رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل العشرون


استيقظت فرح من نومها لتجد الفراش خاليا بجانبها، اعتدلت في جلستها ليظهر قميص نومها الذهبي الطويل...
تنهدت بحالمية وهي تتذكر تفاصيل ليلة البارحة...
كم كان حنونا ورقيقا معها؟! كم عاملها بلطف؟!
ابتسمت بفرحة وهي تفكر بأنها أسعد إنسانة موجوده على هذه الارض، نعم فسعادتها اليوم لا يوجد مثيل لها...

افاقت من أفكارها السعيدة على صوت باب غرفتها يفتح يتبعه دخول أدهم وهو يحمل صينية في يديه...
تطلعت إليه فرح بدهشة حينما وجدته يتقدم نحوها ويضع الصينية على السرير ويجلس بجانبها هاتفا بها: ها قد جلبنا الفطور ايضا، هل تأمرين بشيء أخر؟!
ابتسمت بخجل وهزت رأسها نفيا ليكمل بدوره: سأطعمك بنفسي اليوم...
كلا، سأكل بنفسي...
قالتها بإستيحاء منه ليقول بإصرار: كلا ، أنا من سيطعمك بنفسه...

ثم حمل قطعة توست ووضع عليها القليل من المربى ثم يقربها من فمها لتقضم منها قطعة صغيرة وتبتلعها قبل ان تهتف برجاء خالص: حسنا يكفي، أنا سأتناول الباقي بنفسي...
كما تريدين، لن أخجلك أكثرر...
قالها بإبتسامة لتبدأ فرح بتناول طعامها على مهل شديد أمامه قبل ان تهتف بجدية: ألن تتناول الطعام معي.؟!
لقد تناولت وجبة دسمة للغاية الليلة الماضية...

قالها وهو يغمز لها بعبث لترد دون أن تفهم مقصده: حقا؟! متى؟!
ليجيبها: مساء البارحة، عند الساعة الواحدة صباحا، كانت وجبة مثالية للغاية لا مانع لدي من تكرارها الان ويوميا..
سعلت فرح بقوة وقد فهمت مغزى كلماته لتحمر وجنتيها كليا بينما يضحك أدهم عاليا على خجلها قبل ان يحتضنها ويهتف بحب: ما أجملك حينما تخجلين...
أدهم...

قالتها فرح بدلع وهي تبتعد عنه ليحتضن أدهم وجهها بين كفي يديه ويهتف: أنت حقا جميلة يا فرح وأنا أكثر من سعيد لما حدث بيننا...
أخفضت بصرها نحو الاسفل وابتسمت بتردد ليرفع أدهم وجهها مرة اخرى ويدنو من شفتيها ويقبلهما ببطء...
استجابت فرح له كليا قبل ان يمددها على السرير وينحني فوقها يقبلها بشغف قبل ان يخلع قميصه ويعاود تقبيلها بنفس اللهفة والشغف فمعها ينسى كل شيء سواها...

بعد فترة ليست بقصيرة احتضنها أدهم بين ذراعيه وأخذ يقبل رأسها مرارا قبل ان يهتف بها متسائلا: هل أنت سعيدة يا فرح.؟!
للغاية...
أجابته بنبرة رقيقة ليبتسم براحة، أغمض عينيه للحظات وهو ما زال يحتضنها كمن حصل على كنز عمره، لا يصدق انها باتت له بين يديه، نائمة بين احضانه...
رنين هاتفه أيقظه مما كان يفعله ليجيب على الهاتف دون أن يرى المتصل فيأتيه صوتها الباكي: أدهم تعال فورا الى المشفى، أدهم الصغير ليس بخير...
أي مشفى.؟!

ليأتيه ردها: المشفى العمومي يا أدهم...
المشفى العمومي أعرفه، سأاتي حالا...
انتفض أدهم من مكانه فورا لتعتدل فرح في جلستها بينما ارتدي الأخير ملابسه بسرعة بالغة تحت أنظار فرح المندهشة لما يحدث أمامها...
ارتدت هي بدورها قميص نومها وركضت نحوه تهنف بفزع: ماذا حدث يا أدهم؟!
ليجيبها بنبرة مقتضبة: لا شيء، ابقي انت هنا وانا سأعود بعد قليل...
ثم تحرك خارج المكان لتنظر الى اثره بحيرة قبل أن تحسم الأمر وتغير ملابسها بسرعة فائقة وتتبعه...

في المشفى العمومي...
كان أدهم يركض بسرعة بالغة حتى وصل الى الطابق الذي توجد به شيرين...
نهضت شيرين من مكانها وجرت نحوه قبل أن تحتضنه وهي تهتف ببكاء: أدهم صدمته سيارة...
أبعدها من بين أحضانه محاولا استيعاب ما يحدث قبل أن يهتف بها متسائلا: كيف حدث هذا؟! أخبريني...

أجابته من بين أنفاسها المتقطعة: هذا ما حدث، كنا نسير على الرصيف وهو يحمل كرته بيديه، حينما تدحرجت الكرة الى منتصف الشارع فركض هو بسرعة نحوها وقبل أن أعي ما حدث كانت السيارة قد صدمته...
حاول أدهم تهدئة نفسه قليلا فقال لها: حسنا اهدئي يا شيرين، كل شيء سيكون بخير ان شاء الله...
أجلسها أدهم على الكرسي وجلس هو بجانبها يحاول تهدئتها...

أما فرح فقد وصلت إلى المشفى لتجد نفسها ضائعة لا تعرف ماذا ستفعل...
فهي لا علم لديها بإسم المريض او سبب قدومه الى المشفى حتى...
اقتربت من موظفة الاستعلامات وسألتها: من فضلك، هل لي أن أعرف اخر مصاب جاء الى المشفى؟!
عفوا، وما سبب هذا.؟!

شعرت فرح بالحرج منها فحاولت أن تغير ما قالته: أقصد أين يمكنني أن أجد أخر المصابين الذين جاؤوا الى المشفى؟!
تطلعت اليها الموظفة بشك قبل أن ترد عليها: عادة المصابون اما يكونون في الطوارئ، او اذا كانت حالاتهم خطرة فإنه يتم نقلهم الى الطابق الخامس حيث توجد غرف العمليات...

ركضت فرح نحو الطابق الخامس لتجد بالفعل أدهم هناك يجلس بجانب إمرأة لا تعرفها تبدو بحالة انهيار غريب...
اقتربت منهما بتردد شديد ليرفع أدهم وجهه نحوها بملامح مصدومة...
نهض من مكانه متفاجئا من قدومها الى المشفى ومعرفتها بمكان وجوده...
فرح، ماذا تفعلين هنا؟!

رفعت شيرين وجهها الباكي نحو فرح تحاول استيعاب ما يحدث بينما قبض أدهم على ذراع فرح وقال: كيف جئت الى هنا يا فرح.؟!
لم ترد فرح عليه فقط ظلت تطالعه بنظرات دامعة وملامح شاحبة قبل ان تحرر ذراعها من قبضته فيخرج الطبيب بنفس الوقت من غرفة العمليات ليركض أدهم وشيرين نحوه فيطمأنهما على حال الصغير و أنه بخير وقد نجا من الحادث بسلام...

عادت فرح الى المنزل لتجد أسما في وجهها والتي تفاجئت بمظهرها الباكي فسألتها بقلق: فرح ماذا حدث؟! تبدين شاحبة...
ابتعدت عنها فرح وتحركت راكضة نحو الطابق العلوي حيث توجد غرفتها لتهتف أسما بتعال: الخطأ مني لأنني سألتها...
ليقترب منها أنس قائلا: ماما، هل تتحدثين مع نفسك؟!

التفتت نحوه وقالت بغضب: كلا، ولكن قريبا جدا سأفعلها بسبب ما يحدث بهذا المنزل...
أريد مال...
قالها أنس بسرعة لترمقه أسما بنظرات متعالية قبل ان تتحرك متجهة الى غرفتها ليضرب أنس كفا بكف ويهتف مع نفسه: ما هذه الأم التي لا تطيق ابنها وفلذة كبدها واخر عنقودها؟!

كانت الاء تجلس على سريرها لوحدها تفكر فيما يحدث معها في الأونة الاخيرة...
منذ حديثها مع كاظم وهي تحاول ان تستكشف ما يدور داخل قلبها من حيرة...
هي حقا لم تعد تعرف أي شيء مما يدور حولها، ولم تعد تفهم معنى تصرفاتها...
ولكنها تشعر بأن هناك خللا ما وأنها لم تعد كما هي، لم تعد الاء التي عهدتها منذ سنين طويلة...
لقد باتت واحدة اخرى تحمل في قلبها مشاعر غريبة لأناس غرباء عنها...

كاظم ذلك الرجل الذي دخل حياتها فجأة دون حساب، دون أن تعي ما تفعل، ذلك الرجل الذي غير أفكارها وأحاسيسها، لماذا بات يشكل جزءا أساسي من تفكيرها ومشاعرها؟! لماذا بات يسيطر على قلبها؟! نهضت من مكانها وسارت نحو النافذة تتأمل الحقول الشاسعة المحيطة بالمنزل، تفكر كثيرا بمشاعرها التي لم تعد تفهمها نهائيا، هل أحبته؟!

هل وقعت في غرام هذا الرجل بعدما عاهدت نفسها ألا تحب أي شخص ولا تنساق وراء مشاعرها مهما حدث؟!
عند هذه النقطة شعرت برغبة كبيرة في البكاء، هي انتهت كليا بعدما وقعت في غرام شخص لا يشعر بها، نعم أحبته، أحبت رجولته وشهامته، عشقت تفاصيله دون أن تدري، ودون أن يشعر بها، لكن ماذا ستفعل بعدما اكتشفت هذا السر الخطير وكيف ستتصرف؟!

هي بالتأكيد لن تصارحه بحقيقة مشاعرها، لن تخبره بما يحمله قلبها نحوه ولكن في ذات الوقت هي لن تتخلى عنه، ليس بعدما وجدته، وبعدما أحبته لهذه الدرجة، نعم الاء الهاشمي لن تترك الرجل الوحيد الذي خطف قلبها وسيطر على كيانها، لن تكون هي ابنة الهاشمي إن تنازلت عن حب عمرها، قالت هذه الكلمات لنفسها ورفعت رأسها عاليا بشموخ ثم تحركت صوب خزانة الملابس وأخرجت منها فستانا طويلا محتشما وارتدته، من الان فصاعدا بدأت الحرب مع ابن زهران ولن ترتاح او يهدأ لها بال حتى تنتصر في هذه الحرب...

وقفت أمام المرأة تسرح شعرها الطويل بملامح شاردة تفكر في اول خطوة ستفعلها...
انتهت من تسريح شعرها لتضع المشط في مكانه وترتدي حذائها ذو الكعب القصير ثم تتجه خارج غرفتها لتجد المنزل خاليا فوالدة كاظم وأخته ذهبتا الى منزل حميد زهران وقد طلبتا منها أن تذهب معهما لكنها رفضت وتحججت بإنها متعبة قليلا...

توجهت نحو المطبخ وقررت أن تعد طعام الغداء لأنهما سيتناولان طعاميهما هناك، احتارت فيما ستفعله فهي لا تجيد الطبخ على اية حل حتى قررت أن تجهز اكلتها المفضلة، الباستا التي تحبها وتتفنن في صنعها وطبخها...
وبالفعل بدأت في صنعها وانتهت منها لتبدأ في اعداد سلطة السيزر الشهية والتي تجيد طهوها بمهارة ايضا...

ابتسمت بفخر وهي تضعهما على طاولة الطعام وشعور داخلي يخبرها بأن الطعام سيعجبه، كادت أن تتصل به لولا وجدته يدخل هو وأخوه عمر الى المنزل ويحملان معهما الطعام الجاهز...
اقتربت منهما وقالت: لماذا جلبتما الطعام؟! لقد أعددت الطعام بنفسي...
أمي قالت أنك متعبة قليلا وبحاجة الى الراحة، لذا فكرت بأن أجلب طعام الغداء لنا من احد المطاعم القريبة...

قالها كاظم بجدية بينما تحرك عمر نحو المائدة وقال: الطعام يبدو شهيا، ضع الطعام الذي جلبته الى جانبه ولنبدأ في تناوله لأني جائع للغاية...
اخذت الاء الطعام من يد كاظم ثم اتجهت نحو الطاولة ورتبت الطعام عليه قبل ان يتجه كاظم ويجلس بجوارها على طاولة الطعام وأمامهما عمر، بدأ الثلاثة يتناولون طعامهما ولم ينفك عمر أن يتحدث بمرح معهما.، بعدما انتهوا من تناول الطعام اتجه كاظم وعمر الى خارج المطبخ بينما بدأت الاء تنظف المكان بحرص شديد قبل ان تعد الشاي لهم فهم يحبون تناول الشاي بعد الغداء، انتهت الاء من اعداد الشاي وصبته في الأكواب الخاصة به واتجهت به اليهما ثم قدمته لهما ولم تنس ان تأخذ كوبها وتجلس معهما في صالة الجلوس ليتناولوه سويا وهي لأول مرة تشعر بجو حميمي خالص كالذي تعيشه الان...

جلست ليلى على مكتبها وهي تشعر بالارهاق الشديد...
اغمضت عينيها تحاول طرد تلك الافكار السلبية من رأسها والتي تخص شخصا واحدا هو جابر...
مالذي يريده منها؟! ألم يكفيه ما حدث معها بسببه؟!
فتحت عينيها لتجد شاهين يتقدم منها ويسألها بإهتمام: هل أنت بخير.؟!
أجابته بتساؤل هي الاخرى: نعم بخير، لماذا تسأل؟!

أجابها وهو يتفحص ملامح وجهها المرهقة بعينيه: تبدين متعبة للغاية، ما رأيك أن تذهبي الى المنزل وتستريحي قليلا؟!
هزت ليلى رأسها نفيا وأجابته: لا داعي لهذا، أنا بخير، كل ما احتاجه الجلوس هنا قليلا والتنعم ببرودة جهاز التكييف وسوف أصبح بخيرر...
ابتسم لها شاهين وقال: تنعمي به كما تشائين...
ثم خرج من المكان لتتابع ليلى أثره بملامح مستغربه من اهتمامه بها وبراحتها فهي كانت تظنه يراها عدوة له كما تراه هي...

أبعدت تلك الاأفكار عن رأسها وهي تخرج احدى الملفات من درج مكتبها وتبدأ في مراجعته...
اما في الخارج وقف شاهين أمام الارض الزراعية الواسعة يتأمل عمل الفلاحين بملامح شاردة...
قبل ان يشعر بأحدهم يقترب منه فيلتفت الى الخلف ليجد ليلى أمامه تخبره بجدية: سأذهب الى المنزل لأرتاح قليلا...
ثم ودون أن تعي شيئا كادت أن تفقد وعيها أمامه لولا أن أمسك شاهين بها في اللحظة الاخيرة قبل ان تسقط ارضا لتلتقي عيناها الخضراوتان بعينيه الخضراوتين...

تشنجت ملامحها كليا وهي تشعر بذراعيه تحيطان جسدها النحيل بينما عينيه تحاصران وجهها بخوف وقلق واضحين...
اعتدلت واقفة بينما اقترب الفلاحون منهما ليهتف بها شاهين: هل انت بخير؟!
اومأت برأسها وهي تعدل من خصلات شعرها بينما قالت وهي تشعر بدوار يسيطر عليها بقوة: انا يجب أن أذهب الى المنزل...
سأوصلك الى هناك حالا...

قالها شاهين وهو يقبض على ذراعها جارا اياها معه هاتفا بها: تعالي معي...
بينما سارت هي مستسلمه له فلا يوجد امامها حل اخر، أركبها شاهين سيارته واتجه بها الى منزلها بعدما دلته هي على مكانه بالضبط...
أوقف شاهين سيارته أمام المنزل والتفت نحوها يسألها: هل أصبحت أفضل الان؟!

اومأت برأسها وهي تجيبه: افضل بكثير...
ثم قالت بإمتنان كبير: أشكرك كثيرا...
ليرد بإبتسامة متواضعة: لا داعي للشكر، لم أفعل شيئا يستحق الشكر...
ثم خرجت من سيارته واتجهت الى داخل المنزل تاركة اياه يتابع اثرها حتى اختفت تماما...

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك