حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق هما اللذان ذهبا إلى بني قريظة في أماكنهم وقالوا ؛ قد جئناكم لنتعاون معكم على إبطال دعوة محمد ، فنحاصرهم نحن من أعلى وأنتم من أسفل ونقضي عليهم .لكن قريشًا كان فيها بعض التعقل فقالوا لهما ؛ أنتم أهل الكتاب وأعلم بالأديان ، فديننا الذي نحن عليه خير أم دين محمد ؟ فقالوا أنتم أصحاب الحق .فلما سمعت قريش هذا الكلام منهما لولا وجود الأهواء التي تلون الرأي ، كان يجب أن يناقشوا هذه القضية ، ومن أبطال الإسلام نعيم بن مسعود الأشجعي ، جاء إلى النبي صلّ الله عليه وسلم ، وقال له يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي ، فمرني أمرك ، فقال له رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا ما استطعت ، فإنما الحرب خدعة .فانطلق نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، فقال لهم ؛ يا معشر قريظة –وكان لهم نديمًا في الجاهلية- إني لكم نديم وصديق قد عرفتم ذلك ، فقالوا صدقت فقال تعلمون والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة ، إن البلد لبلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه وبلادهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم فإن رأوا فرصة أصابوها .وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، ولا طاقة لكم به ، وإن هم فعلوا ذلك فلا تقاتلوهم ، حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم ، تستوثقون به ثم ذهب إلى قريش فأتى أبا سفيان ، وأشراف قريش فقال ؛ يا معشر قريش إنكم قد عرفتم وُدي إياكم ، وفراقي محمدًا ودينه ، وأني قد جئتكم بنصيحة ؛ فاكتموا على فقالوا نفعل ما أنت عندنا بمتهم ، فقال تعلمون أن بني قريظة من يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد.فبعثوا إليه ألا يرضيك عنا أن نأخذ لك من القوم وهنًا من أشرافهم ، وندفع إليك فتضرب أعناقهم ، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم أي نعم ، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنًا من رجالكم فلا تعطوهم رجلاً واحدًا واحذروا ، ثم جاء غطفان فقال ؛ يا معشر غطفان قد علمتم أني رجل منكم فقالوا صدقت ، فقال لهم كما قال هذا لحي من قريش .ولما أصبح أبو سفيان ، بعث بن حرب عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش ؛ قائلاً إن أبا سفيان يقول لكم ؛ يا معشر يهود إن الكراع والخف قد هلكا وإنا لسنا بدار مقام ، فاخرجوا إلى محمد نناجزه ، فبعثوا إليه أن هذا يوم سبت لا يعملون فيه ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم ، حتى تعطونا رهطًا من رجالكم نستوثق به ، ل اتذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمدًا.فقال أبو سفيان ؛ والله حذرنا هذا النعيم ، فبعث إليهم أبو سفيان إنا لا نعطيكم رجلاً واحدًا ، فإن شئتم أن تخرجوا فتقاتلوا وإن شئتم فاقعدوا ، ثم مشي حذيفة رضي الله عنه ، حتى أتاهم فوجد أبا سفيان يوقد نارًا ويجلس دون قومه .فلما أحس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غير قومه فقال ؛ يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فيقول حذيفة رضي الله عنه ، فضربت الذي عن يميني فأخذت يده ، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده فكنت فيهم هنيهة ، فذهبت لرسول الله صلّ الله عليه وسلم وأخبرته قائلاً ، يا رسول الله تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار ، قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا ، ولكنا نرجو من الله ما لا يرجو .