هل من المجدي الذهاب الى المدرسة؟
توماس ألفا أديسون، "المخترع الأعظم على مرّ الأزمنة"، تعلّم في المدرسة ثلاثة أشهر فقط، عندما كان في سنّ السّابعة، بعدها طُرد من هناك عندما قرّر المدرّسون أنه ليس هناك أي احتمال في أن يستوعب هذا الطالب الموادّ التدريسيّة!
ما هو سرّ نجاح أديسون؟
مزيج من الطموح القويّ والراسخ، الثقة الهائلة بالنفس، وقبل كلّ شيء – فضوله الذي لم يعرف الشبع، وخيال تكنولوجيّ عبقريّ.
ما الذي دفع به إلى الأمام؟
هناك من يعتقد أن اختراعاته هدفت إلى تحسين مستوى الحياة البشرية عبر الأدوات التكنولوجية، وهناك من يرى أن الربح المالي كان محرّكه (بالطبع من المحتمل أن يكون كلا الدّافعين قد حرّكاه). لكن، يمكن من خلال أمور هو ذاته صرّح بها ذات مرّة حول عمله أن نعرف عن مواقفه الشخصية في كلّ ما يتعلق بالاختراعات: كسب أديسون مبلغ 4 ملايين دولار (وهو مبلغ يُعتبر ثروة في تلك الفترة) مقابل اختراع نظام إضاءة كهربائي، لكنه في وقت لاحق، خسر كل هذه الأموال، عندما فشل في تطوير طريقة لتكرير الحديد الخامّ. عندما تبيّن له أنّه خسر كلّ ماله، قال: "حسناً، ذهبت الأموال، لكن الطريقة التي خسرت بها كل هذا المال كانت متعة حقيقيّة!"
سجّل أديسون لصالحه أكثر من ألف اختراع، لكنّ أهمّها هو الفونوغراف (الحاكي الفونغراف، القرص الدوّار) ومصباح التوهّج الكهربائيّ.
وماذا كانت طريقة عمله؟
في البداية كان يختار مشكلة يعتبر أنها مهمّة من جهة (مثل "صنع" الضوء، تسجيل وتشغيل أصوات ثانيةً، إنشاء صور متحرّكة – أفلام)، ومن جهة أخرى تُعتبر مشكلة يمكن إيجاد حل تكنولوجي لها.
بعد ذلك كان يتعلّم كلّ ما يستطيع عن الخلفية العلميّة للموضوع، وفي النهاية كان يستخدم خياله العظيم ليخترع حلولاً تكنولوجيّة، كان يخضعها لاحقاً لاختبارات صارمة في مختبر التطوير الخاصّ به، أو كان يستعمل أسلوب نيكولا تيسلا (Nikola Tesla)، وهو مساعده اللامع (الذي بات فيما بعد عالماً متميًزاً بذاته وبفضل قدراته ومنافساً لأديسون)، الذي أطلق عليه اسم "تجربة الإبرة في كومة القشّ"، مثلاً: عنما بحث أديسون عن مادة لسلك مصباح التوهّج – وهو سلك ينبغي به أن يتحمّل درجات عالية جداً من دون أن يحترق، يذوب أو يتبخّر – فقد جرّب، بكلّ بساطة، جميع المواد الممكنة، حتى وصل في النهاية إلى مبتغاه (الفحم).
لكنّ لأديسون ميزة أخرى يتّسم بها العلماء والمخترعون الكبار: القدرة على تمييز تلك الأمور المثيرة للاهتمام التي نصادفها بشكل عرَضي، والقدرة على سبر غور "الأخطاء الجيّدة".
كان اكتشاف أديسون الأكثر أهميّة الذي وُلد بهذه الطريقة هو "تأثير أديسون"، الذي عُرف لاحقاً باسم "الانبعاث الثرميوني" (الثرميون هو الجزيء الكهربائي المنبعث من جسم مسخَّن).
في أحد الأيام، عندما كان أديسون غارقاً في عمله على المصباح الكهربائي، لاحظ فجأةً وجود "قوة خفية" تجسّدت بتيار كهربائي مرّ داخل المصباح، من القطب الكهربائي الساخن إلى القطب الكهربائي البارد.
هذا الاكتشاف، الذي شغل بعد مرور بعض السنوات علماء آخرين، كان بمثابة حجر الأساس لـ"الأنبوب الإلكتروني" electron tube، وبالتالي أساس الصناعة الإلكترونية كلها، بما في ذلك جهاز التلفزيون.
هناك اختراع آخر كان من نصيب أديسون، لكن ليس عن جدارة تامّة، هو السينما "الصور المتحرّكة" - motion pictures. صحيح أنّ الخطوات الهامة والحاسمة نحو هذا الاختراع حدثت في مختبره، لكن لم يكن أديسون هو مَن قام بها وإنّما شخص إنجليزي يُدعى وليم ديكسون.
إضافة إلى ذلك، أخطأ أديسون في هذا الشّأن خطأ فادحاً: أصرّ بعناد على أنّ السينما سوف تكون مربحة فقط في حال نظر الزبون الفضوليّ بنفسه ووحده عبر عدسة "المنظار السينمائيّ" (viewer)، وعليه أن يدفع كلّ مرّة من جديد مقابل مشاهدته عبر العدسة.
لكنّ "اختراع" أديسون الأعظم ربّما يكون المختبر الصناعي الذي اشتمل على كل المعدّات اللازمة لتطوير الاختراعات، وهو مختبر أنشأه عندما كان يبلغ من العمر 29 عاماً فقط. بعد مرور عشرات السنين على ذلك، أنشأت الشركات مختبرات لها وفقاً لهذا النموذج، وجهّزتها بأرقى التجهيزات، وجلبوا خيرة العلماء والمهنيين للعمل فيها: علماء الرياضيات، علماء الفيزياء النظريّة والمهندسون الصناعيّون.
كان لأديسون ستة أولاد، من امرأتين، لكن على ما يبدو لم يكن لديه متسع من الوقت لهم. أحدهم، على الأقلّ، سلك طريقاً مختلفاً تماماً عن والده وأصبح سياسيّاً ناجحاً جداً.
هل يمكن الاستنتاج من ذلك أنّه لا توجد علاقة قويّة تربط بين النجاح واهتمام الوالد (كما هي الحال مع ابن أديسون)، أو بين النجاح والتعليم الرسميّ (كما هي الحال مع أديسون نفسه)؟