كان أيهم يركض داخل رواق المشفى وسالي تركض خلفه.. وصل اخيرا الى غرفة العناية المشددة حيث ترقد دارين هناك.. تصنم في مكانه وهو ينظر إليها من خلف الزجاج العازل بينما هي ممددة على السرير لا حول لها ولا قوة... ظل ينظر إليها بصمت وعدم استيعاب، لم يتصور يوما أن يصل الحال بينهما الى هنا، انه على وشك ان يفقدها.. يفقد دارين الفتاة الوحيدة التي أحبها ورغما عن كل عيوبها وماضيها ما زال يحبها..
هل انت بخير..؟!
سؤال سالي القلق جعله يفيق من افكاره ليلتفت نحوها ويسألها:
أين الطبيب..؟! اريد رؤيته..
أجابته بجدية:
انه في غرفته، في الطابق السفلي.. تعال معي لإوصلك إليه..
اتجه بسرعة خلفها نحو الطابق الذي تقع به غرفة الطبيب، دلف الى داخل الغرفة بعدما طرق الباب وسمح له الطبيب بالدخول تتبعه سالي...
مساء الخير..
قالها أيهم وهو يقف امام الطبيب الذي أجابه بينما يشير ناحية الكرسي كي يجلس عليه:
مساء النور، تفضلا...
جلس أيهم على الكرسي وجلست سالي على الكرسي المقابل له ليقول أيهم بسرعة:
كيف حال دارين..؟! أخبرني من فضلك...
تنهد الطبيب وقال بأسف:
وضعها صعب للغاية، لقد نزفت الكثير من الدماء و..
قاطعه أيهم بنفاذ صبر:
سأنقلها الى مشفى أخر..
هز الطبيب رأسه وقال بجدية:
لن يفرق هذا في شيء، المشفى هنا مجهز بكامل المعدات والامكانيات التي تحتاجها..
ما معنى هذا..؟! ألا يوجد أمل..؟!
سأله بنبرة مرتعبة من سماع جواب قد يقتله:
كلا، يوجد امل ولكن..
صمت الطبيب قليلا قبل ان يكمل بصراحة تامة:
لن اكذب عليك، الأمل ضعيف..
زفر أيهم أنفاسه بقوة وقال بترجي:
انقذها ارجوك، افعل اي شيء كي تعيش...
كانت يتحدث بنبرة متوسلة وهو على وشك البكاء، وجد الطبيب نفسه يسأله بحيرة:
ماذا تقرب لها أنت..؟؟
أجابه أيهم بثقة رغم توتر سالي الواضح:
خطيبها...
أومأ الطبيب برأسه متفهما ليكمل أيهم بجدية:
هل يمكنني أن أراها...؟!
هذا صعب..
قاطعه أيهم برجاء خالص:
فقط قليلا، أعدك أنني لن أتأخر..
خمس دقائق فقط لا غير..
اوما أيهم رأسه بلهفة ثم نهض من مكانه ليخبره الطبيب:
دع الممرضة تعطيك ملابس التعقيم...ارتديها وادخل اليها، وكما أخبرتك لا تتأخر عندها...
حسنا، لن أتأخر.. اطمئن..
قالها أيهم وهو يتجه خارج الغرفة تتبعه سالي، اتجه نحو احدى الممرضات وقال:
لقد سمح لي الطبيب برؤية خطيبتي التي ترقد في غرفة العناية، من فضلك أعطيني ملابس التعقيم كي أرتديها وأدخل إليها..
حاضر تعال معي..
بعد حوالي عشر دقائق كان أيهم يقف أمام غرفة العناية المركزة يقدم قدما ويؤخر الأخرى، لا يعرف لماذا يشعر بخوف كبير من رؤيتها..؟! وكأنه يودعها بهذه الطريقة...
ضغط على اعصابه بقوة محاولا أن يتحلى ببعض القوة والهدوء ففتح الباب وولج الى الداخل بخطوات مترددة... وقف أمامها أخيرا ينظر الى وجهها الشاحب بشدة وملامحها المستكينة... جسدها النحيل المغطى بغطاء المشفى.. أثر الجرح الكبير على معصمها...
لم يشعر بنفسه إلا والدموع تغطي وجهه بالكامل، دموع جعلت رؤيته لها تتشوش... لم يستوعب ما يراه... دارين تموت تدريجيا بسببه... بسبب حبه..
مسح دموعه بسرعة كي يتنسى له أن يراها ثم قال بلهجة باكية متوسلة:
أفيقي من فضلك، أفيقي ولا تتركيني وحيدا.. دارين، انا لا أساوي شيئا بدونك.. افهمي هذا واستيقظي.. أنا احبك...
كانت كلمات قليلة لكنها تحمل معنى كبيرا..معنى انحفر داخله..
مسك كف يدها بأنامله المرتجفة ليشعر ببرودته الطاغيه، انحنى نحوه وطبع قبلة دافئة عليه وهم بالتحرك بعيدا لكنه فوجئ بكفها يضغط على كفه فهي شعرت بوجوده حولها...
