هل كان للكون بداية أم انه كان موجوداً دائماً؟
إنه بكل تأكيد أحد الأسئلة الأساسيّة والمثيرة للفضول التي يحاول العِلمُ أن يجيب عنها. إذا كان الكون موجوداً دائماً، فليست هناك حاجةٌ لعمليّة الخلق، وبالتالي ليست هناك حاجةٌ لوجود خالق. لكن، بالنسبة لمعظم البشر، اللانهائيّة أمرٌ مخيف، أشبه ما يكون بالنظر إلى داخل حفرة لا قعرَ لها. وبالفعل، نجدُ أسطورة الخلق في جميع الحضارات، وكثيرٌ منها يتنبأ، أيضاً، بنهاية العالَم. بالطبع، لو كانت للكون بداية، فهذا لا يقدّم دليلاً على أنّ "شخصاً ما" بدأه، في الحقيقة، هناك عُلماء ينفرون جداً من فكرة الخالق، لدرجة أنهم يحاولون جاهدين إيجاد طريقةٍ يمكن أن يكون الكون قد ظهر من خلالها "بشكلٍ عفويّ" من العدم.
حتى عام 1929، ِاعتقد معظم العلماء أنّ الكون كان موجوداً دائماً، وإلى حدٍّ ما، بشكله الذي نعرفه اليوم، وسيبقى على الشكل نفسه دائماً - أطلق العلماء على هذا الاعتقاد اسم "نموذج الوضع الثابث". صحيحٌ أنّ لكلّ كوكبٍ على حدةٍ، بل حتّى للمجرّات، هناك دورات ولادة، نشوء وموت، لكنّ الصورة بشكلها العامّ تبقى ثابتة.
عام 1929، أعلنَ إدوين هابل اكتشافه الكبير: كلّ المجرّات التي نراها تبتعدُ عنا (وعن بعضها البعض) بسرعةٍ ذات تناسب طرديٍّ مع بُعدها عنا، بكلمات أخرى: الكون آخذٌ في الامتداد. إنّ هذا الإعلان، ورغم أنّه لم يتسبّب بانهيار البورصة، كان له وقع القنبلة على عالَم العِلم.
تُشير حساباتٌ أُجريَت في السابق إلى أنّ كلّ المجرّات، كما يبدو، بدأت حركتها من نقطةٍ واحدةٍ صغيرة بشكلٍ مدهش في مساحة الفضاء - الزمن قبل نحو 10 - 20 مليار سنة، أثناء "الانفجار الكبير". إذا كان ذلك صحيحاً، وكان للكون بدايةٌ فعلاً، فهل ستكون له نهاية ؟
قوّة الجاذبيّة تُبطئ من تمدّد الكون. إذا كانت هناك كميّة مواد كافية في الكون، فإنّ التمدّد سيتوقف في النهاية، وستحوّل حركة المجرّات اتّجاهها، ليتوقّف التمدّد بعد ذلك بـ"الانسحاق الكبير"، في حال عدم حدوث ذلك، فسيستمرّ التمدّد إلى الأبد.
هل يحتوي الكون على ما يكفي من الموادّ لأجل كبح التمدّد؟ نحن لا نزال لا نعلم ذلك، إلا أن ما نعلمه هو أن الكون يحتوي على مادة بكميات كافية تقريباً، ويعمل علماء الفلك جاهدين في محاولة لإيجاد القيمة الدقيقة، لكي نعرف إلى أين سيؤول مصيرنا. (معظمنا بالطبع لن نكون موجودين هنا عند حدوث "الانسحاق الكبير"، في حال حدوثه، لأنّه سيحدث بعد نحو مائة مليار سنة فقط).
كان هابل، أيّام المدرسة، يهتمّ بالألعاب الرياضيّة أكثر من اهتمامه بدروسه.
في حفل اختتام التخرّج، أعلنَ مدير المدرسة قائلاً: "لم أركَ يوماً تدرس عشر دقائق متواصلة!"، وبعد لحظة من الصّمت المُريب، أضاف: "ولكن تفضّل منحتك التعليميّة إلى جامعة شيكاغو!"
بعد ذلك، درس هابل المحاماة في أوكسفورد بمساعدة منحة رودس، حصل على إجازة في القانون، وحتّى أنّه عمل على مضض في المحاماةِ مدّة سنةٍ ونصف. لكنّه بعد ذلك قرّر أن حياته ليست حياة إذا خلت من انشغاله بعِلم الفلك. فعاد إلى مقاعد التّعليم، ونال لقب Ph.D، ليبدأ حياةً مهنيّةً هزّت العالم (أو لعلّها هزّت الكوْن؟).
في أحد الأيام، قيلَ لامرأةٍ شابّة عن هابل إنّه "يريد أن يعرف كلّ شيءٍ عن الكون؛ يُبيّن ذلك كم هو صغير السنّ"، ثم تزوّجته لاحقاً...
في أعقاب اكتشافاته الكبيرة عام 1929، التي أجراها بمساعدة التليسكوب الأكبر حجماً في ذلك الوقت (يحتوي على مرآة قُطرها 100 إنش)، نجح هابل في بناء تليسكوب بحجمٍ أكبر (قطرُه 200 إنش).
حسب هابل، إننا بمساعدة تليسكوبٍ من هذا النوع "ربّما نستطيع أن نمسكَ ما نحنُ بالكاد نستطيع لمسَه اليومَ بأصابعنا... إنّنا نرجوا أن نكتشف شيئاً غير متوقّع".
التليسكوب الذي قُطره 200 إنش هو اليومَ (عام 2008) الأكبر حجماً في العالم، وبالفعل تمّ التوصّل، بواسطته، إلى عدّة اكتشافات غير متوقّعة بالمرّة.
عام 1990، بعد نحو 40 عاماً على وفاته، حصل هابل من وكالة الفضاء الأمريكيّة NASA على أجمل وأكثر هديّةٍ مثيرةٍ للمشاعر، حيثُ أطلقَ اسمه على تليسكوب الفضاء الذي أرسِلَ إلى خارج الغلاف الجويّ.