رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل السابع عشر


بعد مرور ثلاث اسابيع...
اوقف أيهم سيارته أمام مبنى الجامعةة، هبط منها بسرعة واتجه بخطوات راكضة نحو قاعة المحاضرات، تنفس الصعداء حينما وصل في الوقت المناسب لبدء المحاضرة، وكالعادة ما ان دلف الى هناك حتى بدأ يبحث بعينيه عنها لكنه لم يجدها...
ألقى محاضرته للطلاب بينما باله مشغول فيها...

لماذا لم تأتِ؟! فهي ليست معتادة على ضرب مخاضرته تحديدا، حاول أن ينفض تلك الأفكار بعيدا عن رأسه وأن يركز في شرح محاضرته، لا يعرف كيف مر الوقت عليه وانتهت المحاضرة ليلملم اغراضه بسرعة قياسية ويخرج من القاعة متجها نحو مكتبه...
ما ان وصل الى مكتبه حتى اخرج هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالا سريعا بها، لقد سبق وأخذ منها رقم هاتفها، لكنها لم ترد عليه، زفر أنفاسه بضيق وهو يجلس على مكتبه ورغما عنه يفكر بها وبسبب عدم حضورها، هل هي مريضة؟!

تسرب القلق إليه وهو يفكر بأنها مريضة او تعاني من أمر سيء...
فكر في سؤال إحدى صديقاتها لكنه تراجع في اخر لحظة...
رنين هاتفه بإسمه جعل الدم يتدفق في عروقه اخيرا...
حمل الهاتف مسرعا وأجابها بلهفة ظهرت خلال صوته: دارين، أين أنتِ؟!
جاءه صوتها الناعس تقول: اسفة، لقد كنت مريضة قليلا ولم أستطع المجيء...
تنهد براحة وقال متسائلا: هل أنتِ بخير الان؟!

أجابته محاولة طمأنته: الحمد لله بخيرر، مجرد انفلاونزا خفيفة...
هل ذهبتِ الى الطبيب.؟!
اجابته كاذبة: نعم ذهبت البارحة...
ثم اردفت محاولة أن تغييى الموضوع: أنت كيف حالك؟! ماذا تفعل؟!
أجابها وهو يعبث بقلمه: انا بخير، لقد شرحت محاضرتي وخرجت، وها انا أجلس لا أفعل اي شيء...
صمت لوهلة قبل ان يكمل: اشتقت لكِ...
أيهم...

قالتها بخجل ظهر جليا في صوتها ليبتسم بسعادة ويقول بحب: ماذا؟! أليست هذه الحقيقة؟! أنا أشتاق لكِ طوال الوقت...
سأغلق الهاتف الان، فلدي دروس كثيرة يجب أن أذاكرها...
اذا احتجتي أي شيء أخبريني، سأساعدك أنا في فهمه...
حاضر...
اغلق أيهم الهاتف معها ووهو يبتسم بسعادة جلية، سعادة لن تدوم...

اغلقت دارين الهاتف مع أيمن وهي تتنهد بألم، هاهي تكذب عليه من جديد، تخبره أنها مريضة بينما سبب غيابها هو تأخرها في عملها ليلة أمس، الى متى ستستمر في كذبها هذا.؟! وماذا سيحدث حينما يعلم أيهم الحقيقة؟! هل سيتقبلها؟! هل سيغفر لها؟!
لقد خدعته وكذبت عليه؟! وهو بالطبع لن يغفر...

مسحت وجهها بباطن كفيها قبل ان ترمي اللحاف بعيدا عنها وتنهض من فوق سريرها وتسير داخل غرفة نومها الراقية بقميص نومها الشفاف، لقد حصلت على هذه الشقة الراقية كهدية على تطورها وكفائتها في عملها...
صحيح أنها لم تعد تعمل في عروض الازياء الداخلية لكنها كانت تعمل في الماضي وهذا ما يهم...
افاقت من افكارها تلك على صوت رنين هاتفها فوجدت مديرها في العمل يتصل بها...
دارين، أين أنتِ يا فتاة.؟! اتصلت بك ولكن هاتفك كان مشغولا...

