في أولالأسبوع التالي، اتفق عبد الرحمن أن يتقابل مع علياء في الكلية..
وعندما تقابلا لم تمتلك علياء دهشتها.. فقد كان يرتدي بدلة واختلف تمامًا عن "الشيخ عبد الرحمن" الذي قابلها أول مرة..
عبد الرحمن(مبتسما):
-السلام عليكم.
علياء(بدهشة):
-لم أكن أعلم أن الشيوخ ترتدي تلك الملابس.
عبد الرحمن(ضاحكًا وهو يمسك ياقته):
-حسنًا.. لقد نسيت أن أغسل الجلباب.
يقطع الضحك بسؤال):
-حسنًا.. أين مكتب يوسف؟
-إنه لا يظهر من تلك الجهة، سنتجول قليلًا وسيظهر.
- حسنًا.. هيَّا بنا.
بعد قليل.. قالت علياء:
-إنه هناك (وتشير بيدها على نافذة إحدى المكاتب).
- حسنًا.. سأذهب لأرى ما وضعه يوسف وراء الساعة وسنتقابل اليوم.
- تمام.. سنتفق على الهاتف، وكن حذِرًا فلن يقبلوا أن يدخل أحدهم مكتب الدكتور بسهولة خاصة بعد وفاته.
- لا تقلقي (وينصرف).
في نفس اليوم تجلس علياء تجلس مع عبد الرحمنفي أحد المقاهي، تسأله علياء:
-إذن، كيف دخلت المكتب؟
- ببساطة أقنعت موظف الأمن الذي اعترضني، أنني الدكتور عبد الرحمن وأحل محل الدكتور يوسف -رحمه الله-.
- ألم يشك بك أحد أو يطلب إثبات شخصية؟
عبد الرحمن(مبتسمًا):
-ومن يطلب إثبات شخصية من دكتور؟
وأكمل ضاحكًا):
-أرىأن البدلة قد آتت بنتائج كبيرة.
- وماذا وجدت في الخزنة؟
عبد الرحمن(بتعجب):
-أيَّة خزنة؟.. لا يوجد خزنة.
- لقد توقعت أنها خزنة مختفية خلف ساعة الحائط.
عبد الرحمن(وهو يخرج السواك):
-حسنًا لقد كانت ساعة حائط حقًا.. ولكن ملصق بها من الخلف ورقة..
علياء(مقاطعة باندفاع ):
-إذا كان ملتصق بها جواب.. أين هو؟
- اصبري قليلًا.. إنه لم يكن جواب، إنه قِصَّة.. قصاصة ورق بها قصة.
-!!!!!!
- سأقرأه عليك(يخرج الورقة ويفتحها):
"جانب من كتاب كليلة ودمنة..
هو كتاب رائع به الكثير من القصص وقد احتال الفرس أعوام كثيرة ليأخذوا نسخة منه من الهند..
قد أعجبتني إحدى قصصه وأتمنىأن أشارككم بها..
"قال دمنةٌ: زَعَموا أن غَديرًا كانَ فيهِ ثَلاثُ سَمَكاتٍ: كَيَّسَةٌ وأكيَسُ مِنها وعاجِزَةٌ؛ وكان ذلكَ الغَديرُ بِنَجوَةٍ من الأرضِ لا يَكادُ يَقرَبهُ أحدٌ وبِقُربِهِ نَهرٌ جارٍ. فاتَفَقَ أنَّه اجتازَ بذلكَ النَّهرِ صَيادان؛ فأبصَرا الغديرَ، فَتَواعدا أن يَرجِعا إِليهِ بِشِباكِهِما فَيَصيدا ما فيهِ من السمكِ.
فَسَمِعَ السَّمكاتُ قَولَهُما؛ فأمّا أكيَسُهُنَّ لَمّا سَمِعَت قَولَهُما، وارتابَت بِهِما، وتَخَوَّفَت مِنهُما؛ فَلَم تَعرُج على شيءٍ حتى خَرَجَت مِن الَمكانِ الَّذي يَدخُلُ فيهِ الماءُ مِن النهرِ إلى الغديرِ.
وأما الكَيِّسَةُ فإنها مَكَثَت مَكانَها حتى جاءَ الصيادان؛ فَلَمّا رأتهُما، وعَرَفَت ما يُريدان، ذَهَبَت لِتَخرُجَ مِن حَيثُ يَدخُلُ الماءُ؛ فإذا بِهِما قَد سَدّا ذلك المكانِ فحينئذٍ قالت: فَرَّطتُ، وهذه عاقِبةُ التَفريطِ؛ فَكيفَ الحيلةُ على هذهِ الحالِ. وقَلَّما تَنجَحُ حِيلَةُ العَجَلةِ والإرهاقِ ، غَيرَ أنَّ العاقلَ لا يَقنِطُ من منافعَ الرأي، ولا يَيئَسُ على حالٍ، ولا يَدَعُ الرأيَ والجهدَ. ثُمَّ إنِّها تَماوَتَت فَطَفت على وَجهِ الماءِ مُنقَلِبَةٍ على ظَهرِها تارَةً، وتارَةً على بَطنِها؛ فأخَذَها الصيادان فَوَضعاها على الأرضِ بَينَ النهرِ والغديرِ؛ فَوَثَبَت إلى النهرِ فَنَجَت. وأمّا العَاجِزَةُ فَما تَزَلْ في إِقبالٍ وإِدبارٍ حَتّى صِيدَت"
أعجبتني هذه القصة.. والكيس من يفهم.. "
يقاطعهما أحد العاملين في المقهى ليسألهما على ما يطلبانه.. فيطلب قهوة وتطلب هي عصيرًا على عجل فهي تريد أن تعرف باقي الرسالة.
يستكمل "عبد الرحمن" قراءة:
"فلكل نهر ثنية تغير مجراه.. ولكل جواب كلمة تبين معناه.. ولكل منافق ذلة تكشف نواياه
إمضاء ميت"
نظر عبد الرحمن لوجه علياء ليرى تعليقها.. وقد رأى الذهول باديًا على وجهها ولم تتكلم).
- ما تعليقك؟
- تعليقي على ماذا؟ إنها قصة عادية وقد قرأتها بالفعل في كتاب كليلة ودمنة منذ فترة
عبد الرحمن(وهو يمد يده ليعطيها الورقة): انظري بها لعل بها إحدى الخدع التي لا أعرفها.
علياء(وهي تنظر بها):
-حسنًا.. إنني أراها عادية.
عبد الرحمن(بهدوء):
-عادية!! ما العادي في أن رجلًا ميتًا وهناك شُبهة في موته قد أرسل إلينا رسالتين منفصلتين لكي نستطيع أن نحل شفرة في جوابه لنصل بها إلى مكتبه ونأخذ قصاصة ورق.. فنجد أن تلك الورقة بها قِصة عن أسماك؟
- لم أقصد عادية بهذا المعني، إنني أقصد أنها غير ما توقعت لا يوجد أي مما يجذب النظر.. باستثناء الجملة الأخيرة والتي أجدها نصيحة لا يو...
رنين هاتف علياء يقاطع كلامها)..تستأذن من عبد الرحمن لتجد أن أمها هي المتصلة.
بعدما تغلق الهاتف يسألها عبد الرحمن:
-هل تظنين أن هذا الطرد منه أيضًا؟
- بالطبع..
-إذن، سأذهب معك.. وانتظر حين استلام الطرد لنرى ما فيه سويًا.. هل أخبرتكِ والدتك هل هي رسالة أخرى أم طرد؟
-إن شركة "السهم الذهبي" تتمسك بإجراءات الأمان لأقصى حد، فلا يمكن لأحد سوى المستلم أن يرى الطرد.
-حسنًا.. هل اقتربنا؟
-لقد وصلنا تقريبًا.. انتظرني أنت هنا.
عندما دخلت علياء المنزل، استقبلتها والدتها قائلة:
-استلمي هذا الطرد وادخلي معي.. أريدكِ.
علياء(بعد استلام الطرد والتوقيع وما إلى آخره):
-ماذا هناك يا أمي؟
-ما قصة هذه الطرود؟
-إن الأمر يا أمي..
الأم(مقاطِعة):
-إياك والكذب عليَّ.. إنكِ لم تفلحي قَط في ذلك.. حتى عندما أخبرتِني بذهابك لصديقتك كنت أعلم كذبك، ولكني انتظرت حتى تصارحيني ككل مرة.. ولكنك لم تصارحيني.
-يا أمي إن الموضوع كبير حقًا.. أوعدكأنني سوف أشرح لك الليلة، ولكن اسمحي لي..
-لا خروج قبل أن تشرحي لي.. وافتحي هذا المظروف لأرى ما فيه.
-يا أمي حقًا لا يجب أن تري..
- افتحِه الآن.
-تفتحه وتعطي الجواب الذي بداخله لأمها.
الأم تقرأ في صمت ثم تتسع عيناها وتصرخ في علياء قائلة):
-اتصلي بعبد الرحمن فليحضر الآن.
علياء(بدهشة):
-أتعرفين عبد الرحمن؟
الأم(بحزم):
-فقط نفِّذي ما أطلبه منكِ.
تتصل به علياء فيأتي من أول الشارع يقف على الباب ويرفض الدخول.. ولكن والدة عليا أصرت..الأم(بحزم):
-سوف أتكلم الآن.. كل ما أقول هو واجب التنفيذ.. ولن يقاطعني أحد..
والتفت لتوجه الكلام لعبد الرحمن):
-انظر أيها الشيخ أنا لا أعلمك، ولكني أعلم ما قرأت، ابتعد عن ابنتي فورًا..
إن حياتكما معرضتان للقتل طالما بقيتما سويًا وأيا كان ما تفعلانه فهو خطر ولن أسمح لك أن تتسبب في مقتل ابنتي..
ردَّت علياء:
-أظنكِ تفهمين الموضوع بطريقة خطأ.
الأم(وهي تسلّمها الرسالة):
-إذن فسِّري لي.
تأخذ علياء الجواب وتقرأ ويرتسم على وجهها الذهول).
يتدخل عبد الرحمن في كلامهما قائلًا:
-أريدأن أفهم.
علياء(تقرأ بصوت مرتجف):
"إن وجودكما أصبح مشكلة، اختفيا من التقارير التي تورد إليَّ.. وإلا تكونان في تقرير المشرحة اليوم التالي..
لن تتقابلا أو تتصلا ببعضكما وبالطبع لن تبلِّغا الشرطة..
ويا عبد الرحمن إن كنت صديق المرحوم وتريد أن تعرف السِّرَ لماذا تأخذ تلك المسكينة معك.. فهي ليست من الذكاء أو المعرفة بالدكتور لكي تستعين بها.. اتركا هذا الأمر.. أظنني قد أوضحت وجهة نظري و..."
وهنا اضطربت كلمات علياء وهي تقول: "الكيس من يفهم".
تكاد ترى علامات الاستفهام فوق رأس كل منهما، فعلياء تتساءل عن من هددهما، وكيف عرف تلك الجملة؟
وهل أخطأت حينما سارت في ذلك الأمر من البداية؟
وكيف ستتعامل مع والدتها بعد ذلك الطرد؟
وعبد الرحمن يتساءل عن كيفية معرفة أحد غيرهما بهذه الجملة؟
ومن يكون؟
وكيف يقنع علياء أن تترك له الأمر؟
أما الأم فقد غابت عنها كل الأسئلةإلا سؤال واحد.. من يريد أن يؤذي بنتها؟
يتبع....