رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الثامن


اغلقت دارين هاتفها وهي تتنهد بألم...
لقد جاءت هذه الصورة لتصفهها وتذكرها بحقيقتها المرة...
فتلك الاحلام الوهمية التي بنتها لن تتحقق مهما حصل...
أيهم الهاشمي...
الرجل الوحيد الذي حرك بها مشاعر بدائية لم تفطن لها من قبل...
والرجل الوحيد الذي ولج الى قلبها...

بإبتسامة واحدة منه يشتت كيانها بأكمله...
وبنظرة واحدة يتوقف قلبها عن نبضاته...
هي لم تعرف هذا الشعور من قبله...
والاكيد أنها لن تتعرف عليه سوى معه...
سارت خارج الجامعة متجهة الى مقر عملها...
ذلك العمل الذي أحبته يوما وظنت به ملاذها الامن وطريقها للشهرة...
اليوم اصبح حبلا طويلا يقيد عنقها وقلبها بقسوة...

وصلت الى مقر عملها والذي لم يكن سوى شركة عالمية مشهورة في مجال الغزل والنسيج...
هي تعمل عارضة لديهم ولكن كونها ما زالت في بداية طريقها فلم تجد عملا لديهم سوى ان تكون عارضة للازياء الداخلية على امل ان تنال اعجابهم وتصبح احدى عارضاتهم الاساسيات...

هذا العمل وفر لها الكثير فهي أصبحت قادرة على توفير مصاريفها واحتياجاتها كما سمح لها بإكمال دراستها في واحدة من ارقى جامعات البلاد...
دلفت دارين الى مقر الشركة واتجهت بسرعة نحو مكتب مديرها نافضة تلك الافكار السيئة من عقلها...
فمديرها طلبها شخصيا كما اخبرتها السكرتيرة لتذهب اليه على الفور...

توقفت أمام باب مكتبه واخذت نفسا عميقا وهي تدعو ربها أن يسير كل شيء على ما يرام...
طرقت على باب غرفته ليأتيها صوته سامحا لها بالدخول ففتحت الباب ودخلت اليه بخطوات بطيئة متمهلة نحوه...
ابتسم لها المدير الثلاثيني مرحبا ثم اشار لها أن تجلس على الكرسي المقابل له لتفعل دارين ما طلبه...
جلست دارين أمامه وهي تشعر بالإرتباك الشديد يسيطر عليها، ارتباك بسبب ما سيقوله مديرها لها...

وجدته يفتح درج مكتبه ويخرج منه مجموعة من المجلات ويقلب بها قبل ان يدير احداهن نحوها فتظهر صورتها على المجلة ليقول بنبرة يملؤها الاعجاب: منذ قدومك الى هنا والجميع يتحدث عنك يا دارين، عن مدى اجتهادك في عملك، وجديتك فيه...
ابتسمت دارين في نوع من الراحة ثم قالت بخجل طفيف: أشكرك كثيرا على هذا الاطراء الجميل...

دارين، يجب ان تعلمي بأننا نقدر المجتهدين والطموحين، ونساعدهم في تحقيق طموحاتهم وأحلامهم، طالما يقدمون ما يضيف لنا ويفيدنا...
شعرت دارين بأن هناك شيء مهم ينتظرها وبالفعل شعورها كان في محله حيث أكمل المدير بجدية: لذا نحن وجدنا انك تستحقين ان تكوني في صفوف عارضاتنا الاساسيات، حيث ستبدئين في عرض الملابس الرئيسية لدينا...
حقا؟!

قالتها دارين بذهول حقيقي ليومأ المدير برأسه فتبتسم دارين بسعادة قبل أن تقول بإمتنان حقيقي: أشكرك كثيرا، أشكرك للغاية...
أكمل المدير كلامه بحماس: كما أننا سنعطيكِ مكافئة عالية، هذا بالاضافة الى زيادة كبيرة في مرتبكِ...
شعرت دارين بأن قلبها يكاد يتوقف من شدة السعادة...
اما المدير فإبتسم لها وأكمل: اتمنى يا دارين ان تجتهدي في عملك اكثر حتى تنالي المزيد...
اكيد، سأجتهد اكثر و أكثر...

قالتها بصدق قبل ان تسمع المدير يكمل: هناك شيء مهم اخر يجب ان تقومي به...
ما هوو..؟!
سألته دارين ليجيبها المدير: يجب أن تختاري مدير اعمال لك، يدير اعمالك فجميع العارضات يتخذن مدير أعمال خاص بهن يساعدهن في تنظيم امور عملهن...
حسنا سأتخذ بالتأكيد، ولكن أنا لا أعرف مدير اعمال مناسب لي...
سوف اجد لك أحد مناسب واخبرك..
شكرته دارين مرة اخرى ثم استأذنته وخرجت من مكتبه وهي تشعر بأن الحياة ابتسمت لها أخيرا...

ولجت ميرا الى الكافيه الذي اتفقت على لقاء مازن به..
بحثت بعينيها عنه لتجده جالسا في أحد اركان الكافية على احدى الطاولات يتناول كوبا من القهوة...
ابتسمت ميرا بحب ثم ما لبثت ان سارت نحوه حتى وصلت إليه...
رفع مازن بصره نحوها ليجدها أمامه فابتسم لها نصف إبتسامة قبل ان يشير لها ان تجلس أمامه...
شعرت ميرا بشيء ما غير طبيعي به...

ابتسامته لم تكن صافية كالعادة...
وكأن هناك شحوب وضيق غريبين يسيطران عليه...
مازن، هل انت بخير؟!
وكأن سؤالها جاء في وقت فأجابها مازن بعدما وضع كوب القهوة على الطاولة أمامه: كلا ، لست بخير..
شعرت ميرا بالقلق يجول في خاطرها فقالت بسرعة: ماذا حدث؟! لماذا تبدو مكتئبا هكذا؟!
أجابها وهو يتنهد بصمت: هذا موضوع طويل يا ميرا يصعب شرحه الان...

صممت ميرا ولم تشأ أن تضغط عليه، حل الصمت بينهما لفترة قصيرة حتى قطعه مازن وهو يسألها: ماذا أردتِ أن تقولي يا ميرا؟! تحدثي، أنا أسمعك...
ضمت ميرا قبضتي يديها الى بعضيهما البعض ثم قالت بينما توتر جسدها بالكامل لا اراديا: في الحقيقة اردت إخبارك بموضوع مهم للغاية...
اومأ لها مازن برأسه طالبا منها إكمال حديثها، ما ان بدأت ميرا في حديثها حتى قاطعها رنين هاتف مازن الذي حمله على الفور واجاب عليه: اهلا ميري، انا بخير، لا تقلقي علي، كل شيء سيكون بخير، ثقي بي...

كانت هذه الكلمات المختصرة الذي قالها مازن في مكالمته القصيرة لكن ميرا شعرت بأن وراء هذه الكلمات الكثير فسألته بصوت حذر: هل هذه صديقتك؟!
بل حبيبتي...
قالها مازن مصححا لتتشكل الصدمة والذهول بوضوح على ملامحها...
ميرا، هل انت بخير؟!

ابتلعت ميرا ريقها وقد أفاقت من صدمتها أخيرا فقالت بنبرة جاهدت لتخرج طبيعية: من هي؟! أقصد يعني لم تخبرني عنها من قبل...
ابتسم مازن لها وقال: لأنه لم تأتِ فرصة مناسبة لأخبرك عنها...
سألته ميرا بصوت مبحوح: وهل أتت الفرصة المناسبة الان؟!
ماذا تريدين أن تعرفي؟!
سألها بحيرة لتجيبه بصوت خافت متألم: كل شيء، اريد ان أعرف كل شيء...

ابتسم مازن مرة اخرى بتلك الابتسامة التي تقتلها ثم قال: اسمها ميري، مسيحية امريكية، عمرها تسعة وعشرون عام، تعرفت عليها بالصدفة في أحد المؤتمرات التي أحضرها، تكونت بيننا صداقة جميلة سرعان ما تحولت الى حب، أحببتها بشدة و...
قاطعته ميرا بنبرة حزينة: لما لم تتزوجها اذا.؟!

صمت لوهلة يستوعب سؤالها قبل ان يكمل بشرود: انتظرت أن يأتي الوقت المناسب لأعرض عليها الزواج، وبالفعل عرضت عليها الزواج قبل ان أاتي الى هنا وهي وافقت، لكن عندما أخبرت أهلي برغبتي للزواج بها رفضوا بشدة، رفضوا فورا دون حتى أن يسمعوني...
لماذا؟! لأنها مسيحية أليس كذلك.؟!
اومأ برأسه واكمل: وأجنبية ايضا...
تطلعت اليه ميرا بحيرة ولم تعرف ماذا تقول، هل تواسيه أم تواسي نفسها؟!
مازن انت...

قاطعها بإنفعال شديد: سأتزوجها يا ميرا، سأتزوجها مهما حدث...
أدمعت عيناها بقوة وهي تستمع الى ما يقوله، إصراره على حبيبته ورغبته بها دونا عن اي شيء اخر...
لما عليها أن تكون تعيسة حظ لهذه الدرجة.؟!
الشخص الوحيد الذي أحبته طوال حياتها يعشق غيرها...
يحارب لأجلها بينما هي تحارب نفسها لتنساه...
أي حظ بشع تملكه هي؟!
تزوجها يا مازن، تزوجها طالما تحبها...

قالتها أخيرا قبل ان تحمل حقيبتها وتسير بعيدا عنه، هناك سمحت لنفسها أن تبكي، طالما اصبحت وحيدة، انهارت باكية وهي تلعن حظها العاثر الذي وضعها في موقف كهذا...

دلف كاظم الى المنزل ليجد والدته واخته في المطبخ، حيث يجهزان طعام الغداء، اقترب من والدتها وطبع قبلة على جبينها قبل ان يسألها: كيف حالك يا ست الكل.؟!
اجابته والدته وابتسامة ترحيب تزين ثغرها: بخير يا حبيبي...
اقترب من اخته وقال بحنو بالغ: وكيف حال أميرتنا الصغيرة؟!
ابتسمت له سلسبيل وقالت: بخير أخي العزيز...
نقل كاظم بصره بين الاثنين للحظات قبل ان يسأل فجأة: أين الاء؟!
اجابته والدته بضيق خفي: انها ما زالت في غرفتها...

رد كاظم بدهشة وإستنكار: ألم تنزل من الغرفة ابدا طوال اليوم؟!
اجابت سلسبيل نيابة عن والدتها: كلا أخي، نحن لم نر وجهها منذ مساء البارحة...
اومأ كاظم برأسه متفهما ثم استأذن من والدته وخرج من المطبخ لتقترب سلسبيل من والدتها وتقول بصوت خافت: لقد تضايق كثيرا حينما علم أنها ما زالت في غرفتها...

لترد الأم موافقة على كلامها: معك حق...
يبدو ان ست الحسن والدلال لا تريد رؤيتنا...
قالتها سلسبيل وهي تقشر الخيار لتقول الأم بدورها: فلتخسأ، هل تظن بأنني سأدللها هكذا كثيرا، انا فقط سأتحملها الايام القادمة لانها ما زالت عروس، لكن بعدها لن اسكت ابدا...

ابتسمت سلسبيل بخبث فيبدو ان والدتها لم تحب تصرفات عروس اخيها مثلها تماما...
اما كاظم فاتجه الى غرفة نومه وولج اليها ليجدها مظلمة كما تركها صباحا...
اتجه نحو الشبابيك وفتح البرادي ليسطع الضوء قويا في المكان...
اتجه بعدها نحو الاء التي كانت تحاول ان تضم وجهها في الوسادة حتى لا يصل ضوء الشمس إليها...
اقترب منها ووقف أمامها قبل ان يهز كتفها بيده وهو يهتف بها بصوت عالي قليلا: الاء استيقظي، هيا يا عروس، استيقظي حالا...

فتحت الاء عينيها لتصطدم بعيني كاظم اللتان تتطلعان إليها بنظرات متجهمة...
اعتدلت بسرعة في جلستها وقالت: كاظم، ماذا حدث؟!
اجابها وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها: ما حدث ان وقت الغداء قد حان وانتِ ما زلت نائمة...
مسحت على وجهها بكفي يديها ثم قالت بصوت ناعس: لم انتبه الى الوقت، أخذني النوم...

قال كاظم بنبرة قوية حازمة وهو ما زال مشيح بوجهه بعيدا عنها: يحب ان تنتبهي مرة اخرى، يجب ان تنتبهي يا الاء...
لماذا تحدثني وانت تنظر الى الجهة الاخرى هكذا.؟!
سألته بنرفزة من تصرفه هذا ليرد دون ان يحرك وجهه نحوها: انظري الى وضعية ملابسك وستعرفين لماذا لا انظر إليكِ!
اخفضت الاء بصرها نحو الاسفل وأخذت تتطلع الى ملابسها لتنصدم بقميص بيجامتها الذي فُتحت ازراره الاولى لتظهر من تحته صدرها بشكل مثير و واضح...

اغلقت الاء بسرعة ازرار قميصها وهي تشعر بالإحراج الشديد قبل ان تهمس بخجل فطري: بإمكانك ان تنظر الي الان...
استدار كاظم نحوها وقال بجدية حانقة: اسمعيني يا الاء، هناك امور يجب ان تقومي بها كونك اصبحت إمرأة متزوجة من رجل مثلي...
وما هي هذه الأمور؟!

اجابها وهو يعض على شفته السفلى: يجب ان تستيقظي مبكرا وتعاوني سلسبيل في امور البيت...
ماذا تعني بأمور البيت؟! انا لا افهم عليك...
سألته بغباء حقيقي ليرد ببديهية: تنظيف المنزل والطبخ وغيرها...
اشارت الاء لنفسها قائلة بعدم تصديق: وهل تظن بأنني سوف أقوم بأعمال كهذه؟! هل تظن بأنني خادمة لديك يا كاظم؟!
اجاب كاظم: وهل عملك في منزل زوجك يجعلك خادمة يا مدام...
ولكن...

قاطعها كاظم بحسم: لا يوجد لكن يا الاء، هناك امور واجب عليك القيام بها، هل فهمت؟!
ولكن انا لا استطيع القيام بهذه الأمور...
قالتها بصدق ليهز كاظم رأسه بتعب قبل ان يقول: سوف تتعلمين، مع مرور الوقت سوف تتعلمين...
تطلعت إليه الاء بعدم اقتناع ليقول هو منهيا هذا الموضوع: انهضي الان وغيري ملابسك حتى ننزل سويا ونتناول طعام الغداء...

وقفت فرح أمام الثلاجة الموجودة في المطبخ وهي تشعر بالحيرة الشديدة...
لا تعرف ماذا يجب أن تتناول الان فهي جائعة للغاية ولم تتناول شيئا على العشاء...
نعم منذ ان جاءت الى هذا المنزل وهي لم تتناول الا القليل من الطعام، فهي تخجل أن تأكل على راحتها أمامهم...
والان بما أنه الجميع نائم ولا يوجد احد مستيقظ سواها و زوجها فبإمكانها ان تتناول ما تشتهي من الطعام...
زفرت أنفاسها بإحباط وهي تفكر بأنها تشتاق لطعام والدتها كثيرا...

ثم ما لبثت أن لمعت عيناها وهي تتذكر أنها ستذهب إليهم غدا بسبب عمل ضروري لأدهم هناك...
أدهم زوجها البارد الذي يثير جنونها واستفزازها بغروره وبروده...
هي تحاول تحريك القليل من الشعور داخله هذا اذا كان يمتلك شعور من الاساس!
كانت تفكر وهي تتناول طعامها المكون من توست صلب مع شرائح الجبنة...
لمعت بعينيها فكرة مثيرة فسارعت لتنفيذها وهي تعيد التوست الى مكانك والجبن في الثلاجة...

سارت بسرعة نحو الطابق العلوي حيث توجد غرفتها مع زوجها المغرور...
وما ان وصلت اليها حتى صرخت بإسمه قبل ان تقتحم الغرفة...
أاااادهم...
صرختها جعلته ينتفض من مكانه قبل أن يضع حاسوبه بجانبه ويقفز متجها نحوها لتدلف الى الغرفة وهي منهارة وترتمي بين أحضانه...
ماذا حدث؟!

سألها بفزع وهو يحاول تهدئتها لتجيبه من بين شهقاتها المتتاليه: فأر، فأر في المطبخ...
لم يستوعب في بادئ الأمر ما قالته...
ماذا تقولين؟!
فأر، فار يا ادهم، لقد رأيته بأم عيني...
فأر، هل هذا البكاء والانهيار كله بسبب فأر..

قالها مذهولا لتحرك رأسها وهي ما زالت بين احضانه بينما عطره الرجولي يتخلخل انفاسها فيثير بها مشاعر غريبة تشعر بها لأول مرة...
شعرت بصدره يعلو ويهبط تدريجيا فمالت برأسها قليلا وهو يحاول كتم ضحكته لتهتف بتعجب: لماذا تضحك؟!
ثم ما لبثت ان احتدت ملامحها وقالت بنبرة عصبية بعدما حررت جسدها من بين احضانه: هل تضحك عليَّ؟!
سيطر على ضحكاته اخيرا ليقول بجدية: في الحقيقة يبدو لي الامر مضحكا قليلا، فراعية غنم مثلك لا يجب ان تخشى الفئران...

انا لا اخاف منها وإنما أشعر بالقرف والاشمئزاز حينما اراها...
همهم ببضعة كلمات غير مفهومة لتسأله بضيق: ماذا قلت؟!
اجابها وهو يتجه نحو الكنبة: قلت أنني سأخبر الخادمة غدا لتبحث عن هذا الفأر وتخرجه من المنزل...
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بدهشة: يالبرودة أعصابك يا هذا، ستنتظر الى الغد، انهض وابحث عن الفار واقتله قبل ان يهرب الى مكان أخر...
قال أدهم وهو ما زال يعبث بحاسوبه دون أن ينظر إليها: هل تريدين مني أن أترك عملي ومشاغلي وأبحث عن الفأر خاصتك...

لم تتحمل فرح بروده المستفز فقالت بغضب كبير: انت حقا رجل بارد!
رد أدهم عليها دون أن يرفع انظاره من على حاسوبه الشخصي: أعلم هذا...
بالكاد استطاعت ان تكتم غيظها وهي تجلس على سريرها تتطلع إليه بنظرات متوعدة...
سمعته يقول فجأة: جهزي نفسك، غدا مدعوان لدي صديق لي على العشاء...

ألن نذهب غدا الى القرية.؟!
سألته بإحباط ليرد بجدية: سنذهب بعد الغد...
اومأت برأسها متفهمة قبل ان تمدد جسدها أسفل غطاء السرير...

على مائدة العشاء جلس جابر ووالدته ووالده ينتظران ان تأتي ليلى لتتناول طعامها معهما...
جاءت ليلى وهي تحمل بيدها صحن بطاطس مقلية ثم وضعته على المائدة وقالت: عن اذنكم، لا شهية لدي بتناول اي شيء...
هل أنتِ بخير؟!
سألها جابر بإهتمام واضح لتوما برأسها دون أن ترد ثم تتحرك متجهة الى غرفة نومها...
ما هذه التصرفات السخيفة يا جابرر؟! من تظن نفسها لتمتنع عن تناول طعامها معنا.؟!

قالتها والدة جابر بنبرة عصبية ليرد جابر محاولا تهدئة والدته: اهدئي امي، ان ليلى متعبة قليلا وبحاجة الى الراحة، هي بالتأكيد لا تقصد شيئا من عدم تناولها طعام العشاء معنا...
تقصد او لا تقصد، هناك اصول يجب إحترامها...
شعر جابر بالحرج منها بينما قال الاب بدوره: لا تفعلي هذا يا إمرأة، ابنك رجل وسوف يعرف كيف يتحدث معها ويؤدبها...

أشاحت الأم وجهها بضيق ليقترب جابر منها وينحني أمامها قائلا: لا تغضبي علي يا امي ارجوكِ...
ردت الام بجدية: اجلبها الى هنا ودعها تتناول طعامها معنا بعدما تعتذر إلينا...
نهض جابر من مكانه وقال بسرعة وهو يومأ برأسه: حاضر، سوف تأتي الى هنا وتعتذر منكما، هل مطلوب مني شيئا أخر.؟!
أدبها جيدا ودعها تتصرف بأدب وحذر معنا...
هز جابر برأسه موافقا على كلامها قبل ان يتجه نحو غرفته...

فتح باب الغرفة ودلف الى الداخل ليجد ليلى نائمة على سريرها ويبدو أنها تغط في نوم عميق من شدة تعبها...
جلس بجانبها على السرير وأخذ يهزها من كتفها لتستيقظ اخيرا، فتحت ليلى عينيها الخضراوتين لتتفاجئ بجابر أمامها، اعتدلت في جلستها وقالت متسائلة: ماذا حدث يا جابر؟! لماذا تنظر إلي هكذا؟!
اجابها جابر بنبرة متضايقة: بسبب تصرفاتك يا ليلى، كيف تتصرفين بهذا الشكل مع والدي؟!

حاولت ليلى تذكر أي تصرف سيء فعلته لكن بلا فائدة لتهمس له في النهاية وهي تشير لنفسها: مالذي فعلته أنا لتقول لي هذا.؟!
أجابها بجدية وغضب: كيف ترفضين البقاء على العشاء معنا؟! لم تحترمي وجود والدي حتى، تصرفتي وكأنه لا يوجد أي احترام لهما...
أنا، أنا فعلت كل هذا...
رددتها بذهول وهي تشير الى نفسها ليكمل جابر: انهضي فورا واعتذري منهما...
واعتذر منهما أيضا!

قالتها ليلى بعدم تصديق محاولة ان تستوعب ما يتفوه به زوجها لينهض جابر من جانبها ويقول بنبرة أمرة: لا تكثري الكلام، هيا انهضي ونفذي ما قلته...
انا لا اصدق ما تطلبه مني يا جابرر، أنت تتعامل معي وكأنني مذنبة بحقهما...
قالتها بيأس منه ومن تصرفاته لتجده يرد من بين أسنانه: انتِ اسأتِ لهما حينما لم تحترمي إياهما...
نهضت من فوق سريرها صارخة: هذا كله لأنني لم أتناول الطعام معهما...
اخفضي صوتك...

نهرها بقوة لترد عليه بعناد وتحدي: لن اخفضه يا جابر، ولن اعتذر منهما، ولتفعل ما شئت...
وقبل أن تكمل حديثها كانت يده تصفعها على وجهها بقوة...
وضعت كف يدها على وجهها وهي تنظر اليه بعدم تصديق...
سالت الدموع من عينيها بغزارة لتقول بصوت باكي: تضربني يا جابر...
وأحطم رأسك ايضا...

مسحت دموعها بكفي يديها قبل ان تقول بنبرة حاقدة: هذا كله لأجل الست الوالدة، حتى تفتخر بإبنها أليس كذلك؟!
اخرسي يا ليلى، اخرسي ولا تجعلينني أتصرف معك بطريقة لن تعجبك بتاتا...
عضت على شفتيها بقوة وهي تقاوم دموعها التي بدأت تهدد بالإنهمار من جديد بينما خرج جابر من الغرفة وهو يسب ويلعن حظه...

في صباح ألبوم التالي...
وقف أيهم امام المرأة وأخذ يمشط شعره بعناية...
وضع الكثير من عطره المفضل ثم خرج من غرفته مسرعا ليجد والدته في وجهه...
صباح الخير حبيبي...
صباح الخير ماما، ماذا تفعلين هنا منذ الصباح؟!
سألها بإستغراب شديد لترد ببساطة: جئت لأراك واطمئن عليك، أصبحنا لا نراك هنا سوى بالصدفة...
انا بخير كما ترين...

قالها بسرعة وهو يرغب في الهروب من أمامها لتشعر هي بذلك فتهمس بضيق: ما بك يا أيهم؟! لما تبدو وكأنك تريد التخلص مني.؟!
اجابها أيهم بأسف: أسف ماما ولكن لدي محاضرة مهمة، ولا يجب أن اتأخر...
اومات الأم برأسها متفهمة ثم فسحت له المجال ليغادر بسرعة قبل ان تتبعه بأنظارها وهي تهتف في داخلها بتفكير: هناك شيء ما متغير بك يا ايهم، هل هي بوادر العشق يا ترى؟!

اما أيهم فقد ركب سيارته وانطلق مسرعا نحو الجامعة...
هو بالفعل مستعجل لكن ليس لاجل المحاضرة بل من أجل رؤيتها...
نعم يشتاق لها بقوة...
ويريدها بنفس القوة...
تلك الفتاة العجيبة التي احتلت كيانه بأكمله وسرقت النوم من عينيه لليال طويلة...

اوقف سيارته في كراج الجامعة وهبط منها واتجه بسرعة نحو قاعة المحاضرات، لسوء حظه لم يجدها بها، بدأ يلقي محاضرته على أمل أنها ستأتي فيما بعد، انتهت المحاضرة ولم تأت هي!
شعور مليء بالإحباط سيطر عليه، لقد انتظرها طويلا ليراها و يمتع عينيه بالنظر إليها...
حمل اوراقة و حاسوبه الشخصي وخرج من القاعة بينما عيناه تبحثان عنها...

كان يسير متجها الى مكتبه حينما لمحها اخيرا تجلس في النادي على أحدى الطاولات وجل تركيزها منصب على مجموعة من الملازم أمامها...
ابتسم براحة وهو يتأملها من بعيد قبل ان يخفي ابتسامته ويتقدم نحوها...
كانت منهمكة في دراستها حينما شعرت بظل طويل يتكون أمامها...
رفعت بصرها قليلا لتنصدم به أمامها...
أيهم، أقصد دكتور أيهم...

قالتها بصدمة من وقوفه أمامها بهذا الشكل لتجده يسألها بملامح متجهمة: لماذا لم تدخلِ المحاضرة؟!
أجابته وهي تتفحص المكان حولها داعية ألا يراهما أحد: لدي امتحان مهم، قررت أن أذاكره بدلا من حضور المحاضرة...
وماذا عن المحاضرة المهمة التي أضعتيها؟! انها محاضرة مهمة للغاية...
أرادت ان تصرخ بوجهه ألا يتدخل بها ويكف عن إقحام نفسه في حياتها لكنها تراجعت وهي تجيبه بنبرة جافة: لا تقلق علي، انا أستطيع أن ادبر نفسي...
كما تريدين...

قالها بإقتضاب وهو يتجه بعيدا عنها خارج النادي فقد ضايقته نبرتها الجافة معه...
اما هي فقد شعرت بتأنيب ضمير شديد فهو لا دخل له بما يحدث ولا يستحق أن تتحدث معه بهذا الشكل...
حاولت أن تشغل نفسها بالمذاكرة ولا تضع تركيزها معه لكنها لم تستطع...
قررت أن تذهب إليه وتعتذر منه عما حدث...
وصلت الى غرفته ووقفت أمامها للحظات...

أخذت نفسا عميقا قبل ان تطرق على الباب بخفة ليأتيها صوته سامحا لها بالدخول...
دلفت الى الداخل لتجده ينظر إليها بنظرات حادة أخرستها فورا...
ماذا تريدين؟!
سألها بحدة جعلتها ترغب بالاختفاء من أمامه...
انا جئت لأعتذر منك، انا حقا اسفة...

قالتها بنبرة مرتجفة خافتة لتجده يتنهد بصوت مسموع قبل ان يمسح وجهه بكفي يديه محاولا أن يهدأ من عصبيته قليلا..
حسنا، هل تريدين شيئا أخر؟!
المتعجرف المغرور لم يسألها حتى عن سبب اعتذارها...
كلا...
اجابته وهي ترفع ذقنها عاليا قبل ان تتحرك خارج المكان وهي تلعن نفسها لأنها اعتذرت له...

وقفت ليلى أمام مرأتها وهي تحاول اخفاء تلك الكدمة الزرقاء التي طُبعت على وجهها...
سمعت صوت حماتها تنادي عليها فزفرت أنفاسها بضيق قبل ان تتجه خارج الغرفة...
نعم عمتي...
قالتها وهي مخفضة رأسها نحو الاسفل لتتطلع حماتها الى الكدمة الزرقاء على وجهها وهي تبتسم بإنتصار...
هيا ابدئي بعملكِ اليومي...

حاضرر...
قالتها ليلى بإذعان قبل ان تسمع حماتها تقول: ولا تنسي أن تخفي هذه الكدمة بالمكياج، فاليوم سوف يأتين صديقاتي لرؤيتك وتهنئتك، لا يجب أن يرونكي بهذا الشكل المخزي...
هذا الشكل المخزي بفضل ابنك...
قالتها ليلى بنبرة قوية وهي ترفع رأسها عاليا لترد حماتها عليها: لقد فعل هذا من اجل تأديبك، لو كنت استمعتِ لكلامي ما كان ليحدث بك هذا...
هل أنت سعيدة بما حدث معي؟!

قالتها ليلى مصدومة من قسوة هذه المرأة وضميرها الميت لترد حماتها ببرود: نعم سعيدة فإبني رجل يعرف كيف يؤدب زوجته...
بهذه الطريقة...
قالتها وهي تشير الى الكدمة بإنفعال قبل ان تردف بكره: كم أنتِ قاسية القلب...
نهضت حماتها من مكانها وقالت بنبرة محذرة: اضبطي لسانك يا ابنة زهران، انتِ بالفعل قليلة الادب...
انا لست بقليلة الادب يا هذه...

وترفعين صوتك مرة اخرى بكل وقاحة؟!
قالتها الأم قبل أن تصفعها على وجهها...
اتسعت عينا ليلى بذهول قبل أن تهتف بها: كيف تجرؤين على شيء كهذا؟! أنتِ بالفعل امرأة عديمة الاخلاق والضمير..
ليلى...
تصمنت ليلى في مكانها وهي تستمع الى صوت جابر الذي تقدم نحوها وهو يستمع الى ما تقوله والدته: تعال يا جابر، تعال واسمعها بنفسك وهي تشتم والدتك...
جابر انا..
اخرسي...

قالها بصوت حازم قبل ان يمسك يدها ويسحبها خلفه، دخل بها الى غرفتهما وهو ما زال ممسكا بيدها ضاغطا عليهما بقوه، دفعها بقسوه شديده بعيدا عنها حتى كادت ان تقع أرضا الا انها تماسكت في اللحظه الاخيره...
نزل بصفعه قويه على وجهها أدمت وجنتها البيضاء، وضعت كف يدها على وجنتها بينما انسابت دموع لا اراديه من عينها، تحدثت بصوت باكي لماذا تضربني؟

أضربك لأنك تستحقين هذا، بل وأكثر أيضا...
انت حيوان ومتخلف...
صرخت به بنفاذ صبر وقد طفح الكيل لديها مما زاد غضبه اشتعالا فتقدم نحوها وصفعها مرة ، اثنتين ، ثلاثه حتى خرت الدماء من فمها، ثم قبض على شعرها بعدها بيده فصرخت بالم اه..، اتركني...
انا حيوان ومتخلف اذا...
انا لم اقصد...

لم يمنح لها الفرصه لتبرر بل دفعها بقوة على السرير وتقدم نحوها، وقف للحظات بجانبها هاتفا بها: انت بالفعل بحاجة لاعاده تربيه فيبدو ان والديك فشلوا في تربيتك، لكن أعدك بأنني سآعيد تربيتك من جديد...
تطلعت اليه بنظرات خائفه سرعان ما تحولت الى اخرى هلعه وهي تراه يخلع حزامه ويلف على يده...
ارجوك لا، اتوسل إليك لا تفعلها، ارجوك سامحني...

كانت تتوسّله ببكاء تترجاه ان يرحمها الا انه لم يأبه لأي من توسلاتها فنزل بالحزام على جسدها يضربها بعنف ولم يكتفِ بهذا بل بدأ يضربها بيده مفرغا غضبه بها بينما علا صوت صراخها واسغاثتها ارجاء المكان، كانت تصرخ بوجع لاذع وهي تشعر بجسدها يتكسر بين يديه...
وفِي الخارج كانت تقف والدته وعلى شفتيها ابتسامة شماته وهي تردد في داخلها قائلة: احسنت يا ولدي، تستحق هذا...

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك