ابتعد عنها فورا ما ان سمع ما قالته...
بينما اعتدلت هي في جلستها وأخذت تتطلع اليه بنظرات مذعورة...
لأول مرة يراها هكذا...
خائفة...
مما يجعله متأكد من أن ما قالته صحيح لا يقبل خطئا...
كيف؟!
سألها بهدوء مخيف لتبتلع ريقها بتوتر بالغ دون ان ترد...
قبض على ذراعيها الاثنتين بشكل قوي ثم رفعها عاليا من فوق الفراش قبل ان يهتف بصوت حازم: كيف.؟! أجيبيني يا ابنة الهاشمي، أجيبيني...
اجابته بدموع حقيقية: كنت صغيرة، في الجامعة...
توقفت عن حديثها ليهتف بها بنفاذ صبر: اكملي...
كان اغتصابا...
افلتها من ذراعيها لتسقط على السرير...
لماذا لم تخبريني.؟!
سألها بنبرة جامدة لترد عليه بصوت متحشرج: لا اعلم، لقد كنت خائفة من إخبارك و...
صرخ بها: انتِ لا تعرفين الخوف.، انتِ لا تعرفين سوى الكذب والخداع...
انهارت باكية مرة اخرى امامه بينما اشاح هو بوجهه بعيدا عنها...
ظلت تبكي لفترة طويلة...
بينما هو واقف امام النافذة موليا ظهره لها...
توقفت اخيرا عن البكاء ونهضت من مكانها واقتربت منه، حاولت ان تلمسه فهتف بها بصرامة: لا تلمسيني...
كاظم انا...
اخرسي...
اضربني يا كاظم، إفعل بي اي شيء، عاقبني كما تشاء، فأنا أستحق...
انا لم أضرب إمرأة في حياتي ولن أفعل...
حل الصمت المطبق بينهما للحظات قطعها هو حينما قال: من الان فصاعدا انتِ محرمة علي، لن المسك او اقترب منك حتى، وسوف يظل ما بيننا طي الكتمان حتى تمر عدة شهور وأطلقك...
صمتت ولم تقل شيئا، حاولت أن تتحدث، أن تقول اي شيء، لكنها لم تستطع، شعرت بأن لسانها انعقد داخل فمها، بأن هناك شيء اكبر واهم من ان تفصح عنه، فقررت السكوت...
عادت فرح الى الغرفة وهي تحمل الطعام، دلفت الى الداخل لتجد أدهم قد غط في نوم عميق، وضعت صينية الطعام على الطاولة واتجهت نحوه تتأمله عن قرب، رغبة قوية تولدت في داخلها بأن تلمس وجهه، لا تعرف لماذا ولم تفسر سببها، مدت يدها لتلمس وجهه لكنها تراجعت في اخر لحظة، شعرت بإحمرار شديد يغزو وجنتيها فأثرت الابتعاد عنه حتى لا يشعر بها...
جلست أمام الطاولة وبدأت تتناول الطعام بلا شهية فقد فقدت شهيتها فجأة...
تركت الطعام بعد لحظات واتجهت نحو السرير وتمددت بجانبه...
اغلقت الضوء واغمضت عينيها لتشهق بقوة وهي تشعر بحسده يحيط جسدها وشفتيه تقبل شفتيها، استجابت له لا اراديا وبادلته قبلته في بادئ الامر...
وبعد لحظات حررت نفسها من بين ذراعيه وابتعدت عنه بعدما منحته شغف اللحظة للحظات...
اعتدل ادهم في جلسته وفتح ضوء الغرفة ليجده مولية ظهرها اليه...
فرح، ماذا حدث؟!
سألها بتردد لتجيبه بجدية: لا شيء، انا فقط متعبة واريد النوم...
وبالفعل تمددت على السرير بنية النوم لتجده يقترب منها ويقبض على ذراعها قائلا: لن تنامي حتى تخبريني ماذا يحدث.؟! لماذا ترفضينني كلما اقتربت منك؟!
انتفضت من مكانها وقالت: سؤالك غريب يا ادهم، تتحدث وكأنك لا تعرف الجواب...
كلا لا اعرف...
رمته بنظرات ساخرة قبل ان تهتف به: ألست أنت من طلبت ان يكون هذا الزواج صوريا؟! ألست انت من رفضت ان تلمسني او تقترب مني؟! مالذي تغير الان؟! لماذا؟!
قالت كلمتها الاخيرة بصراخ لتتشنج ملامحه دون رد، هو نفسه لا يعلم سبب رغبته بها، لقد عاهد نفسه ألا يقترب منها او يلمسها طوال فترة زواجه منها، ولكن هناك شيء ما تغير، شيء لا يعرف ثمته...
في صباح اليوم التالي
كان أيهم يسير متجها نحو قاعة المحاضرات حينما لمح دارين تقف مع شاب يراه لأول مرة تضحك وتتحدث معه، اندلع الغضب في عروقه ووجد نفسه يتجه نحوها بملامح متحفزة، وقف بينهما وقال موجها حديثه لدارين التي انصدمت به امامها: اريد الحديث معك لوحدنا قليلا...
سارت خلفه بعدما استأذنت من الشاب الواقف معها، وقفت امامه لتجده يقول بلهجة عصبية: من هذا وكيف تقفين معه هكذا؟!
عفوا؟! ماذا تقصد؟!
سألته بعدم فهم ليرد بغضب: لا تتغابي الان علي، سألتك سؤال واضح، أجيبيني عليه...
بأي حق تسألني سؤال كهذا؟!
سألته بتعجب وغضب ليرد ببرود: هذا ليس موضوعنا، انتِ كنتِ تتحدثين مع هذا الشاب بطريقة مثيرة للانتباه وتضحكين معه بصوت عالي غير مبالية بنظرات الجميع حولك...
طريقتي انا مثيرة للانتباه، وطريقتك ماذا عنها؟!
دارين لا تستفزينني...
قالها بعصبية ونفاذ صبر لترد بجدية: انت لا يحق لك أن تسألي عن الشخص الذي كنت أتحدث معه!
بلى يحق لي..
قالها عنادا بها لترد بذقن مرفوع: ' لماذا؟! لماذا يحق لك شيئا كهذا؟!
لأنني أحبك...
تجمدت الكلمات على شفتيها، لم تستطع ان تنطق بحرف واحد، ولم تستوعب ما قاله حتى...
اما هو فإنصدم مما قاله، لم يتوقع نفسه ان ينطق بشيء كهذا، ان يعترف لها بشيء لم يستوعبه هو نفسه...
لكنه لن يراوغ ولن يتراجع...
نعم احبك، لذا فأنا يحق لي ان أسألك وأمنعك عن الحديث معه ايضا...
أيهم!
قالتها بنبرة مصدومة ليرد عليها بقوة: لا تحاولي ان تثبتي العكس...
وجدها ترفع ذقنها بشموخ عاليا وتهتف بقوة هي الاخرى: حتى لو كنت تحبني فهذا لا يعطيك الحق ان تتدخل بحياتي...
رماها بنظرات ساخرة لتزم شفتيها قبل ان تزفر أنفاسها بضيق وتركض بعيدا عنه هاربة منه ومن عشقه الذي تمكن منها...
استيقظت فرح صباحا لتجد الفراش خاليا بجانبها، لم تنم حتى ساعات الفجر الاولى فطوال الليل كانت تفكر بأدهم وبما حصل بينهما...
نهضت من فوق سريرها وغيرت ملابسها ثم خرجت من غرفتها واتجهت الى الطابق السفلي لتجد والدتها واخواتها يتناولن الفطور لوحدهن...
صباح الخير...
قالتها وهي تجلس على الكرسي الخاص بها ثم ما لبثت ان سألتهن: أين ابي وأدهم ومازن؟!
اجابتها ملك: أبي وادهم خرجا باكرا وذهبا لبيت جدي، ومازن في الحديقة...
ولكن ابي ما زال متعبا، كيف يخرج من المنزل؟!
اجابتها والدتها: حاولت ان امنعه لكنه عاندني...
اومأت فرح رأسها بتفهم بينما أخذت ملك تثرثر قائلة: لا تقلقوا عليه، صحته افضل الان، فرح انت ستبقين هنا عدة ايام اخرى، أليس كذلك؟!
اجابتها فرح بجدية: لا أعلم، لم اسأل أدهم بعد عن مدة بقائنا...
ابقي قليلا معنا...
قالتها ليلى التي كانت تلتزم الصمت طوال الوقت لتندهش فرح منها، لم تستوعب بعد ان اختها الصامته تحدثت اخيرا...
ابتلعت فرح صدمتها وقالت بنبرة عادية: حاضر، سوف أبقى لعدة ايام اخرى...
رن جرس الباب في هذه الاثناء فنهضت فرح من مكانها بعدما قالت لهن: أنا سأفتح الباب...
ثم اتجهت خارج المكان نحو الباب الخارجي لتجد ميرا امامها بعدما فتحت الباب..
ميرا، كيف حالك؟!
بخير...
اجابتها ميرا وهي تبتسم بتردد لتقول فرح بسرعة: هيا تفضلي...
دلفت ميرا الى الداخل تتبعها فرح، اتجهت نحو غرفة الطعام ليرحب الجميع بها، طلبت منها فرح ان تتناول الفطور معهن لكنها رفضت في بادئ الامر لتوافق اخيرت تحت الحاحهم...
بعدما انتهى الجميع من تناول فطورهم خرجت ميرا من غرفة الطعام واتجهت نحو الحديقة لتجد مازن هناك...
تأملته وهو يقف في منتصف الحديقة واضعا يديه في جيوب بنطاله ويتطلع نخو السماء الشديدة الزرقة...
سارت نحوه فشعر بها ليلتفت نحوها فيتفاجئ بها امامه...
ميرا، ماذا تفعلين هنا؟!
زمت شفتيها بعبوس مفتعل وقالت: ألم يسعدك وجودي هنا؟!
اجابها معتذرا بسرعة: بالتأكيد يسعدني، انا فقط تفاجئت...
ثم اردف بجدية: كيف حالك؟!
ابتسمت قائلة: بخير، وانت كيف حالك؟!
تنهد بصوت مسموع ثم قال: احاول ان اكون بخير...
مازن، لا تحمل نفسك فوق طاقتك...
قالتها بحرص شديد عليه وعلى صحته ليقول: ليت الجميع يفكر بي مثلك...
ابتسمت بخجل ثم قالت بعدها: تبدو مهموما للغاية، ماذا حدث الان؟!
اجابها: يعني وضع ليلى وطلاقها، مرض والدي، و ميري...
ما بها ميري؟!
سألته بضيق خفي ليرد بملل: هي لا تقدر وضعي وما أمر به...
كيف يعني؟!
سألته بحيرة ليرد موضحا عليها: تريد مني أن أتفرغ لها طوال الوقت، تضايقت كثيرا حينما لم اسافر اليها، اخبرتها بما حدث لكن هذا لم يشفع لي عندها...
ولكن عليها ان تتفهم وضعك وتقدره..
المفروض...
قالها مازن ساخرا لترد ميرا: لا تحزن نفسك لأجلها، لا يوجد شيء يستحق ان تحزن نفسك...
انا لست حزين لأجلها يا ميرا، انا حزين بسبب ما حدث مع ليلى وابي...
افهمك، ولكن ما حدث قد حدث، الحمد لله أن عمي ااصبح بخير، وليلى سوف تتحسن قريبا...
اتمنى هذا...
قالها مازن بامل لتبتسم ميرا له بحنان وتقول: لا تقلق يا مازن، كل شيء سيصبح بخير، صدقني...
تأملها مازن قليلا بنبرة صوتها اللطيفة وملامحها الناعمة ليبتسم اخيرا براحة قبل ان يشكرها بامتنان: اشكرك ميرا، اشكرك كثيرا...
يتبع...