رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الحادي والعشرون


دلف أيهم الى المنزل ليجد والدته في وجهه تسأله بلهفة شديدة: أيهم واخيرا عدت، أين كنت؟! لقد حاوت الاتصال بك مرارا ولكن لم أجد منك أي رد...
تطلع اليها أيهم بنظرات فارغة قبل أن يتحرك بعيدا عنها لتلحق بها وتقف في وجهه تسأله مرة اخرى بإصرار على معرفة ما يدور في داخله: لماذا لا تجبني؟! هل أنت بخير؟! طمئني عليك!

ماذا تريدين؟! هل تريدين أن تعرفي نتيجة ما فعلته؟! هل تريدين الاطمئنان بأن كل شيء يسير بشكل جيد كما خططت له؟!
قالها بنبرة هجومية غريبة لترد بإنفعال هي الاخرى: هل هذا جزاء ما فعلته.؟! هل هذا جزاء أنني أخبرتك بحقيقة تلك ال...
لم تستطع ان تكمل حديثها ليبتسم بمرارة وهو يهتف: تلك التي لا تستطيعين لفظ اي شيء يخصها كانت حبيبتي، أحببتها بصدق، تمنيتها لي، وانت بكل بساطة حطمتي جميع أحلامي معها...

أنا! أنا من حطمت جميع أحلامك معها! لأنني أخبرتك بحقيقتها التي خبأتها عنك، لأنني لم أتركك تسير على عماك، دون أن تفهم من هي وماذا تكون...
قالتها أسما بعدم تصديق مما تسمعه، هل أصبحت الآن هي السيئة والسبب في دمار قصة عشق جميلة كان اساسها الكذب والخداع، هل ستتحمل مسؤولية كذب فتاة رخيصة مثلها لوحدها...

معك حق، انا المخطئ أساسا لأني أحببت ووثقت بواحدة لا اعرف عنها شيئا...
نعم انت المخطئ، عليك أن تعترف بهذا يا أيهم، انت من اخترت الشخص الخطأ، ووضعت أمالك بمن لا تستحق...
حسنا ماذا تريدين مني الان؟!
سألها بنفاذ صبر لترد بنبرة متشنجة: اريد الاطمئنان عليك...
انا بخير، اطمئني
قالها بإقتضاب وهو يتركها بسرعة ويرتقي درجات السلم متجها نحو الطابق العلوي...

..، دلفت الى داخل الحرم الجامعي وهي تتلفت يمينا ويسارا، تشعر بأن الجميع يراقبها، الجميع ينظر اليها ويتحدث عنها، بالطبع كانت هذه مجرد أوهام من خيالها، فهي تظن انها باتت مفضوحة لدي الجميع بعدما علم أيهم بحقيقتها...
اخذت تسير بخطوات رتيبة متجهة الى قاعة المحاضرات وهي تحتضن كتبها بتماسك...
تحاول ان تضفي القليل من الشجاعة الى نفسها...

ما ان دلفت الى قاعة المحاضرات حتى ازداد توترها اضعافا، فاليوم محاضرة أيهم وستراه لأول مرة بعدما حدث، لقد حاولت الاتصال به مرارا بعدما رأها بذاك المنظر المخزي، لكنه لم يرد عليها وهذا شيء توقعته، جلست في مكانها وقلبها ازدادت نبضاته بقوة، هي الان تشعر بأنها على حافة الانهيار، ستبكي وتصرخ وتفضح نفسها امام الجميع...

ذلك الالم الذي ينخر قلبها يجبرها على هذا...
اخفضت رأسها واخذت تضغط على بطنها التي بدأت تؤلمها بسبب التوتر البالغ...
كادت أن تبكي من شدة ما تمر به حينما شعرت به يدلف الى قاعة المحاضرات، رفعت بصرها تدريجيا لتتفاجئ بأخر حل محله، بدأت الهمهمات تعلو بين الطلبة عن سبب وجود هذا الاستاذ بدلا من أيهم ليحسم الاستاذ نفسه الامر مخبرا أياهم ان أيهم في إجازة لعدة ايام وسيحل هو محله...

