رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الرابع عشر


ليلى جدي يريد رؤيتك...
كانت هذه كلمات ملك المقتضبة التي ألقتها في وجه ليلى قبل ان تخرج من غرفتها لتنهض ليلى من فوق سريرها وتتجه بسرعة نحو الخزانة لتغير بيجامتها...
ارتدت ملابسها ورفعت شعرها عاليا ثم خرجت من غرفتها وسارعت في الذهاب الى جدها الذي كان ينتظرها في صالة الجلوس...
دلفت الى صالة الجلوس واتجهت نحو الجد الذي استقبلها بإبتسامة وقبلت يده ثم جلست بجانبها وقالت: اهلا بك جدي...

ربت الجد على كفي يديها وقال: اهلا بك حبيبتي، كيف حالك؟!
اجابته بنبرة واهنة: بخيرر...
تأملها الجد قليلا، كان التعب واضحا عليها...
اسمعيني يا ليلى، اعلم أن ما حدث معك وما مررت به لم يكن سهلا على الاطلاق...
اومأت برأسها دون ان ترد ليردف بجدية: ولكن انا أثق بحفيدتي، أثق بقوتها وقدرتها على تجاوز كل هذا والبدأ من جديد...

ابتسمت بضعف وقالت: اتمنى هذا يا جدي...
ليلى ابنتى، انتِ اقوى من مشكلة كهذه...
هزت رأسها عدة مرات وقد بدأت الدموع تتجمع داخل عينيها...
ابكي يا ابنتي، ابكي وارتاحي...

هطلت دموعها من عينيها بسرعة وكأنها كانت تنتظر ان يطلب احد منها أن تبكي، بدأت شهقاتها تظهر بوضوح ليحتضنها الجد بسرعة ويربت على ظهرها...
توقفت عن بكائها وأخذت تمسح دموعها باطراف أناملها وهي تتحدث بنبرة مجروحة: لقد تعرضت لجرح وإهانة كبيرتين يا جدي...
شعر الجد بالألم والضعف أمام دموع حفيدته، هو لا يستطيع أن يفعل شيئا لها الان...
انسي يا ابنتي، انسي كل ما مررت به...

ثم اردف بتوعد: وذلك الحقير سأتصرف معه على طريقتي...
لا تفعل له شيئا يا جدي...
هل ما زلت تحبينه؟!
قالها الجد مذهولا مما يسمعه منها من رفض ان يؤذي جابر لتبتسم بتهكم قبل ان تقول بمرارة: احبه، وهل رجل مثله يستحق الحب يا جدي؟!
كلا يا ابنتي، بالتأكيد لا...

حل الصمت المطبق بينهما قبل ان يقول الجد: ماذا قررت الان؟! ماذا ستفعلين.؟!
اجابته بضياع حقيقي: لا اعرف، هل تصدقني لو قلت لك أنني لا اعرف ماذا سأفعل؟!
فكري يا صغيرتي، انتِ بحاجة لأن تفعلي الكثير من الأشياء التي قد تساعدك في تخطي ما حدث...
سألته ليلى بحيرة: مثل ماذا.؟!

اجابها بعد تفكير: ما رأيك أن تعملي؟! العمل سيساعدك في تخطي ما حدث ونسيانه...
وماذا سأعمل؟!
صمت لوهلة يفكر في عمل مناسب لها ثم ما لبث ان اجابها: تعالي اعملي في المزرعة...
وماذا سأعمل بها.؟!
تتابعين العمال وتراقبينهم، وغير ذلك من اعمال الحسابات...

تمتمت بحيرة: اخاف ألا أنجح بأعمال كهذه يا جدي، أنا درست العلوم، دراستي تختلف عما تطلبه مني...
ستنجحين يا ابنتي، ثقي بي...
دب الحماس فجأة فيها فقالت بلهفة: حسنا، انا موافقة...
جيد، متى تريدين ان تبدئي في عملك؟!

لا اعلم، أخاف ان يتحدث الناس عني بسوء اذا بدأت العمل خلال فترة عدتي...
قالت جملتها الأخيرة بنبرة حزينة وقد عادت الذكريات السوداء تتدفق اليها...
ومنذ متى ونحن يهمنا كلام الناس؟! ستعملين متى ما تريدين...
حقا؟!
سألته بترقب ليومأ برأسه قبل ان يحتضنها ويطبع قبلة على جبينها...
فكري وبلغيني، متى تريدين ان تبدئي العمل..
حاضر...
انا سأذهب الان...

نهض من مكانه متكئا على عكازته لتقول ليلى بسرعة: ابقى معنا على الغداء يا جدي...
لا استطيع يا ابنتي، لدي ضيوف مهمين سيأتون على الغداء...
سار الجد خارج من صالة الجلوس تتبعه ليلى حتى أوصلته الى الباب الخارجي للمنزل وودعته...

مساءا...
دلف أدهم الى غرفة النوم ليجد فرح تقف أمام النافذة مولية ظهرها له...
ما ان شعرت بوجوده حتى التفتت نحوه تتأمله قليلا قبل ان تقول بسخرية: قل مساء الخير على الاقل...

مساء الخير...
قالها باقتضاب وهو يخرج هاتفه من جيبه ويعبث به...
وقفت أمامه بعد لحظات وهي متخصرة تراقبه بنظرات مشتعلة ليرفع وجهه نحوه يطالعها بنظرات جامدة قبل ان يهتف ببرود: هل توجد مشكلة ما؟!
اجابته بنبرة هازئة: انا من يجب ان يسأل سؤال كهذا...

ماذا يحدث يا فرح؟! لماذا تتحدثين معي بهذا الشكل؟!
ضغطت على شفتيها بقوة قبل ان تجيب بصوت جاهدة ليخرج هادئ: اسأل نفسك، لقد خرجت منذ الصباح الباكر، دون ان تخبرني حتى...
قاطعها بسرعة: خرجت مع والدك، لم أخرج مع شخص غريب...
حتى لو، انت تتصرف معي بطريقة غريبة، كأنك لا ترغب بالحديث معي، او الاقتراب مني...

أليس هذا ما كنا عليه قبل ان نأتي الى هنا؟! ألم تكن هذه طريقة تعاملنا مع بعضنا؟!
ابتلعت غصتها داخل حلقها وشعور كبير بالإهانة سيطر عليها، لقد جرحها بكلماته تلك...
صحيح، معك حق...
قالتها بنبرة متهزهزة قبل ان تتجه نحو الجانب الااخر من السرير وترمي بجسدها فوقه...
ثم وضعت الغطاء على جسدها و أعطته ظهرها وأغمضت عينيها...
التفت أدهم نحوها وقال فجأة: فرح، انا لم اقصد شيئا سيئا مما قلته...

ابتسمت مع نفسها بسخرية بينما أكمل هو بجدية: لا تفهمي كلامك بشكل خاطئ، انا فقط لا اريد ان اضعك في موقف محرج مثلما حدث البارحة...
اعتدلت فجأة في جلستها وقالت: اذا اهنئك، لقد احرجتني وبشدة...
تطلع اليها قليلا قبل ان يهتف فجأة: تصبحين جميلة للغاية حينما تغضبين...
اتسعت عيناها بدهشة مما يقوله لتهتف بعدم تصديق: هل هذا وقت مزاحك يا ادهم، انا اتحدث بجدية معك...
قال ادهم ببساطة: وانا أتحدث بجدية معك...

رمته بنظرات قاتلة قبل ان تعاود النوم في جهتها...
ليتمدد هو بدوره على الجهة المخصصة له ويغمض عينيه بنية النوم...
بعد لحظات قليلة تحدثت فرح قائلة: ادهم...
نعم...
هل غفيت؟!'
لو كنت غفيت ما كنت لأجيبك الان، أم أنني احدثك مباشرة من حلمي الثاني..
سخيف...
ماذا قلت ِ؟!

ردت: قلت كم إنك رجل فكاهي دمك خفيف...
ابتسم في داخله قبل ان يهتف بها: ماذا كنت تريدين؟!
اجابته: كنت أريد إخبارك بأنني سأبقى هنا لعدة ايام اخرى، ليلى تريدني أن أبقى معها..
لا يعرف لماذا ازعجه ما قالته، ولم يجد تفسيرا له..
وجد نفسه يقول عل مضض: كما تريدين...
ادهم...
نعم...
قالها ثم اردف بتذمر: ألن ننام اليوم؟!
هل أحببت من قبل؟!

كان سؤالها مفاجئا وغير متوقعها لكنه اجابها عليه بصراحة مطلقة: كلا، لم أحب ابدا من قبل...
ابتسمت براحة وهي تفكر بأن قلبه لم ينشغل يوما بأي أمرأة...
اغمضت عيناها وقد ارادت ان تريح عقلها من التفكير قليلا...
لكنه سألها هو بدوره: وماذا عنك.؟! هل احببت من قبل؟!
هزت رأسها نفيا وقالت: كلا، لم احب اي احد من قبل...
لماذا.؟!

اجابته: ربما لأنني لم أجد الشخص المناسب والذي يستحق ان احبه...
التفت بوجهه نحوها لتلتفت بوجهها هي الاخرى فتتقابل عيناها بعينيه، ابتسمت بخجل بينما أخذ هو يتأمل عينيها الساحرتين بعمق...
ظلا هكذا لفترة طويلة حتى غرق الاثنان في نوم عميق، وكلاهما يفكر بالأخر، ويرى الاخر من منظور مختلف عما سبق ورأه فيه...

في منزل كاظم زهران...
دلف كاظم الى المنزل ليجد والدته تجلس في صالة الجلوس تتابع التلفاز...
اتجه نحوها لترفع رأسها نحوه وتتأمله بقلق، كان يبدو متعبا ويحمل ثقل الدنيا كله فوق رأسه...
جلس بجانبها ملتزما الصمت لتقول له: كيف حالك يا بني؟! هل انت بخير؟!
اجابها بعد تنهيدة ثقيلة: لست بخير يا امي، انا متعب للغاية...
ماذا حدث يا بني.؟!
سألته بقلق شديد ليجيبها كاذبا: مشاكل في العمل...

ربتت على كف يده بحنو بالغ قبل ان تهتف به: لا بأس يا بني، العمل هكذا لا ينتهي، ما رأيك أن تأخذ لستراحة قصيرة منه.؟! اذهب وسافر مع زوجتك، انتما لم تقضيا شعر عسل سويا بعد...
وكأنها سكبت جرحا فوق الملح، ها هي تذكره من جديد بسبب خذلانه وتعاسته، تلك المسماة زوجته...
هي السبب في كل شيء، لقد خدعته، جرحته، طعنته بالصميم...
شعرت والدته به فقالت بتردد: هل حدث شيء سيء بينكما؟! هل انتما متخاصمان.؟!
اجابها نافيا بسرعة ما قالته: كلا، نحن بأفضل حال...
اذا ماذا حدث؟!

اجابها: كما اخبرتك، مجرد مشاكل في العمل لا غير...
ثم نهض من مكانه وقال: انا سأذهب لأستريح قليلا قبل العشاء...
حسنا يا بني، اذهب وارتاح قليلا، انت تعمل منذ الصباح، كان الله في عونك...
اتجه نحو غرفته وهو يدعو الله ان لا يراها فهو لا يريد رؤيتها الان...

ولكن لسوء حظه ما ان فتح الباب حتى وجدها في وجهه، ابعد انظاره بسرعة عنها واتجه نحو السرير ليجلس عليه بعدما اخرج هاتفه وأخذ يعبث به...
تنحنت الاء مصدرة صوتا يدل على وجودها ليرفع بصره نحوها على مضض ويسألها بعدما وقفت امامه: ماذا تريدين.؟!
اجابته بجديةة: أريد الحديث معك...
ماذا هناك؟!
اجابته بتساؤل متردد: متى سنسافر الى المدينة من اجل الشركة؟!
لن نسافر الى هناك...
ماذا؟!

صرخت بعدم تصديق قبل ان تقول: ولكنك قلت لي بأننا سنسافر سويا الى هناك..
رد عليها ببرود قاتل: الان تغير كل شيء، انا لن اسافر الى هناك، وانت لن تسافري ايضا...
ثم اردف بحزم: كلها عدة أشهر ونتطلق، وحينها ستعودين الى هناك والى الابد...
اغاظتها كلماته تلك فقالت بإنفعال: انت تمزح بكل تأكيد، العمل لا يوجد به مزاح يا كاظم، هذا عملي ولا استطيع ان اتركه اكثر من الان..

لا ترفعي صوتك..
هتف بها بصرامة لتبتلع ريقها بتوتر قبل ان ينهض من مكانه ويقول: بأي حق تحاسبينني على وعودي لك بينما انتِ نقضتِ جميع العهود التي بيننا؟!
أنا، متى نقضت ما بيننا؟!
رد عليها: كذبك علي، خداعك لي، ألا يعتبر من العهود التي نقضت بيننا؟!
أجابته بنبرة متقطعة: انا لم اقصد، صدقني...
قاطعها بحدة: لا اريد ان اسمع منك اي شيء، انت لن تذهبي الى المدينة، واذا ذهبتِ الى هناك اجبارا عني فإعتبري نفسك طالق...
ضغطت على شفتيها بقوة ورفعت أنفها عاليا وهي تجاهد حتى لا تبكي امامه...

يتبع...

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك