قصة ألكسندر غراهام بيل

منذ #قصص عالمية

ماذا لو تمّ اختراع الهاتف اليوم؟

تخيّلوا ماذا كان سيحدث لو تم اختراع الفاكس قبل أكثر من قرن، في حين تم البدء في استعمال الهاتف في يومنا هذا فقط. هل يمكنكم تصور مدى الإثارة التي كان سيسبّبها هذا الأمر؟ إن الجهاز "الجديد" يتيح لنا سماع صوت الشخص الآخر والتكلم معه في "الزمن الحقيقي!" يمكن الافتراض أن الجهاز "الجديد"، الهاتف، كان سيلقي حالا بالجهاز "القديم"، الفاكس، في سلة المهملات.

نحن نبالغ طبعاً، لكنّ "ثورة الهاتف" غيّرت بالفعل وجه المجتمع ونمط الحياة بما لا يقلّ عمّا فعلته السيارة، التي تم اختراعها بعد الهاتف بحوالي عشرين عاماً.

لا يوجد خلاف في أنّ الهاتف كان اختراعاً وانتصاراً شخصياً لألكسندر بيل، الذي سجّل براءة اختراعه هذا في عام 1976. نحن نشدّد على أنه في يومنا هذا لا يوجد خلاف حول ذلك، لكن في بداية الطريق كان هناك خلاف: الشركة العملاقة "ويسترن يونيون تلغراف"

Western Union Telegraph) شككت في كون الاختراع من نصيب ألكسندر بيل.

في الجلسة القانونية حول هذا الموضوع فاز بيل، وتم إطلاق شركة الهواتف "بيل تلفون" (Bell Telephone).

لم تكن تلك مصادفة أن يكون ألكسندر بيل بالذات وليس أي شخص آخر هو مَن اخترع الهاتف. لقد كان جدّه ووالده من روّاد مجال الكلمة المكتوبة، تعليم النطق وتصحيح الكلام، وعائلة بيل أهّلت ألكسندر وكذلك أخويه جيداً لمواصلة طريق والدهم.

عندما كان عمر ألكسندر 23 عاماً، توفيّ أخواه بداء السل، ولأجل إنقاذه، انتقلت العائلة إلى كندا. منذ ذلك الحين عمل ألكسندر بيل في الولايات المتحدة، ولكنه كان يتردد على زيارة أهله في كندا من حين إلى آخر.

لقد حظي بالشهرة لأول مرة عندما نجح في تطبيق طريقة قام والده بتطويرها لتعليم الكلام للصمّ ("الكلام المرئيّ"). استمرّ موضوع النطق والصمّ في إشغاله وإشغال خياله الخصب طوال حياته، حتى إنّه تزوّج من امرأة صمّاء.

لم تكن فكرة نقل الكلام الى مسافات بعيدة جديدة على بيل. منذ عام 1627 وصف فرانسيس باكون (Francis Bacon)، في حلمه المثالي "أتلانتيس الجديدة"، هذه الفكرة. الصوت نفسه لا ينتقل لمسافات بعيدة، حتى ليس داخل السماعة. لذلك يجب "حمله" بواسطة شيء يستطيع الانتقال مسافات كهذه. في فترة بيل كانت الكهرباء هي المرشحة البارزة لأداء هذه المهمّة، مهمّة نقل الصوت.

كل ما كان على بيل أن يفعله هو إيجاد طرق لتحويل موجات الضغط الهوائيّ التي تشكّل الصوت - إلى موجات كهربائيّة، وبعد ذلك إعادة تحويل هذه الموجات إلى موجات صوتية من جديد في الطرف الآخر من السلك. بكلمات أخرى، كان عليه أن يخترع الميكرفون ومكبّر الصوت.

الميكرفون ومكبّر الصوت

مكبّر الصوت الذي اخترعه بيل كان يشبه في بنيته مكبّرات الصوت التي نستخدمها اليوم، أيضاً: تيّار كهربائيّ متغيّر يهزّ نواة حديدية Core متصلة بغشاء داخل لولب يلتفّ حول هذه النواة. (هذا هو في الأساس المبدأ الذي تعمل وفقاً له المحرّكات الكهربائيّة). إنّ اهتزاز الغشاء يولّد موجات صوتيّة في الهواء.

في المقابل، شكّل الميكرفون مشكلة أكبر. جرّب بيل العملية العكسيّة: الصوت يهزّ الغشاء، وهو بدوره يحرك المغناطيس داخل سلك معدني ويولد فيه تياراً. (هذا هو في الأساس المبدأ الذي يعمل وفقاً له الدينامو والمولّد الكهربائيّ). كانت مشكلة بيل أنّ ميكرفوناً من هذا النوع يولد تيارات ضعيفة جداً، لم يكن بوسعها تشغيل مكبّر الصّوت.

لم تكن تتوافر في تلك الأيّام وسائل لتقوية التيّار الكهربائيّ. لكنّ كان بيل محظوظاً، فقد وجد بالصدفة طريقة أفضل: أن يؤدي إلى جعل الصوت يرتفع وينخفض (تفاوت) عن طريق مقاومة السلك المعدني الذي يمر التيار من خلاله، المحرَّك بقوّة البطارية. وقد نجح بذلك عندما غمر السلك المعدني في محلول موصل للتيار وبواسطة الغشاء الذي يتحرك بواسطة الصوت، الذي رفع السلك المعدني وغمره، وبذلك بدّل من مقاومته. عندما جرّب هذه التقنية لأوّل مرة، نجح في مناداة مساعده واطسون Watson، عن بعد بضع غرف.

واطسون نفسه وصف لاحقاً الموقف بقوله: "دُهشتُ عندما سمعت صوت بيل على الفور تقريباً.. يقول بوضوح "سيّد واطسون، تعال إلى هنا، أنا بحاجة إليك!".. ركضت على طول الرواق، حتى وصلت إلى غرفته، ورأيت أن حمض البطارية مسكوب على ثيابه. مع ذلك فإنه كان في غاية السعادة لنجاح المُرسِل الجديد، حتى إنه نسيَ تلك المشكلة بتاتاً!

من الجدير ذكره أنّ بيل جرّب ناقلاً آخر للصوت لمسافات بعيدة: الضوء. وقد سجّل براءة اختراع وبنى "الفوتوفون"، الذي كان مبنياً على أساس انعكاس أشعّة الشمس بواسطة مرآة يهزّها الصوت. لكن هذه الطريقة لم تطبّق أبداً على نطاق عمليّ. اليوم بالذات يتمّ استعمال الألياف البصرية، التي بمقدورها حمل الضوء إلى آلاف من الكيلومترات وعبر الزوايا والمنعطفات، ولذلك فهي تستعمل أكثر فأكثر لنقل إشارات هاتفية وغيرها. الناقل الوحيد الذي يتمّ استعماله على نطاق واسع، في أيامنا هذه، والذي لم يستطع بيل بطبيعة الحال استعماله في زمنه هو الراديو. لأنه عندما تم اكتشاف موجات الراديو كان بيل نفسه منشغلاً بأمور أخرى.

سجّل بيل، خلال حياته، ما لا يقلّ عن 14 براءة اختراع في مجال الهاتف والتلغراف، 4 في مجال الفوتوفون، 5 في مجال المركبات الهوائيّة (قامت زوجته بتأسيس "جمعيّة التجارب الهوائيّة"، وهي المنظمة الأولى في العالم التي أسّستها وموّلتها امرأة) و4 في مجال القوارب المائيّة، التي تبحر على سطح الماء (مثلاً: التزلج على المياه) بسرعات عالية.

في عام 1919 حقق أحد قواربه رقماً قياسياً، عندما وصلت سرعته إلى 112 كيلومتراً في السّاعة.

بالإضافة إلى كل أشغاله هذه وجد بيل الوقت لكي يقيم ويمول مختبر أبحاث، والذي نجح في تطوير أجهزة لتسجيل الصوت، وكذلك في إنشاء الهيئة التي تدعى اليوم باسم "جمعية الصم على اسم ألكسندر بيل". وكان التخليد الأفضل لألكسندر بيل من خلال إصدار مجلة "ناشيونال جيوغرافيك National Geographic" التي تصدر حتى يومنا هذا في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، والتي تحظى بنجاح هائل في جميع أنحاء العالم. هذه المجلة هي نتاج حماس بيل الكبير، لهفته وحبه للعالم وعجائبه، الأمر الذي تجلى بطريقته في إدارة "شركة ناشيونال جيوغرافيك". في هذا الإطار عيّن بيل جيلبرت جروبنور Grosvenor، صهره المستقبلي، كرئيس تحرير للمجلة، شجعه وأرشده لتحقيق التحدي العلمي العجيب الذي أخذه على عاتقه.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك