هاجر النبي صلّ الله عليه وسلم ، من مكة إلى يثرب وسكنوها ، فقد هاجروا إلى يثرب وتركوا بيوتهم وأموالهم وإخوانهم ، وراءهم في مكة ، فسماهم الله ورسوله المهاجرين واستقبلهم المسلمون في يثرب ، وفرحوا بهم وقالوا ، أهلاً وسهلاً ومرحباً ، وأنزلوهم في ديارهم وحكّموهم في أموالهم وأملاكهم ، فسماهم الله ورسوله الأنصار .التجارة والغنى :
قال المهاجرون : بارك الله لكم في أموالكم ، وأملاككم وأزواجكم فلا حاجة لنا فيها ، ولكن دلونا إلى السوق نتّجر ونكتسب ، وهكذا فعلوا ، ذهبوا إلى السوق يبيعون ويشترون ، وأغناهم الله سريعاً.يثرب مدينة الإسلام :
هكذا أصبحت يثرب مدينة الرسول صلّ الله عليه وسلم ، فما من أحد إلا ويسميها مدينة الرسول ، وأصبحت المدينة مدينة الإسلام ، مدينة الإسلام الوحيدة في العالم ، وكانت هذه المدينة مهجر المسلمين في العالم ، وإذا أسلم أحدٌ وآذاه قومه ، هاجر إلى المدينة وأمن مكرهم .المدينة مدرسة الإسلام :
وكانت المدينة مدرسة الإسلام ، مدرسة الإسلام الوحيدة في العالم ، فإذا أسلم أحدٌ وجب عليه أن يتعلم الدين ، ويتعلم الحلال والحرام ويتعلم أحكام الإسلام ، ووجب عليه أن يتعلم القرآن والفرائض ، ويتعلم كيف يصلي ويصوم .فأين يذهب أي أحد اذا أراد أن يتعلم الدين ، إلى مكة أم إلى الطائف ليس هناك أحد يعلم الدين ، فكانت المدينة هي مدرسة الإسلام الوحيدة في العالم ، فكان المسلمين يتوجهون إلى المدينة من كل ناحية من نواحي العرب ، منهم من يفر بدينه من الفتن ، ومنهم من يريد أن يتعلم الدين .ضيوف الإسلام :
وكان هؤلاء ضيوف الإسلام ، وكان هؤلاء يأتون إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان الرسول صلّ الله عليه وسلم يقول لهم : أهلاً وسهلاً ومرحباً ، وكان ضيوف الإسلام هؤلاء ، يريد الرسول صلّ الله عليه وسلم ، أن يكرمهم ويطعمهم لأنهم ضيوف الله ورسوله وضيوف الإسلام .الكريم الزاهد:
ولكن كان رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، زاهداً في الدنيا ، يأكل مرة ويجوع أخرى ، يأكل فيشكر ويجوع فيصبر ، وكان الرسول صلّ الله عليه وسلم لا توقد في بيته نار ، ولا يطبخ طعام ، وما كان رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، يحب أن يجوع ضيوفه ، وهم ضيوف الله وضيوف الإسلام ، وقد قال رسول الله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، وكان المسلمين في المدينة أسرةً واحدةً ، وكانت المدينة بيتًا واحدًا .كرم الضيافة في الإسلام:
فإذا جاء ضيوف قسمهم النبي صلّ الله عليه وسلم ، فذهبوا بهم إلى ضيوفهم وأضافوهم ، وذهب هؤلاء الضيوف إلى بيوت المسلمين ، وأكلوا فيها وباتوا فكأنما أكلوا في بيت واحد ، وكانوا ضيوف رجل واحد ، وكانوا ضيوف الله وضيوف رسوله أينما كانوا ، وكان في الأنصار رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله والرسول ، يدعى أبو طلحة الأنصاري .أبو طلحة الأنصاري :
كان لأبو طلحة بستان فيه ظل بارد ، وماء عذب ، وكان الرسول صلّ الله عليه وسلم ، يذهب إليه في بعض الأيام ، ويجلس في بستانه ويشرب الماء البارد ، وفي أحد الأيام ذهب الرسول ومعه أبو بكر الصديق ، إلى بستان أبي طلحة ، فجلسا في بستانه ، وشربا الماء البارد وجاء أبي طلحة ففرح بهما فرحاً شديداً ، وذهب يذبح لهما شاه ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : لا تذبح ذات ولد ، وذات لبن ، فذبح لهما أبو طلحة شاه وطبخها لهما ، فأكلا وشربا وحمدا الله ، ودعا رسول الله لأبي طلحة .أبو طلحة وكرم الضيافة :
وجاء ضيوف آخرين إلى المدينة ، فقسمهم الرسول على بيوت المسلمين ، وأخذ أبي طلحة نصيبه من الضيوف ، وكان فرحاً جداً بهم ، فهم ضيوف الله ورسوله ، لأنه يرجوا في ذلك رضا الله ورسوله وثواب الآخرة .وكان أبي طلحة يسير بضيوفه وهو لا يعلم إذا كان في بيته طعاماً أو لا ، ولا يعلم ماذا طبخت أم سليم ، ولا يدري هل في البيت فضل من الطعام يأكله ضيوفه أم لا ، ولا يعلم هل أطفاله تناولوا الطعام قبل نومهم أم ينتظروه ، ما كان يفكر أبي طلحة في ذلك ، ولم يمنعه شيء .قطع أبي طلحة الطريق بضيوفه حتى وصل إلى بيته وطرق الباب مستأذنًا : أأدخل؟ ـ وإذا بصوت من البيت يقول : وعليك السلام ، أدخل ، فقال أبي طلحة بصوت مبشر : معي ضيوف الله ، فردت عليه أم سليم قائلة بصوت مستبشر : أهلًا ومرحب بضيوف الله ورسوله .طعام الدار والضيوف :
قال أم سليم لأبي طلحة دون جزع ولا خوف ، طعام الأطفال فقط ، فماذا يفعل أبي طلحة والطعام لا يكفي أهل البيت ، فكيف بالضيوف ؟ ، فكّر أبي طلحة حتى اهتدى إلى حيلة لطيفة ، والكريم له حيل ولطائف .عزم أبي طلحة أن يجوع تلك الليلة ويطعم ضيوفه ، وعزمت أم سليم أن تجوع الليلة وتطعم ضيوفها ، وماذا عليهما لو جاعا ليلة من الليالي وأطعما ضيوفهما ، إنهما لا يموتان إذا جاها ليلة وعزما على أن يؤثرا الضيوف على أنفسهما ، وأن يسكتا الأطفال فينامون ، ويأكل الضيوف .ولكن كيف يأكل الضيوف والمضيف لا يأكل ؟ ، ففكر أبي طلحة ووجد لذلك سبيلاً فقال لأم سليم : إذا جلسنا نأكل ، اذهبي إلى السراج ، كأنك تريدين أن تصلحيه وأطفئيه ، وهكذا جلس الضيوف ليأكلوا وجلس أبي طلحة ليأكل ، وذهبت أم سليم الي السراج كأنها تريد أن تصلحه ، وقامت بإطفائه .انطفأ السراج وأخذ الضيوف يأكلون في الظلام ، وكان أبي طلحة يمد يده إلى الصفحة ويرفعها ولا يتناول شيء ، فكان يريهم أنه يأكل وهو لا يأكل شيئاً ، وبعد أن أنهوا الضيوف الطعام وشبعوا ، قاموا لغسل أيديهم وحمدوا الله ودعوا لمضيفهم بالبركة ، فبات الضيوف شِباعاً وبات أبي طلحة جائعاً.دلائل قرآنية :
حضر أبي طلحة في اليوم التالي إلى مجلس رسول الله ، وكان يظن أن ما قام به هو وزوجته سراً لا يعلمه الا هو وزوجته ، ولكن الله يعلم السر وأخفي ، وقد أنزل الله في ذلك آية : ويؤثِروُن على أنفسِهِم ولو كانَ بهم خصَاصَةٌ.وسأل الرسول صلّ الله عليه وسلم عن القصة وأخبره أبو طلحة بخبره ، فرح النبي بهذا الايثار وبهذا الكرم العظيم ، ورضي الله عن أبي طلحة ، وبقيت القصة خالدة في التاريخ والتفسير ، رضي الله عن أبي طلحة وأرضاه .