لم تعرف اذا ما كان عليها ان ترتاح لأنها ستتجنب لقاءه أم تزداد ألما لأنه ترك عمله بسببها، نعم فهي واثقة انه تجنب الحظور بسبب ما حدث، لا تعرف كيف مر الوقت وانتهت المحاضرة على خير لتخرج من قاعة المحاضرات وتأخذ نفسها اخيرا، اخرجت هاتفها وقررت الاتصال به، لن تتحمل اكثر بعد، يجب ان تتحدث معه وتجد حلا لما يحدث، حاولت الاتصال به لكنه لم يرد، ضغطت على حروف الهاتف لترسل له التالي في رسالة نصية: أيهم، أعلم أنني مهما قلت لك ومهما فعلت لن يبرر ما حدث ويبرر كذبي لك، أيهم أتوسل إليك اسمعني لمرة واحدة فقط، اسمعني ارجوك وبعدها افعل ما شئت...

دلف كاظم الى غرفة نومه تتبعه الاء، اغلقت الاء الباب خلفهما وتقدمت الى الداخل لتجده يجلس على الكنبة متنهدا بإرهاق واضح...
تبدوا مرهقا...
قالتها الاء بجدية ليومأ كاظم برأسه ويجيب: قليلا...
هل كان لديك الكثير من العمل الذي جعلك مرهقا؟!

قالتها محاولة أن تفتح معه مواضيع للحديث والغريب انه أخذ يجيبها عن سؤالها قائلا: نعم، لدينا مشاريع جديدة مهمة تأخذ جميع وقتنا..
وما طبيعة هذه المشاريع؟!
سألته بفضول شديد ليرد بجدية: مشاريع تجارية عادية...
اومأت برأسها متفهمة قبل ان تجلس على الكنبة بجانبه وتهتف بجدية: كاظم اريد أن أاخذ رأيك بموضوع هام..
تفضلي...

قالها كاظم بإنتباه شديد لها لترد: انا أفكر جديا في نقل فرع شركتي الى هنا...
حملق بها بصدمة محاولا استيعاب ما تتفوه به، هل جنت هذه المرأة لتهتف بشيء كهذا؟!
ماذا تقولين يا الاء؟! هل تمزحين معي؟!
هزت كتفيها واجابته نفيا: كلا لا امزح، انا سأنقل فرع الشركة الى هنا، واديرها هنا...
ولكن لماذا ستفعلين هذا؟!

سألها بأستغراب شديد لترد ببساطة: لأنني مقيمة هنا وبالتالي من الأفضل أن أنقل مقر شركتي الى هنا لأديرها كما أريد،
ومن قال أنك ستبقين هنا.؟! قريبا سنتطلق وتعودين الى المدينة وتديرين شركتك كما تشائين...
صمتت لبرهة من الزمن ثم قالت بنبرة جادة واثقة: نحن لن نتطلق يا كاظم، انا لا اريد الطلاق...

وقبل أن يرد عليها كانت اخته تصيح عليه من خلف باب الغرفة: كاظم تعال حالا، سلوى تطلقت من زوجها...
انتفض كاظم من مكانه واتجه خارج المكان تتبعه الاء، فتح الباب ليجد سلسبيل امامه لتهتف به بجزع: لقد جاءت منذ لحظات...
تركها كاظم واتجه إلى صالة الجلوس تتبعه الاء و سلسبيل...
وجد كاظم سلوى اخته تبكي بين احضان والدته التي تولول هي الاخرى بحزن..
التفت نحو الاء وسلبيل اللتان تنظران اليهما بشفقة قبل ان يزفر انفاسه بقوة ويجلس بجانب اخته ووالدته محاولا أن يفهم منها ما حدث وكيف تطلقت...

كانت تسير داخل غرفتها ذهابا وايابا، لم يأت اليها ولم يفكر حتى في تبرئة موقفه أمامها...
لقد تجاهلها كشيء لا مهم، شيء لا يعني لها شيئا...
جلست على الكنبة وخبأت وجهها بكفي يديها، أخذت تفكر بما رأته للمرة الالف، لهفته عليها، خوفه الشديد، كل شيء يؤكد ان هذه المرأة بيست بشيء عادي بالنسبة له...

رفعت وجهها لتجده يدلف الى الداخل، وأخيرا قد جاء، واخيرا تذكر أن يأتي...
اخذ يفك ازرار قميصه بينما هي تتابعه بنظرات متحفزة...
تنتظر منه أن يتحدث، أن يقول شيئا...
خلع قميصه واتجه نحو الحمام، غسل وجهه بالماء وخرج وهو يجفف وجهه بالمنشفة...
توقف عن تجفيف وجهه ليتأملها وهي تجلس على الكنبة تتأمله بنظرات باردة...
كيف أصبح الصغير؟!

سألته بجمود ليرد: بخير...
صمت ولم يعلق لتكمل بتهكم: ألن تقول شيئا.؟!
ماذا يجب أن أقول؟!
سألها ببرود أغاظها لترد عليه: عن هذه المرأة ومن تكون.؟! ومن هذا الطفل؟!
انها شيرين...
لا يهمني اسمها، ما يهمني هي ومن تكون؟!

قالتها بعصبية شديدة ليرد ببساطة: للاسف لا استطيع ان اخبرك، سأكتفي بقول بأنها شخص قريب علي ومهم جدا..
وقفت من مكانها وتوجهت نحوه، سألته: من هذه المرأة بالنسبة لك؟! ألهذه الدرجة هي مهمة لك؟!
اجابها وهو يبتعد عنها: نعم مهمة للغاية...
ركضت نحوه ووقفت أمامه قائلة بصوت عصبي: لا تتركني وتذهب، الان اريد ان أعرف كل شيء، من تكون شيرين؟! ما علاقتك بها؟!
هذا شيء لا يخصك...

كادت ان تقفز عليه وتخرمش وجهه بجنون الا انها تماسكت وقالت بنبرة متشجنة: انت زوجي، وكل ما يخصك يخصني...
الا موضوع شيرين، انه يخصني لوحدي...
هل هو ابنك؟!
سألته بنبرة متشنجة وملامح شاحبة ليرد بعد صمت قصير: نعم ابني...
هطلت دمعة من عينيها مسحتها بسرعة وهي تهتف بإبتسامة مريرة: طلقني...

تأملته وهو يقف بعيدا عنها، امام النافذة موليا ظهره لها، يفكر كثيرا وآه من أفكاره التي لا تنتهي...
هو يعاني وبشدة لكنه يرفض ان يعبر عن معاناته مع اي احد، رباه لقد باتت تعرفه اكثر من نفسها، تحفظ تفاصيله عن ظهر قلب، متى ينزعج، ومتى يفرح...
نهضت من مكانها وسارت نحوه بخطوات خجول مترددة، كلما تزداد قربا منه كلما يتضاعف خجلها اكثر...

وقفت خلفه بالضبط تتأمله بعينيها بل تحتضنه، تود أن تتنفسه، ان تذوب داخله، بين أحضانه، وتصبح جزءا منه...
هي إمرأة لم تدخل دروب العشق سوى معه وهو رجل يعرف كيف يروض معشوقته حتى يجعلها ملكا له...
وضعت كف يدها على ظهره فشعرت بتقلص عضلاته لا اراديا أثرا للمستها...
كاظم...

همستها بخفوت وكأنها ترتكب جرما...
همساتها ولمساتها تربكه، وهو يعترف بذلك...
ان تقف هكذا خلفه تنادي بإسمه أمرا يصعب تحمله...
نعم...
قالها دون أن يستدير نحوها حتى، هو يبخل عليها بكل شيء، حتى بلفتة منه...
ألن تنظر إلي؟!

التفت نحوها على مضض وتأملها وهي تطالعه بنظرات حنون وكأنها تخبره أنها معه سندا له...
هذه النظرات لا تليق بك يا ابنة الهاشمي...
ابتسمت بظفر وهي تفكر بأنها نالت منه كلمة اخيرا وسط صمته المعتم...
هذه النظرات لا تكون إلا لك...
كم أنا محظوظ اذا؟!
قالها بنبرة باردة خالية من أية سخرية...
بل أنا المحظوظة بك...
إلام تريدين أن تصلي يا الاء؟!

سألها بنبرة بدت لها غاضبة عصبية فإبتلعت ريقها بتوتر ملحوظ وهي تفكر بأنها لا تضعف الا أمامه ولا تتوتر الا بسببه...
لا اريد ان اصل لشيء يا كاظم، انا فقط أردت إخبارك بأنني محظوظة للغاية بك، برجولتك، بعنفوانك، ومثاليتك...

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك