...
رفعت بصرها نحوه لترميه بنظرات غير مصدقة قبل ان تسأله بنبرة مرتجفة: ماذا تقصد؟!
اجابها أدهم غير مبالي بقسوته معها: ما اقصده واضح، زواجنا لن يستمر طويلا، سينتهي بعد فترة قصيرة، وأنا لحينها لن المسك ابدا، سوف أحافظ عليك كما انت...
اعتصرت قبضتا يديها بقوة وهي تستمتع الى حديثه...
اخفضت بصرها الى الاسفل حتى لا يلاحظ الدموع التي بدأت تتكون داخل مقلتيها...
شعر هو بتجمدها وصدمتها لكنه أكمل بلا مبالاة: انا أردت إخبارك بهذا منذ اول يوم، لكنني لم اجد الفرصة المناسبة لذلك...
وجدها ما زالت على وضعيتها تلك فهمس بتعجب: فرح، هل تسمعينني؟!
رفعت عيناها الدامعتين نحوها ثم همست بجمود: اخرج.، اخرج حالا قبل أن أقتلك بيدي هاتين...
أخذ نفسا عميقا كمن ازاح هما من على كاهله ثم قال اخيرا قبل ان يخرج: اتمنى ان تتفهمي وضعي...
يتبع....