اجابته دارين بإعتذار: اسفة، لقد كنت أتحدث مع صديقتي...
قاطعها بسرعةة: المهم اسمعيني جيدا، سوف يأتي لك شاب بعد قليل، اسمه نوفل، انه سيكون مدير أعمالك من الان فصاعدا...
مدير أعمالي؟!
قالتها متعجبة ليكمل مديرها بتأكيد: نعم مدير أعمالك، جميع عارضات الأزياء الراقيات لديهن مدير أعمال خاص بهن، وأنت لا تقلين عن أي واحدة منهن...
ولكن...
قاطعها مرة أخرى: لا يوجد لكن، هيا جهزي نفسك لإستقباله، سيكون عندك بعد دقائق...
اغلقت دارين الهاتف مع مديرها وهي تشعر بعدم الراحة لكل ما يجري من حولها...

كان أدهم يمارس عمله المعتاد حينما رن هاتفه ليجد أسم فرح يتصل به...
انتفض قلبه لا اراديا وهو يرى إسمها يضيء الشاشة...
لقد اشتاق لها حقا، اشتاق لها بشدة، فهي غائبة عنه منذ ثلاث اسابيع...
أجاب على الهاتف ليأتيه صوتها المرح قائلا: صباح الخير سيد أدهم، كيف حالك؟!
ابتسم بغبطة وهو يجيبها: صباح الورد سيدة فرح، انا بخير، وماذا عنكِ؟!
أجابته فرح وهي بالكاد تكتم ضحكاتها: بخير، ماذا تفعل.؟!
أجابها وهو يتراجع الى الخلف في جلسته: أعمل كالعادة...
ثم أكمل متسائلا: متى ستعودين.؟!

شعرت فرح بسعادة خفية أنه يهتم بها ويريد عودتها فقالت له بخبث: هل تريد عودتي بهذه السرعة؟!
في داخله نعم كان يريد عودتها بشدة لكنه رد عليها كاذبا: انتِ يجب أن تعودي يا فرح، فليس من المنطقي أن تسافرين ثلاثة أسابيع عند أهلك وانتِ ما زلت عروس جديدة...
شعرت فرح بأن أدهم معه كل الحق فيما قاله، فالناس سيتحدثون عنها كثيرا بل إنهم يتحدثون منذ الان...

سأعود غدا...
قالتهت بحسم ليشعر أدهم براحة غريبة فهو أخيرا سيراها بعد غياب طويل...
ما اخبار عائلتك؟! وماذا عن ليلى؟! كيف أصبحت؟!
اجابته فرح: الجميع بخير، ليلى أفضل بكثير، لقد بدأت العمل منذ فترة طويلة وحالتها تتحسن بسرعةة، حتى إنها باتت تضحك وتمرح كثيرا...
جيد، هذا رائع...
انت ما أخبارك؟! وكيف هي أحوال عمي وعمتي واخوانك..
جميعهم بخير...
الحمد لله...

اردفت فرح: سأذهب الان، هل تريد مني شيئا أخر.؟!
صمت أدهم قليلا قبل ان يقول فجأة بنبرة صادقة: لقد اشتقت لك كثيرا...
توترت فرح لا اراديا وقد ظهر التوتر جليا في صوتها ليقول أدهم منهيا الحوار: مع السلامة يا فرح، أراكِ غدا...
ثم اغلق الهاتف وهو يفكر بأمر زوجته وكيف باتت تشكل خطرا غريبا عليه وعلى قلبه...

اغلقت فرح الهاتف مع أدهم وقد إحمرت وجنتاها خجلا بشدة، لقد قال لها إنه يشتاق لها، لا تصدق ما سمعته، أدهم الهاشمي يشتاق لها...
احتضنت الهاتف بيدها وودت لو تضعه بين أضلعها، أفاقت من شرودها على صوت الباب يفتح وملك تدلف الى الداخل لتتأمل وجه أختها الاحمر المتوتر بحيرة قبل ان تهتف بسرعةة: فرح، ماذا حدث.؟!

ارتبكت فرح وظهر الارتباك واضحا عليها لترفع ملك حاجبها قائلة بخبث: ماذا يحدث هنا بالضبط؟!
هزت فرح رأسها نفيا عدة مرات كمن امسكوه بالجرم المشهود لتقهقه ملك عاليا وهي تضع كف يدها على جبينها وتسألها: ماذا يحدث معك بالضبط يا فتاة.؟! لماذا تبدين كطماطم ناضجة.؟!

ضربتها فرح مبعدة يدها عن جبينها وقالت بسرعةة: اصمتي يا ملك، لست بفاضية لك و لمشاغباتك...
ثم خرجت من غرفتها وسارت متجهة نحو الطابق السفلي حينما أوقفها صوت مازن وهو يتحدث مع صديقته قائلا: ارجوكِ افهميني، وضع والدي الصحي لا يسمح لي بالحديث معه في الوقت الحالي...

ثم اكمل بعد صمت قصير: حاولي فقط أن تفهمينني مرة واحدة في حياتك، افهميني من فضلك...
ازداد صوته ارتفاعا: ساتحدث معه ولكن ليس الان...
كان يبدو عليه الغضب ونفاذ الصبر وهو يقول لها: لا تتحدثي عن أهلي بهذا الشكل، هل فهمت؟!
ثم بعصبية جامحة: فلتذهبي الى الجحيم...
تحركت فرح مسرعة بعيدا عن الغرفة حتى لا يراها مازن، اتجهت نحو الطابق السفلي وتحديدا عند صالة الجلوس لتجد مازن يخرج بعد لحظات من المنزل ويبدو عليه الغضب...

وقف أدهم أمام باب شقة شيرين، ضغط على جرس الباب لتفتح شيرين له الباب بعد لحظات وهي تبتسم بترحيب...
بادلها ابتسامتها وهو يتقدم الى الداخل، جلس في صالة الجلوس بينما اتجهت شيرين لتعد القهوة له...
عادت شيرين بالقهوة ووضعتها أمامه ليشكرها بصمت ويبدأ في تناولها بشرود...
شعرت شيرين بشروده فسألته: ما بك؟! تبدو شاردا...
وضع أدهم كوب قهوته على الطاولة ثم قال بجدية: متعب قليلا...
ماذا حدث.؟!

سألته بقلق ليرد بجدية: فرح...
ما بها فرح.؟!
صمت أدهم ولم يعرف كيف يعبر عما يجول في خاطره، لأول مرة يجد نفسه عاجزا عن التعبير عن شيء يخصه...
تحدث اخيرا بنبرة هادئة صادقةة: اشتاق لها كثيرا...
كان اعترافا صريحا منه، نعم هو يشتاقها، يفكر بها طوال الثلاث اسابيع الفائتة، يشعر انه بحاجة لوجودها، دون أن يفهم سبب حاجته هذه وشعوره الغريب نحوها...
هل تحبها؟!

سألته شيرين بما يخشى قوله ليرد بسرعة واستنكار: مستحيل...
اذا لماذا تشتاق لها.؟!
حملق بها بحيرة شديدة، هو رجل لا يعترف بالحب، ولا يؤمن بوجوده، لكنه يعترف بالاشتياق، الشوق الجارف نحو شخص ما...
لا توجد اجابه لديك...
كانت شيرين صريحة للغاية معه فهي تعرفه وتحفظه عن ظهر قلب...

تطلع اليها بنظرات تائهة محتارة، كمن يجد نفسه عاجزا عن التفوه بحرف واحد حتى...
أما هي فأكملت بنبرة سلسلة عادية: الحيرة التي في عينيك تخبرني بأنك تحمل الكثير نحوها...
الكثير.!
قالها متعجبا لتومأ برأسها وتكمل: نعم الكثير من المشاعر المضطربة...
انا لا احبها، الموضوع لا علاقة له بالحب، صدقيني، انا فقط أشتاق اليها، كمثل إشتياقي لك او لأخي او لصديقي...
ممكن ايضا، في النهاية أنت تعرف نفسك أكثر مني...
اومأ أدهم برأسه وهو يحاول أن يبعد تلك الأفكار من رأسه...

خرج مازن من منزله وهو يكاد لا يرى أمامه من شدة غضبه، انها تضغط عليه بقوة، تستفزه وتستغل حبه نحوها...
وقف امام باب المنزل يدخن سيجارته وهو يفكر بأمرها، إلام تريد أن تصل؟! لماذا لا احد يفهمه؟! الجميع يقف ضده...
شعر بخطوات تقترب منه فوجدها أخته فرح تسير نحوه وهي تبتسم بحب...
وقفت بجانبه وقالت: ليس من عادتك التدخين...

رمى سيجارته ارضا ودعسها بحذاءه دون ان ينطق بحرف واحد او يلتفت نحوها حتى...
سألته بقلق واضح: ما بك يا مازن.؟! تبدو متعبا للغاية...
التوردى فمه بإبتسامة باردة قبل ان يهتف بجمود: ميري كالعادة...
ما بها؟!
سألته وكأنها لا تعرف شيئا ليرد بغضب مكتوم: تتهمني بأنني لم أعد اريدها كوني لم اتزوجها بعد...

لم تعرف فرح ماذا يجب أن تقول، فهي تعلم أن ميري أيضا معها حق، ولكن مازن لا ذنب له بما يحدث...
هو لا يستطيع أن يفعل اي شيء دون اذن والده...
سألته فجأة: مازن، هل تحبها حقا؟!
أجابها بثقةة: أحبها للغاية...
شعرت فرح بالشفقة لأجله، فمازن يحب ميري، ولا ذنب له بديانتها او جنسيتها...
سوف تتزوجها، طالما تحبها ستتزوجها...

لا تعرف اذا ما كانت تقنعه أم تقنع نفسها، اما هو فإبتسم بخذلان كمن فقد امله بأن يحصل على مراده...
مازن، لا تفقد الامل ارجوك، اسمعني جيدا، سأتحدث أنا مع والدي..
قالتها محاولة بث الأمل فيه إلا أنه قاطعها بسرعة: إياكِ، أبي ما زال في فترة نقاهة ولا يجب أن نغضبه...
اومأت فرح برأسها متفهمة فهي تفهم مازن ومقدار خوفه على صحة والده، ولكنها تشعر بالألم لأجله ولأجل معاناته المستمرة...

كانت ليلى تعمل في المزرعة كما اعتادت ان تفعل منذ ثلاثة اسابيع...
كانت تعمل كثيرا فهي قد وجدت في العمل ملاذها الذي ساعدها كثيرا في تخطي ما مرت به وتناسيه...
ربما هي لم تنس بعد ولن تنسى لكنها على الاقل بدأت تتخطى ما حدث، والتخطي بداية النسيان...
كانت تسير داخل الاراضي الزراعية وهي تراقب العمال...

وفي اثناء سيرها اقتربت منها سيارة سوداء عالية هبط منها شاب يرتدي نظارة شمسية وتقدم نحوها بخطوات مترفعة...
ثم ما لبث ان سألها قائلا: هل هذه مزرعة السيد ابراهيم زهران؟!
اومأت ليلى برأسها واجابته: نعم هي، تفضل...
تحدث الشاب بجدية: انا المهندس الجديد المسؤول عن المزرعة، لقد عينني السيد ابراهيم هنا لتنظيم المزرعة ومراقبتها..
ردت ليلى بشيء من العصبية: ولكن انا هنا المسؤولة عن المزرعة، لقد عينني جدي بها لأجل ذلك...

خلع الشاب نظارته الشمسية وقال بنبرة ساخرة وهو يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها: أنتِ، أنتِ المسؤولة عن ادارة هذه المزرعة؟!
وضعت ليلى يديها حول خصرها وقالت: نعم انا، هل لديك مانع؟!
طالما انتِ المسؤولة هنا، ما عملي انا اذا؟!
قالها مشيرا لنفسه لتقول ليلى ببرود: والله إسأل نفسك..
وهمت بالتحرك من أمامه لكنه أوقفها قائلا: حسنا انتظري، هل لكِ أن تدليني على منزل السيد ابراهيم لأتحدث معه.؟

اجابته بنظرات مترفعة: ابحث انت عن منزله، انا لست فاضية لأدلك عليه...
لكنه كان مصرا على هذا: اسمعيني يا انسه، انا جديد هنا في القرية، وحقا لا اعرف أحد، فمن فضلك لا داعي للعناد، دليني على منزله...
قالت ليلى بعناد: لا استطيع، لدي عمل...
توعد لها بنظراته وهو يقول: كما تريدين، سأسأل احد الموجودين واطلب منه أن يدلني عليه، ولكن ضعي في عقلك أنكِ أنتِ من بدأتي، وانت سوف تتحملين ما يحدث...

رفعت حاجبها وقالت: هل هذا تهديد؟!
اومأ برأسه وأجاب: اعتبريه ما تشائين...
ثم رحل تاركا اياها تتابعه بنظرات قلقة فرغما عنها شعرت بأن طرقهما لن تفترق بشكل نهائي وان هناك لقاء قريب سيجمعهما...
وبالفعل في اقل من ساعة كان الشاب يعود ولكن ليس لوحده بل معه احد العاملين في قصر جدها يخبرها بأن جدها يطلب رؤيتها...
تلعثمت ليلى لا اراديا وسارت بخطوات متعثرة نحو السيارة، ازداد انزعاجها حينما وجدت أنها ستضطر إلى الركوب في سيارة هذا المتسكع ليقلها الى منزل جدها...

ركبت ليلى في المقعد الخلفي والتزمت الصمت الى ان وصل بها الى منزل جدها...
قفزت من السيارة بسرعة واتجهت نحو منزل جدها...
استقبلتها الخادمة بالترحاب الشديد ثم ما لبثت ان اشارت لها نحو احدى الغرف تخبرها عن وجود جدها فيها، وجدت ليلى ان ذلك الشاب قد تبعها بالفعل...
دلفت ليلى الى الغرفة والقت التحية على جدها ليقول جدها مرحبا بها: اجلسي يا ليلى هنا...

قالها الجد وهو يشير نحو احد الكراسي ثم ما لبث ان اشار للشاب: وانت اجلس هنا...
جلس ليلى والشاب على كرسيين مقابلين لبعضيهما...
تطلعت ليلى الى جدها الذي عرف عن الشاب قائلا: ليلى انه شاهين، المهندس الجديد المسؤول عن المزرعة...
قلبت ليلى بصرها بين الاثنين قبل ان تقول: وماذا عني يا جدي؟! ألست أنا المسؤولة عن مزرعتك.؟!
نعم كذلك انتِ، سوف تتساعدان انتِ وشاهين في ادراتها...

قالت ليلى بضيق واضح: ولكن انا لست بحاجة ليساعدني احد في إدارتها...
شعر الجد بالإحراج من طريقة حديثها ولم يفهم متى أصبحت حفيدته لاذعة الى هذا الحد فقال مبررا: هذا ما سيحدث يا ليلى، انتِ وحدكِ لن تستطعين على عمل المزرعة الكثير والمجهد، لهذا سوف يكون شاهين معك...

ابتسم شاهين بغموض بينما هزت ليلى رأسها متفهمة على مضض قبل ان تنهض من مكانها وتقول: كما تريد يا جدي...
ثم تحركت خارج الغرفة دون ان تستأذن جدها حتى لتشعر بذلك الشاب يتبعها وهو يهتف بإسمها...
التفتت نحوه وهي تكاد تنفجر في وجهه لتجده يقول لها: تعالي معي، سنذهب سويا الى المزرعة...
انا لن اركب معك...

قالتها بحدة ليبتسم ساخرا قبل ان يقول بعناد: اذا لم تركبِ معي فإنني سوف أخبر جدك بهذا...
رمته بنظرات كارهة قبل ان تتحرك خارج منزل جدها تاركا اياه يتابعها بذهول فكيف لفتاة ريفية مثلها ان تكون قوية وجريئة لهذا الحد...

وقفت ميرا أمام المرأة تتأمل ثوبها الطويل بملامح متضايقة، كانت ترتدي فستانا احمرا طويلا يصل حتى كاحلها مع حذاء ذو كعب عالي، ترفع شعرها الاحمر الطويل عاليا وتضع المكياج الخفيف على وجهها...
فتحت باب غرقتها ودلفت والدتها الى الداخل واقتربت منها واحتضنتها من الخلف قائلة بحب: تبدين رائعة صغيرتي...

التفتت نحو والدتها وقالت بترجي: ماما لا اريد ان اخرج، أرجوكِ...
الا ان الام قالت بعناد: ستخرجين وترينه وتتحدثين معه، وبعدها تقررين...
رمقت ميرا والدتها بنظرات مستائة لتقرصها والدتها من وجنتها وتقول بدلال: صغيرتي لا تعاندي كثيرا، اخرجي وقابليه، صدقيني لن تندمي.!
تطلعت ميرا اليها بعدم اقتناع لتسحبها والدتها من ذراعها وتتجه بها خارج الغرفة وهي تهتف بحماس: هيا يا ميرا، هيا يا عزيزتي، عريسك في الخارج ينتظرك...

خرجت ميرا بالفعل تتبع والدتها، وصلت الى صالة الجلوس لتجد العريس يجلس ويتحدث مع والدتها...
ألقت التحية عليه بإستيحاء وجلست بجانب والدتها...
أخذت ترمقه بنظرات خجولة وهي منبهرة به وبوسامته...
لأول مرة تنتبه لهذا الشيء، لكنه حقا كان وسيما...

أبعدت تلك الأفكار عن رأسها خاصة بعدما طلب منها والدها أن تأخذه وتريه الحديقة المحيطة بمنزلهم...
نهضت ميرا من مكانها وسارت امامه متجهة به نحو الحديقة...
خرج الاثنان من المنزل لتقول ميرا وهي تشير الى حديقة منزلهم الواسعة ؛
هذه حديقتنا، انها تحيط بالمنزل من جميع الاتجاهات...
انها رائعة...

قالها بنبرة ودودة وهي يتمعن النظر اليها لتحمر وجنتاها خجلا فيردف: وانتِ أيضا اكثر من رائعة...
حاولت ميرا تغيير الموضوع فقالت متسائلةة: ما اخبار عملك.؟!
أجابها بجدية: جيد للغاية، يسير على نحو رائع...
ابتسمت له وقالت: جيد...
وأنتِ ما أخبار جامعتك؟!
تنهدت بصوت مسموع ثم قالت: جيدة...
ميرا، أنتِ تعرفين لماذا أنا هنا أليس كذلك؟!

اومأت ميرا برأسها بالرغم من الخجل الكبير الظاهر عليها ليكمل هو بجرئة: في الحقيقة أنا اعجبت بك منذ وقت طويل، منذ أول مرة رأيتك بها قبل عامين، جذبتي انتباهي بشدة لذا قررت أن اخطبك من والدك، أعلم أنك ما زلت صغيرة لكنني خفت من أن يسرقك أحد مني...
ابتلعت ميرا ريقها بتوتر بالغ ولم تعرف ماذا تقول ليكمل هو بدوره: هل أنتِ موافقة؟!

تطلعت اليه ميرا بنظرات تائهة ليكمل: اتمنى ان توافقي، صدقيني أنا سأسعدك كثيرا...
واخيرا نطقت ميرا بحيرة: انا لا اعرف ماذا اقول لك، ولكنني بحاجة الى التفكير كثيرا قبل اتخاذ اي قرار...
اومأت برأسه متفهما وقال بإصرار يلمع داخل عينيه: وأنا سأنتظر منك جوابا، ولن ارتاح أو يهدأ لي بال حتى توافقي علي...

كانت تفكر به كثيرا، أكثر مما تتصور، اخر ما خطر على بالها ان يشغل رجل تفكيرها يوما، منذ وقت طويل قد عاهدت نفسها على عدم التفكير بالرجال او وضعهم في بالها، حتى جاء هو، برجولته وعنفوانه، جذب انظارها وسيطر عليها وعلى تفكيرها...
تنهدت الاء بألم وهي تفكر بأنها وضعت في خانة العاهرة بنظره، نعم فهو بالتأكيد سيفكر بها هكذا ولن يصدق بأنها اغتصبت...

ارتجف جسدها وهي تتذكر ما حدث وكيف تجاوزت كل هذا بعد سنين طويلة، لقد قطعت شوطا كبيرا حتى تجاوزت حقيقة اغتصابها، فلماذا عادت تفكر بها وتؤنب نفسها بسببها، مسحت دمعة خائنة تسللت من عينها بعنف، نهضت من فوق فراشها الوثير وتقدمت نحو المراة تتطلع الى وجهها الفاتن من خلالها...
شعرت بالباب يُفتح وكاظم يدخل الى الغرفة فقد حل المساء وجاء وقت عودته وهي غارقة بأفكارها...

التفتت نحوه تتأمله وهو يخلع سترته ويرميها على السرير ثم يخرج بيجامته من الخزانة...
كان يتجه الى الحمام حينما قالت: السلام لله...
رماها بنظرات باردة قبل ان يسير نحو الحمام لكنها ركضت خلفه ووقفت بوجهه تطالعه بنظرات متأملة قبل ان تهتف بحدة لا تناسب ألمها: انتِ لا يحق لكَ أن تتجاهلني بهذا الشكل...
ماذا تريدين يا الاء؟!

قالها بصوته الرخيم لتجيبه بجدية: أريد أن نتحدث، أن تسمعني، أن اشرح لك كل شيء...
وهل تظنين بأنني سأصدق كلامك؟!
صرخت به: ولما لا؟!
رد ببساطة: لأنكِ الاء يا الاء...

ثم تحرك متجها الى الحمام تاركا اياها تتابعه بقلب ممزق، جلست على السرير تحتضن جسدها بذراعيها وتبكي، كانت المرة الاولى التي تبكي بسببه، ويبدو انها لن تكون الاخيرة...
اما كاظم فدلف الى الحمام واغلق الباب خلفه بعنف، اخذ يلعن نفسه والساعة التي تزوجها بها، بأي حق تطلب منه أن يسمعها؟! وكيف سيصدقها وهي كذبت عليه من الأول؟!

شعر بأنه تورط حقا معها وبأنه يتحمل ما هو فوق طاقته، تسائل داخل نفسه لما عليه أن يدفع ثمن كل ما يحدث.؟! لما عليه ان يتحمل كل هذا.؟!
خرج بعد لحظات من الحمام دون ان يستحم، اقترب منها وقال: انهضي وغيري ملابسك...
ماذا حدث؟!
ليجيبها ببرود: سنذهب الى المدينة، سوف تبقين في منزل اهلك حتى يمر الشهران اللذان بقيا وأطلقك!

خرج أدهم من منزل شيرين بعدما قضا وقتا طويلا بصحبتها...
تحدثا سويا وتناولا طعام العشاء...
لطالما كانت شيرين مستمعة جيدة له...
تسمعه وتتقبل كل شكواه...
تساعده بعض الاحيان في حيرته...
تجد له الحلول حينما يكون عاجزا عن ايجادها...

علاقة معقدة وغريبة من نوعها لكنها يرتاح معها، يرتاح حينما يستمع لحديثها وحينما يساعدها...
القى نظرة خاطفة على منزلها و تنهد بصمت قبل ان يتجه نحو سيارته ويجلس في مقعد السائق...
رنين هاتفه أخرجه من أفكاره ليجد كارول صديقته تتصل به...
أجابها فوجدها تترجاه ان يزورها في منزلها فهي تشتاق اليه كثيرا...
اغلق الهاتف معها وتوجه اليها...

وصل الى هناك...
استقبلته بالأحضان والقبلات بشكل فاجئه شخصيا...
حاول ابعاده عنه قائلا: كارول اهدئي قليلا...
لفت ذراعها حول ذراعه وقال بشوق ولهفة: اشتقت اليك أدهم، اشتقت اليك كثيرا...
ثم اتجهت به نحو صالة الجلوس، جلست بجانبه وبدأت تعبث بأزرار قميصه وهي تهتف: أخبرني عنك، كيف حالك؟!
ابتلع أدهم ريقه وقد سيطر التوتر عليه ثم نهض فجأة من مكانه وقال دون ان يجيبها على سؤالها: أنا ذاهب...
وقفت هي بدورها وقالت بترجي: ارجوك لا تذهب...

ثم شددت من احتضانه وهي تهتف: اشتقت اليك، اشتقت لأحضانك ولرائحتك...
توتر جسد ادهم كليا فهو لم يلمس إمراة او يقترب من إمراة منذ زواجه من فرح...
حاول ابعادها عنه مرار لكنها كانا مصرة على ما تريده ليجد نفسه ينساق وراءها نحو غرفة النوم...

يتبع.....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك