قصة صاحب الجنتين

منذ #قصص دينية

من أكثر القصص التي اشتملت على قيم الشكر أو الكفر بالنعمة التي أنعم بها الله عزوجل على عباده قصة صاحب الجنتين ، والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم بسورة الكهف ، وقد قدمها الله عزوجل لنا في كتابة الكريم مثلًا للعظة والعبرة حين قال : {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا*كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا} سورة الكهف (32،33) ، وقد ذكرها الله تعالى لنا لتثبيت قلوب المؤمنين وإثابتهم على الشكر والحمد لله أو عقابهم على الغرور والجحود بنعمه جل جلاله .وفي تلك القصة وجهتين نظر مختلفتين للحياة ، وما فيها من رزق متفاوت بين الناس ، فقد خلق الله تعالى الغنى والفقر لحكمة ربانيّة ، فنجد أن أحداثها تدور بين رجلان ؛ رجل مؤمٌن فقيٌر ، لم يعطه الله مالًا كثيرًا ، ولم يمن عليه بنعم كتلك التي أعطاها لصاحب الجنتين ولكنّه متوكّلٌ على الله ، مؤمنٌ بالله حقّ الإيمان ؛ لأنّه يعلمُ يقينًا أنّ الحياةَ الدنيا إلى زوال ، وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، وأن الدار الآخرة خير وأبقي ، أما الرجل الآخر فهو صاحب الجنتين الذي فُتن بأملاكهُ ، وظنّ أن هذا النعيم الدنيوي نعيمٌ دائمٌ لن يزول ؛ وقد كفر بنعمة الله عليه رغم سعة رزقه وعظيم سلطانه .فقد رزقهُ اللهُ جنتين وبستانين عظيمينِ ، وكانت هاتين الجنتانِ مزروعتين بالأعناب ، وتكثر بهما أشجار النخيل ، ولكنَ هذا الرجل بجهله وكبره فُتن بنعمة الله سبحانه وتعالى ، وتكبر بما لديه من أشهى أنواع الثمار والفواكه ، حيث أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى الجنتين أن تُنتجا أجمل أنواع الثمار ، فاستجابت لأمرِ الله ، وأنتجتا ثمارًا يانعًة ناضجًة ، تتهافت عليها قلوب الناظرين .فبدلًا من أن يشكر الله تعالى على نعمه العظيمة طغى وتكبر وكفر بالنعمة ، بل وتجاوز الأمر بأن تكبر على الرجل الفقير الذي يجاوره ، وهو عبد مثله من عباد الله {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } سورة الكهف الآية 34وأخذ صاحب الجنتين يستعرض ما عنده من نعم متناسيًا أنها عطية الله تعالى ، وأن مردودها إليه متى شاء ، وأخذ يتكبر بها على جاره الفقير الذي لا يملك ربع ما عنده ، فلم يشكر نعمة الله عليه .ولم يحافظ على ما أتاه الله فمنع الصدقة فامتنع معها الخير ، وكان يظنَّ أن هذهِ النعمةُ لن تَزول ، ومن كبره ادعى أنه سيجد عند الله أفضل الجنان ، لا إيمانًا بالله بل كبرًا وتعنّتًا ، فقد كان يظنُ أن له الأفضلية عند الله على ذلكَ الرجل الفقير ومن مثله ، {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا*وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} الكهف الآيات 35،36.ورغم محاولات صاحب الجنتين لزعزعة ايمان الرجل الفقير جاء رده رد المؤمن الثابت على الإيمان ، المؤمن برزق الله وأنه هو العاطي المانح لكل شيء وأيضا المانع إذا أراد ، فلم تخدعه زينة الدنيا ، ورد على كفر وتعنت صاحب الجنتين مذكرًا إياه بأصل خلقه فيقول له: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} الكهف(37) .وتمسك الرجل الفقير بإيمانه الراسخ ، وقال للغني أن شكر الله تعالى وتقديم المشيئة عند قدوم الخير أمر واجب ، وإن كنت تظن أنك أغنى مني مالًا وولدًا فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يعطيني خيرًا من جنتك.وأخذ يحذره من مقت الله وغضبة لأن عاقبة الكبر وخيمة كما جاء في قوله تعالى : {لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا*فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا*أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} الكهف الآيات 38،41.وبالفعل أتى عقاب الله لذلك المكابر الذي فُتن بالدنيا واغتر بجنتيه ، فقاده كفره بنعمة الله إلى أن غضب عليه ، فاستحق العقاب العظيم ، حين أرسل الله سبحانه وتعالى على جنتيه صاعقةً دمّرتهما ، وأهلكت ما بهما من ثمار ، فندم صاحب الجنتين ، ولكن بعد زوال النعمة العظيمة التي كان يمتلكها ؛ بسبب كفرهِ وغروره { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} الكهف الآيات 42،43 .وقد كان في عقاب الله خير جزاء لهذا الجاحد الذي ظن بكبره أنه ملك الدنيا ، ونسى أن بكلمة من الله تزول الأرض بما عليها ، وندم الرجل على ما قدم ولكن بعد فوات الأوان ، فلم يعد للجنتين العظيمتين أثر بعد ما كان .وفي هذا أكبر درس قدمه الله تعالى لنا لكي نعرف قيمة نعمه ونشكره عليها ، ونتيقن أن الصدقة مال الله يرد إليه ، فيرده لنا أضعافًا مضاعفة ، ولعل في تلك القصة عبرة لأولي الألباب لعلهم يتفكرون ولا يصيب الكبر قلوبهم .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك