لم تكن السيدة رقيّة تتخيل يومًا أن أم زوجها سوف تُذكر في القرآن ، لأنها عندما كانت تعيش في كنفها لم يكن القرآن قد ظهر بعد ، أم زوجها هي زوجة أبي لهب وتُعرف باسم حمّالة الحطب.عندما زار وفد من آل عبد المطلب بيت الرسول صلّ الله عليه وسلم ، لطلب يد ابنتيه رقيّة وأم كلثوم ، لكل من عتبة وعُتيبة ابني عمهما أبي لهب ، انقبض فردان من أهل البيت الكريم ، أولهما الشقيقة الصغرى فاطمة التي خافت أن تعيش وحيدة بلا شقيقتها رقيّة ، فهي أيضًا صديقتها الحنون.أمام السيدة خديجة رضي الله عنها فلم ترى عرض الزواج سوى أن أم جميل بنت حرب ستكون حماة ابنتيها ، فهي كانت على علم بقسوتها وحدة لسانها وسواد قلبها ، على زوجها وابنيها.ذاقت السيدة رقية الأمرّين في بيت أم جميل ، كانت ترصد حركاتها وتعد عليها لقيماتها وتحاسبها إن ردت أو صمتت ، وكلما رأت في رقيّة ملمحًا من عظمة ورُقيّ وصفاء السيدة خديجة ، كانت تجن وتستعر نار القسوة في قلبها.وظلت رقية تفكر في الشكوى لأبيها ما تلاقيه من سوء معاملة في بيت زوجها ، إلا أنها خشيت أن يحزنهما ما تلقاه ، إلى أن أعلن النبي رسالته على الملأ فبدأت الحرب مستهدفة بناته ، فقالت قريش رُدوا عليه بناته ، وصاحت أم زوجها أنها ستزوج ابنها من أي امرأة شاء ابنها ، فتم الطلاق وصارت عائلة أبي لهب هم الأشد عداوة للرسول آنذاك.وكّل الرسول عليه الصلاة والسلام ، أمر ابنته إلى خالقه فرزقها المولى عزوجل بسيدنا عثمان بن عفان ليتزوجها وهو ذو حسب ونسب وتجارة ومال ، ولكن لم تدم السعادة طويلاً حيث اشتدت الحرب على الإسلام واختصت سيدنا عثمان بمقاطعة أهله وتجارته وعشيرته.وكانت بنات النبي جميعًا قد اعتنقن الإسلام ، ولكن عندما هاجر المسلمون إلى الحبشة اختص النبي عليه الصلاة والسلام بالقرار رقية وزوجها ، دعا النبيّ المولى عزوجل أن يعز الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو عمر بن الخطاب ، وكان النبي أكثر ميلاً لعمر بينما كان عمر يتيه قسوة وغلظة ، ولم ينج أحد ممن أسلموا حوله من قبضته.وذات يوم استيقظ عمر على خبر مفاده أن ابن عم الرسول قد صفع أبا جهل خال عمر ، فلم يكن أمام عمر مفرًا من قتل الرسول حتى يتخلص من تلك الفرقة التي أحدثتها دعوته داخل قريش ، فاستل سيفه واتجه إلى دار الأرقم لينهي حياة الرسول بيديه ويغلق ملف الإسلام كاملاً.أراد المولى عز وجل أن يرق قلب عمر أولاً حتى تنقشع عنه الغمامة ويهتدي للإسلام ، لذا فعند سعيه تجاه دار الأرقم حيث يجلس الرسول ، فإذا به يقابل رجلاً فسأله عن وجهته فقال له عمر ، فقال له الرجل انظر إلى بيتك أولاً ، وكان سر هذه الكلمة هو أن فاطمة أخت سيدنا عمر كانت قد أسلمت هي وزوجها ، وكان في هذا الوقت خباب بن الأرت يجلس بينهما يعلّمهما القرآن ، فاغتاظ عمر عندما ذهب إليهم فقد علم أنه الآن في بيت مسلم بأكمله.وقفت فاطمة تدافع عن زوجها وأخيها عندما هجم عمر عليه يريد الفتك به ، فما كان منه إلا أن لطمها بيده فسالت الدماء على فهما ، هنا رق قلب عمر فهو بالأساس شاعر وحكيم رغم قسوته البادية للجميع ، في تلك اللحظة وقع بصر عمر على آيات الله في كتابه الكريم ، فأراد أن يقرئه فمنعته أخته أنه لا يمسّه إلا المطهّرون ، فتوضأ عمر وقرأ سورة طه فلان قلبه تمامًا آنذاك.ولولا أن مرّ عمر بمنزل شقيقته أولاً ما كان قلبه لان للإسلام ، فما أن خرج من عند النبي عليه الصلاة والسلام ، حتى كانت دعوة النبي قد استجيب كاملة ، فانطلق عمر صوب خاله أبي جهل وأعلن إسلامه ، فكانت صدمة مدوية لأبي جهل نفسه ، روى عثمان بن عفان لزوجته رقيّة أنه كان يحبها منذ أمد بعيد ، وعندما علم بزيجتها من بيت أبي لهب انقبض وكان يومًا عسيرًا عليه ، إلى أن أخبرته عرّافه بأنه سيتزوج من رقيّة .بدأت الحياة تبتسم لرقية بقدوم ابنها عبدالله ، وشعرت بأن الله عوضها به عن آلام الهجرة وفقدان الأم ، ولكنها سعادة لم تدم طويلاً فقد استيقظت ذات ليلة على صراخ ابنها عبدالله وهو يخر صريعًا ، عقب أن نقره ديكًا في عينيه ووجهه وصفاه من الدماء فمات.سقطت رقيّة طريحة الفراش ، وكان ذلك إبان غزوة بدر فطلب عثمان من الرسول أن يبق إلى جوار زوجته وشجعه النبي على ذلك ، لم تكتمل فرحة النبي بالانتصار في بدر ، وذهب إلى منزل رقيّة ليجد الحزن يخيم عليه ، فطلب من فاطمة ابنته أن تقوده إلى قبر رقيّة ، وذهب كليهما إلى القبر وظلا يبكيانها بدموع حارقة لا يدري أحد كم استمرت من الوقت.