تبني الأمة الإسلامية واقعها وحاضرها من تقدير الماضي ، وتذكر فضائل أئمة وعلماء المسلمين ، وكذلك سير الصحابة والأنبياء ، حيث أنجبت لنا أمتنا الميمونة رجالاً وقف أمامهم التاريخ طويلاً ، ذاكرًا سيرهم العطرة وأيامهم الطيبة ، التي منحوا فيها للإسلام ورسالته أرقى ما يملكون ، من آراء وحكمة وفقه ، وأحد أولئك الأخيار هو أول ملوك المسلمين والذي قد أتى عقب الخلفاء الراشدين ؛ وهم أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله أجمعين.معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه :
ينتمي معاوية بن أبي سفيان إلى بني أمية ، حيث ينحدر من عائلة عريقة بها في الحسب والنسب ، وقد وُلد قبل البعثة بخمسة أعوام وقيل ثلاثة ، أو سبعة ، وقد تفرّس فيه والديه منذ صباه مستقبل كبير له .وكان أبو سفيان من عتاة الجاهلية الذين حاربوا الإسلام ، ووصفت كتب السيرة النبوية أعماله ضد الدعوة الإسلامية إلا أن الله تعالى أراد له الهداية ، فأسلم قبل فتح مكة بوقت قليل ، وقد أكرمه رسول الله عليه الصلاة والسلام في فتح مكة وأعلن أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .وقد حكم أبو سفيان لفترة عشرين عامًا ، ووصفه من عاصروه بالحلم وأنه قد أُثر عنه مقولات عدة ، أشهرها عندما قال : لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت ، قيل وكيف يا أمير المؤمنين ؟ قال كانوا إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها .من مواقف أبو سفيان رضي الله عنه :
في أحد المواقف قيل أنه قد استأذن أحد الرجال ، وذهب إلى معاوية قائلاً للحاجب أن يخبره بأن أخُ أبي سفيان لأبيه وأمه يقف عند الباب ، وعندما أبلغ الحاجب معاوية قال له الأخير بأنه لا يعرفه ، ولكن أذن له بالدخول إليه ، فلما دخل إليه الرجل قال له معاوية أي الإخوة أنت ؟ قال له الرجل ابن آدم وحواء ، فقال معاوية يا غلام ؛ أعطه درهمًا ، فقال أتعطي لأخيك من أمك وأبيك درهمًا فقط ؟ قال لو أني اعطيت كل أخ لي من أبي وأمي مثله ، ما وصل إليك هذا .وفي موقف آخر ؛ قيل أن عمر بن الخطاب قد حضر إلى الشام ، ممتطيًا حماره ، وبرفقته عبدالرحمن بن عوف ممتطيًا حماره إلى جواره ، فاستقبلهما معاوية بموكب مهيب قدير ، فتجاوز عمر ولما علم أنه هو عاد إليه مرة أخرى ، ولكن عمر أعرض عنه فظل معاوية يمشِ إلى جواره ، وبعد فترة قال له عبدالرحمن بن عوف يا عمر أتعبت الرجل ، فتحدث عمر إلى معاوية متسائلاً إن كان هو صاحب الموكب الذي استقبلهما .فقال له معاوية نعم يا أمير المؤمنين ، فسأله عمر عن سائلي الحاجات على بابه ، فأجابه معاوية بأن طبيعة بلاده وجود الجواسيس الذين يرسلهم العدو ، وهنا لابد من إرهابهم بهيبة السلطان ، وسأل معاوية أمير المؤمنين عن رأيه ، فإن شاء توقف عن ذلك وإن لم يشأ سيظل بما هو عليه ، فقال له عمر أنه إن كان ما قاله حقًا فإن ذلك دهاء ، وإن كان ما قاله معاوية كذبًا فإنها خدعة ، وترك الأمر له.دهاء معاوية السياسي رضي الله عنه
يذكر عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان حاكمًا داهية ، خاصة فيما يتعلق بالسياسة ؛ حيث استطاع معاوية أن يلجم شعوبًا مختلفة ، كثرت بها النزاعات والخلافات والفتن ، وخضعت جميعها تحت إمرته وسلطانه ، حتى أن ابن عمر رضي الله عنهما ، قد قال عن أبي سفيان بأنه لم ير أحدًا قط قد ساد بعد رسول الله –صل الله عليه وسلم- مقارنة بمعاوية ، فقيل له ولا حتى عمر ؟ فقال أن عمر كان خيرًا منه ، وكان معاوية أسود من عمر ؛ أي أكثر سيادة.شعرة معاوية :
رُويّ عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، أنه قد جاءه أعرابيًا متسائلاً كيف حكم الشام عشرين عامًا كأمير ، ثم حكم بلاد المسلمين كخليفة ؟ فقال له معاوية رضي الله عنه ، أنه لم يضع لساني حيث يكفيه المال ، ولم يضع سوطه حيث يكفيه اللسان ، ولم يضع السيف حيث يكفيه السوط ، وأنه إن كان بينه وبين الناس شعرة ، ما قطعها قط فإن هم مدوها أرخاها هو ، وإن هم أرخوها مدها هو .