التفت نحوها غير مصدقا لما حدث، هل ضغطت على كفه بيدها..؟!
دارين، هل انت بخير..؟!
قالها بعدم تصديق لكنها لم ترد ليجري خارج الغرفة ويصيح على الطبيب..
تقدم الطبيب منه ليقول أيهم بلهفة:
لقد امسكت بيدي، وضغطت عليها...
ابتسم الطبيب وقال:
هذه بداية مبشرة، ولكن هذا لا يعني أنها سوف تستيقظ..
شعر أيهم بالإحباط الذي ظهر واضحا عليه ليزيت الطبيب على كتفه ويقول:
ولكن هذه ردة فعل جيدة وتبشر بالخير..
ستعيش، باذن الله سوف تعيش..
قالها أيهم بإيمان وثقة..
ماذا قلت يا ليلى؟!
كان هذا سؤال شاهين الذي أخذ ينتظر جوابا من ليلى والتي بدورها التزمت الصمت التام دون رد..
نظرت ليلى إليه بطريقة غامضة أربكته ثم ما لبثت أن سألته بفتور:
لماذا..؟!
ماذا يعني هذا السؤال..؟!
قالها بحيرة من سؤالها الغريب لتوضح له أكثر:
لماذا أنا يا شاهين..؟! نحن من يومين كنا لا نطيق بعضنا أصلا.. مالذي تغير الأن وبهذه السرعة..؟!
كانت تتحدث بعصبية شديدة لم تفهم هي نفسها سببها أما هو فرد بهدوء واضح:
أعرف أننا كنا لا نطيق بعضنا منذ يومين، ولكن الأمور تتغير يا ليلى.. انا معجب بك كثيرا وأرغب بالإرتباط بك رسميا..
نظرت إليه بعدم اقتناع فهمه على الفور ليكمل بجدية:
أنا أفهم أنك لن تتقبلي ارتباطنا سويا بهذه السرعة، لكن أنا أريد فرصة كي أقترب منك وأثبت لكِ أنني أريدك بحق وأنني مناسب لك.. وأنا لا أستطيع أن أقترب منك وأثبت لك هذا إلا بإرتباطي بك...
كانت تدرك أن معه كل الحق فيما قاله، فهم يعيشون في بلدة محافظة ولا يستطيعون أن يلتقوا ويخرجوا سويا ويقتربون من بعضيهما إلا بالإرتباط رسميا، لكنها غير مستعدة له بحق ولا تظن أنها سوف تستعد له يوما ما..
اتمنى أن تعطيني فرصة يا ليلى.. فرصة أثبت من خلالها حسن نيتي..
لا أعلم ماذا أقول لك.. لا أعلم حقا.. ولكنني غير موافقة..
قالتها بحسم وهي تنهض من أمامه وتتجه خارج المطعم ليخرج المال من جيبه ويضعه على الطاولة قبل أن يلحق بها وهو يصيح بإسمها:
ليلى، انتظري من فضلك..
التفتت ليلى نحوه أخيرا وهي تتأفف بنفاذ صبر لتسأله بضيق ظهر جليا في صوتها:
نعم، ماذا تريد..؟!
أجابها وهو يقترب منها:
لماذا تفعلين هذا بي.؟! تتركيني وترحلين بهذه الطريقة وكأنني أسأت إليك..
قالت ليلى بنبرة قوية حازمة:
لأنك اخطأت يا شاهين، أخبرتني منذ يومين أنك تريد أن تصبح صديقا لي واليوم تطلب يدي..
وما المشكلة في هذا..؟!
سألها بإستغراب لترد بحدة:
لان كل شيء يحدث معي يثير إستغرابي، أنت بالذات تثير دهشتي بتصرفاتك الغريبة.. فجأة تعاملني ببرود وفجأة تتحول الى صديق والأن تريد أن تخطبني.. ألا تلاحظ أنك غريب حقا في طريقتك..؟!
صمت ولم يرد لتكمل:
مالذي تغير خلال يومين كي تعجب بي وتقرر الإرتباط بي...؟!
الأمور تتغير بسهولة وبسرعة يا ليلى.. لماذا أنتِ مستغربة من كل هذا..؟!
نظرت الى السماء بنفاذ صبر ثم عادت بأنظارها المتحفزة نحوه وقالت:
أنا حرة، أستغرب كما أشاء.. طلبك مرفوض يا شاهين.. والأفضل لك ألا تكرره مرة اخرى..
ثم همت بالتحرك بعيدا عنه لكنها عادت وتذكرت أنها تريد قول شيء أخر لتستدير نحوه مرة اخرى وتهتف:
ها وايضا اعتبر أمر صداقتنا ملغي..
ثم تحركت بعيدا عنه تاركة إياه يتابع أثرها بحيرة وتخبط..
في صباح اليوم التالي..
استيقظت الاء من نومها لتجد الفراش خاليا بجانبها، وضعت كف يدها فوق مكانه الخالي وأخذت تبتسم بحب وهي تتذكر تفاصيل ليلة البارحة بكل ما حدث فيها..
نهضت من فوق سريرها وارتدت الروب الاسود الخاص بقميص نومها ثم اتجهت نحو الحمام ودلفت الى الداخل لتغسل وجهها وتنظف أسنانها قبل أن تخرج من الحمام وتقرر تغيير ملابسها...
غيرت ملابسها بسرعة وسرحت شعرها ووضعت القليل من المكياج على وجهها...خرجت من الغرفة واتجهت الى الطابق السفلي لتجد المكان خاليا..
خرجت الى الحديقة لتجد كاظم هناك يجلس على الطاولة التي تتوسط الحديقة ويدخن سيجارته بصمت...
اقتربت نحوه بخطوات متمهلة ليشعر هو بها فيلتفت نحوها.. قالت الاء:
صباح الخير..
صباح النور..
أجابها بإبتسامة وأكمل بتعجب:
استيقظت مبكرا اذا...
ردت بجدية:
انا دائما ما استيقظ مبكرا... أم إنك نسيت..؟!
أتذكر أنك كنت تحبين الإستيقاظ متأخرا عندما جئت الى هنا..
جلست بجانبه وقالت:
نعم، ولكنني اعتدت على الاستيقاظ صباحا..
تتغيرين بسرعة..
قالها كاظم بإعجاب لم يستطع اخفاؤه لترد بإبتسامة هادئة:
لولاك ولولا وجودك في حياتي ما كان ليحدث كل هذا التغيير..
رد عليها بإعتراض:
كلا يا الاء، لولا إنك في داخلك تتمتعين بما هو جيد ما كنت لتتغيري..٠
صمتت ولم ترد، فقط اكتفت بإبتسامة خفيفة ليقول بجدية:
ألن تعدي لنا الفطور..؟!
نهضت من مكانها فورا وقالت:
حالا..
إلا أنه أوقفها بسرعة:
انتظري، امزح معك.. سنخرج سويا ونفطر في احد المطاعم القريبة...
حقا..؟!
أومأ برأسه وهو يكمل:
هيا غيري ملابسك لنذهب بسرعة..
حسنا..
قالتها وهي تركض مسرعة الى داخل المنزل وتحديدا الى الطابق العلوي لتغير ملابسها...
هبطت بعد فترة قصيرة وهي ترتدي ملابسها المكونة من بنطال جينز ازرق طويل فوقه بلوزة حمراء طويلة تصل الى منتصف فخذيها...
لم يستطع كاظم أن يخفي أعجابه الشديد بها وبلبسها واحتشامها ثم ما لبث ان أمسك كف يدها واتجه بها الى المطعم...
جلسا سويا هناك ليقول كاظم:
هل أعجبك المكان..؟!
أجابته بجدية:
إنه رائع، يكفي إنه بطل على البحر..
ابتسم بود بينما أكملت بجدية:
ما رأيك أن نذهب لزيارة أهلي...؟!
حسنا سنذهب، ولكن انتظري الى الاسبوع بعد القادم.. فالاسبوع القادم خطبة ميرا ويجب أن نحضرها..
اومات براسها موافقة وقالت:
معك حق..
الاء، ماذا سيحدث بشأن شركتك وأعمالك...؟!
ارتبكت قليلا وهي ترد:
لا أعلم، أنا حائرة أيضا بشأنهم...
صمت كاظم قليلا يفكر فيما تقوله، يشعر أنه مضطرب وحائر.. هل يحرمها من عملها الذي عملت به طويلا أم يسمح لها بالإستمرار به...
هو لا يريد أن يظلمها ولكنه لا يحب أن تعمل، هذه طبيعته وطريقة تفكيره التي لن تتغير ابدا..
خرجت فرح من غرفتها متجهة الى خارج الفيلا حيث قررت الذهاب الى المشفى واجراء تحليل الدم كي تتأكد بشأن شكوكها...
وجدت أسما أمامها والتي ما إن رأتها حتى سألتها:
إلى أين..؟!
أجابتها فرح:
الى الشركة..
أومأت أسما برأسها وقالت ببرود:
حتى هناك لا تتركينه وشأنه...
لم ترد عليها فرح بل تركتها ورحلت متجهة خارج الفيلا.. استأجرت تاكسي واتجهت الى المشفى، هناك اجرت تحليلا للدم وجلست تنتظر النتيجة.. ظهرت النتيجة بعد عدة ساعات وكانت ايجابية.. لم تصدق فرح ما تراه رغم أنها كانت شبه متأكده من كونها حامل.. ظهرت السعادة بوضوح عليها..
خرجت من المشفى وهي تكاد تطير من الفرحة.. لا تصدق أنها تحمل طفله داخل أحشائها..
قررت أن تذهب إليه في الشركة وتخرج معه من هناك وتخبره بحملها..
رغبتها في معرفة ردة فعله طغت على كل شيء..
وبالفعل استأجرت تاكسي وذهبت الى هناك...
كان مكتب السكرتيرة فارغا فانتهزت الفرصة ودلفت الى المكتب لتتجمد في مكانها مما رأته، كانت السكرتيرة هناك بين أحضانه يقبلان بعضيهما..
يتبع....