كلها مواقف إيمانية وتربوية لم تكن لتأتي وتظهر إلا بهذه المعركة ، لذلك قال المولى عزوجل في كتابه الكريم ؛ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ، وهل انقلب أتباع الرسل السابقين على أعقابهم حين مات رسلهم ؟ فكيف تكونون أنتم أقل شأنًا من هذه الأمم ؟إن الرجل الذي يصنع خيرًا يموت بموته ، لا يكون قد صنع شيئًا ، إن الذي يريد أن يصنع خيرًا فعليه أن يصنع خيرًا يخلفه ، وما قاله المولى سبحانه أن محمدًا ما هو إلا رسول ، فهذا أسلوب قصر ، حيث قصره الله تعالى على الرسالة ، حيث كان يعتقد بعض المعاصرين له كانوا يظنون أن محمدًا أكثر من رسول ولا يموت ، فأوضح الله سبحانه وتعالى أنه مجرد رسول قد خلت من قبله الرسل ، ولن يُخلّد أحد في الدنيا فهي لم تُخلق للخلد .وهذا الأمر كان يغيب عن أذهان البعض حتى بعد نزول هذه الآية ، وصارت قرءانًا يُتلى ، فقد وقف عُمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم أن انتقل الرسول صل الله عليه وسلم ، إلى الرفيق الأعلى ، فقال والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل أنه قد مات ، والله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم.قال ذلك الفاروق وهو مَن هو من هول الفاجعة ، فإذا بالصديق رضي الله عنه ، يقول بعد أن رأي الأمر على رسلك يا عمر ، ثم تشهد أبو بكر وحمد الله تعالى وقال ؛ من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، وقرأ رضي الله عنه قول المولى عز وجل ؛ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} فقال عمر فوالله كأني ما سمعتها قبل الآن.وهذه القضية تعطينا أمرين من الموعظة ؛ أولاً هو حب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الشديد لرسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وثانيًا هو أن الحب لا يصلح أن يخرجنا عن طور الإيمان فعمر بن الخطاب قد قال ؛ عندما سمعت أبا بكر يتلو هذه الآية وقعت على الأرض كأني لم أسمعها من قبل قط.وقبل أن يحدث ما حدث ، وعلا خالد بن الوليد والمشركون الجبل ، وكان الرسول صلّ الله عليه وسلم في مكانه ثابت كالجبال الشوامخ ثقة في ربه أنه لن يسلمه ومعه طائفة مما أرادوا الله ، ورسوله والدار الآخرة وفي تلك الساعات الرهيبة التي يطيش بها عقل الحليم ، مر برسول الله طاغية من جبابرة قريش يُدعى أُبي بن خلف الجمحي ، فعندما جُرح النبي وسال دمه الطاهر ، دخل هذا لكافر ينادي على رسول الله ويسأل عنه قائلاً لا نجوت إن نجا ، فعرض الصحابة على النبي أن يقتلوه فقال لهم دعوه .وعندما دنا أُبي بن خلف من الرسول تناول عليه الصلاة السلام سيفًا من أحد الصحابة بجواره ، وقام بطعن بن خلف في عنقه ، طعنة جعلته يسقط من فوق فرسه على الأرض من شدتها ، فلما عاد إلى قريش وقد احتقنت الدماء في عنقه فقال قتلني محمد ، أجابه أصحابه بأن ما بعنقه مجرد خدش ، ولكن مات عدو الله في الطريق أثناء العودة إلى مكة.