بعد ظهور الإسلام ، كان النبي صلّ الله عليه وسلم ، جالسًا مع أصحابه ، فأقبلت عليهم سيدة ، وما أن رآها النبي صلّ الله عليه سلم حتى تبسّم ، وصاح أمي أمي فاندهش الصحابة وهم يراقبونها وهي تقترب ببطء ، وبينما هي تتقدم نحوهم كانت تسترجع أسباب تلك الابتسامة التي علت وجه النبي الكريم ، وفي نفس الوقت كان النبي عليه الصلاة والسلام يبسط لها ردائه ، حتى تتمكن من الجلوس عليه.لم تكن السيدة حليمة السعدية تتوقع أن تكن هي من أرضعت النبي الكريم صلّ الله عليه وسلم ، ولم يكن هناك أي منطق أو مبرر يجعلها تحظى هي تحديدًا بشرف تلك المهمة ، حيث تولت السيدة حليمة السعدية إرضاع النبي في دارها.فكانت في ذلك الوقت السيدة حليمة قد أنجبت طفلاً وأطلقت عليه اسم عبدالله ، وكانت كلما حاولت أن ترضع صغيرها حتى تجد ثدييها وقد جف الحليب منهما ، فما كان منها سوى محاولتها أن تحلب الناقة الوحيدة التي تملكها ، ولكنها أيضًا وجدت أن ضرعها قد جف من الحليب.وكان إبان هذا الوقت توجد مجاعة تحيط بقومها ، وكان الجفاف والجدب هما ما يميزا الواحة التي تعيش بها ، حيث أحاط بهم الجفاف من كل صوب ، فلا يوجد مطر ولا ثمر ، ورغم تلك الظروف المجتمعة جميعًا ، لجأت السيدة حليمة إلى الخروج من دارها ، رغم وجود طفلها من لحمها ودمها يكاد يموت جوعًا ، فخرجت لالتماس طريقها نحو مكة من أجل كسب قوتها من الرضاعة.وكان أكثر شيء مثير للدهشة ، هو أنها أثناء بحثها عن الرزق من أجل إطعام وليدها ، أخذت طفلاً رضيعًا يتيم الأب من أجل إرضاعه ، وقد يكون المقابل من تلك المهمة ضئيل للغاية ؛ نظرًا لعدم وجود عائل ينفق عليه وعلى الاستعانة بمن ترضعه ، وما كان ملفتًا للنظر هو شجاعة النساء في هذا الوقت ، للخروج من أجل كسب قوت يومهم ، رغم معاناة الواحة كاملة من ظروف القحط والفقر.بعد ميلاد النبي محمد صلّ الله عليه وسلم ، اختلطت مشاعر الحزن بفرحة أمه السيدة آمنة بقدوم هذا الطفل الجميل إلى عالمنا ، فقد ترمّلت في سن مبكرة واستقبل طفلها الحياة يتيمًا ، مما جفف حليبها فلم تستطيع على إرضاعه.وهنا تولت تلك المهمة في إرضاع النبي إحدى الجواري لمدة ثلاثة أيام ، ثم جاء خبر وفود عددًا من المرضعات قد أتين من بني هوازن يطلبن الرضاعة ، وكانت من بينهن السيدة حليمة السعدية .فالعديد من المرضعات قد انطلقن بحثًا عن أطفال في خلفيتهم أب ثري ، بينما رفضن إرضاع النبي نظرًا لأنه يتيم ، وبعد أن توجهت كل واحدة منهن إلى حمل طفل تهم بإرضاعه ، وترتجي من أهله الخير ، بقيت السيدة حليمة السعدية تقف إلى جوار زوجها محبطة وحائرة عما تفعل ، فقد رفضها الجميع نظرًا لحالها الضعيف والذي يبدو عليها بقوة ، وظلت تنتظر في حين هم الجميع بالرحيل .كانت السيدة حليمة تشعر بإهانة كرامتها ، فقالت لزوجها أنها لن تبرح المكان سوى بعد أن تحصل على طفل ترضعه ، فقد تخيلت نفسها في طريق العودة إلى الواحة وقد حملت كل من صديقاتها طفلاً واثنين ، بينهما هي عائدة خالية الوفاض ، وقد ينطوي الأمر فيما بعد على بعض السخرية المحتملة ، أو حتى نظرات الاستعلاء فيما بعد والتي قد تجرح كبريائها.وهنا أعلنت السيدة حليمة عن تخليها عن شروطها ، وقررت القبول بأي طفل سوف يعرضه عليها أهل مكة ، وفي تلك اللحظة ظهر لها عبد المطلب جدّ النبي صلّ الله عليه وسلم ، تغير حال حليمة في طريق العودة حين حملت النبي بين يديها ، فقد تدفق الحليب في ثديها واستطاعت إرضاع النبي وابنها ، وصحّت الإتان –أنثى الحمار- التي كانت تحملها هي وزوجها والطفلين ، وما لبثت ناقتها أن امتلأ ضرعها بالحليب ، فقال لها زوجها انتبهي يا حليمة فأنت تحملين نسمة مباركة.مر عامان وحان وقت الفطام ، ولكن حليمة كانت تحبه كثيرًا فكانت تسير طوال الطريق تفكر في حجة مقنعة لأهل النبي ، حتى تبقيه معها لفترة أطول ، وما أن ذهبت إلى مكة حتى وجدت وباء منتشرًا بها فأخذت النبي وعادت إلى منزلها مرة أخرى .كبر النبي سريعًا وبدأ في رعاية الأغنام التي كانت لدهشة من حوله ، تسمن وتمتليء لحمًا ولبنًا ، بينما كانت أغنام بنو سعد تذهب وتعود ولا يبدو عليها خيرًا ، أحبه كل من حوله وصار معروفًا بأن الخير يلازمه أينما حل ، وكان حب السيدة حليمة يزداد يومًا بعد يوم ، فكانت تذهب به للسيدة آمنة وتعود به إلى دارها مرة أخرى وهي تصطحبة بعد حجة ما ، إلى أن صار عمره 6 سنوات وهنا كان لابد للقصة من نهاية.اصطحبت السيدة حليمة محمد إلى سوق عطاظ ، وهناك وقفت أمام أحد المنجمين لقراءة الطالع ، وما أن نظر إليه الرجل حتى صاح فيمن حوله أن يقتلوه وحلف باللات والعزى أنه سوف يظهر أمره عليهم ، وهنا ركضت به السيدة حليمة ، لحمايته منهم وذهبت إلى منزل جده وما أن وصلت حتى اكتشفت أنه ليس معها ، فبكت كثيرًا إلى أن دخل عليهم رجل وهو يصطحبه وقال لجده أنه قد ضل الطريق ، وهنا رمقها جده عبد المطلب بنظرة عتاب فما كان منها سوى أن أنهت مهمتها التي تولتها على مدار ستة أعوام .تعلّم محمد اللغة الفصحى من رجال بين سعد ، فقد كان يقول النبي عليه الصلاة والسلام دائمًا أنا أعربكم ، أنا قرشيّ واسترضعت في بني سعد بن بكر ، وكان النبي يصعد كثيرًا على قمة الجبل حيث كان هو مكانه المفضل ، يتعلم فيه مبادئ وأبجديات النبوة .وهنا تجلّت الحكمة من بقاء النبي مع حليمة السعدية وأهلها ؛ حيث كانت النبوة تقتضي أن يشب النبي بعيدًا عن الحضر وضوضائه وما فيه من تشويش ، وشاء المولى عزوجل أن ينشأ النبي في رحاب السيدة حليمة في هذا المدى المفتوح .