في زمن زاد فيه القحط ، وعانت قبائل المسلمين من الجوع والفقر ، ذهبت جماعة منهم للخليفة هشام بن عبد الملك ، علها تجد عنده الحل لما هم فيه من مجاعٍة وفقر ، فتزاحمت أعداد كبيرة من الناس أمام قصر الخليفة ، جاءوا يطلبون لقاء الحاكم لأموٍر خطيرة ، تساءل الخليفة هشام بن عبد الملك ، فأجابه الحاجب بأن الناس جاءوه يطلبون العون بعد ما انقطع المطر عنهم لمدة ثلاثة أعوام صبروا خلالها على الجفاف الذي حل بهم وهلك زرعهم وحيواناتهم حتى لم يبق لهم ما يعيشون عليه وصاروا غير قادرين على الاحتمال أو الصبر .أمر الخليفة بأن يختار أهل كل قبيلة واحدًا منهم ، يتكلم باسمهم وينقل رغباتهم إليه ، فمن غير الممكن أن يدخل قصر الخليفة كل القبائل الشاكية ، كان من بين القبائل العربية قبيلة فيها فتى يسمى درواس بن حبيب ، لم يكن قد تعدى الرابعة عشرة من عمره ، ورغم ذلك قرر قومه أن يكون هو المتحدث باسمهم أمام الخليفة ، فقد كان هو المتعلم الوحيد ، كما كان يمتاز بالفصاحة والذكاء.دخل نواب القبائل إلى الخليفة وكان درواس بينهم ، وبعدما وقع نظر الخليفة عليه تعجب ونظر إلى الحاجب كأنه يقول : هل جننت ؟! كيف دخل هذا الولد إلى القصر مع نواب ورؤساء القبائل ؟! أحس درواس بما يدور في ذهن الخليفة ، فطلب من الخليفة أن يسمح له بالحديث ، فأذن له ، فقال الفتى بثبات : إن دخولي إلى الخليفة ووجودي هنا أمامه لا يقلل من مكانته ، ولو لم يسمح لي سيدي الخليفة بالدخول ، لكان قد منع عني وعن قومي شرفًا عظيمًا ، بعدما اختاروني للقائه.ويا سيدي الخليفة إن قومي قد جاءوا في أمر خطير ، وإن لم تسمع لنا يتمكن الخطر منا ويكون معه هلاكنا ، أعجب الخليفة بفصاحة الفتى وشجاعته ، فسمح له بأن يكمل حديثه فقال درواس : أصابتنا ثلاثة أعوام شديدة القسوة ، جف الماء ومات الزرع وهلكت الحيوانات ، وعندكم يا مولاي أموالٌ كثيرة فإن كانت هذه الأموال لله ، ففرقوها على عباده المستحقين ، وإن كانت لعباد الله ، فلماذا لا يأخذونها ؟وإن كانت لكم يا مولاي ، فلماذا لا تتصدقون ببعضها على الناس ؟ إن الله يجزي المتصدقين ، ولا يضيع أجر من أحسن عملًا ، زاد إعجاب الخليفة هشام بالفتى درواس ، فقال وهو يبتسم عجبا : والله ما ترك لنا الفتى عذرًا ! ، ثم أمر بمعونة مالية لكل قبيلة ، وبمكافأة كبيرة لدرواس لكن الفتى قال بأدب : يا سيدي الخليفة ، اجعل مكافأتي من نصيب قبيلتي ، فقال الخليفة : أليس لك طلب أو حاجة لنفسك ؟ ابتسم درواس قائلًا : شكرًا يا مولاي ، لا أطلب حاجة لنفسي أكثر من بقية المسلمين.