وقعت هذه القصة في المملكة ورواها لنا أحد شاهديها ، وهي عن شاب صالح توفي في حادث سير ، ففي إحدى القرى تعطلت سيارة الشاب في طريق الأنفاق التي تؤدي إلى المدينة ، فنزل الشاب وهو في كامل صحته وشبابه ليتفقد حال السيارة ، وينظر ما حل بها ويحاول إصلاحه ، وبينما هو كذلك مرت بالقرب منه سيارة مسرعة جدًا صدمته من الخلف ، ليرتطم بالأرض .كانت الضربة شديدة لدرجة أن الشاب قد أصيب إصابات بالغة ، لم يصمد بعدها كثيرًا فكانت جراحة بالخطورة التي لا يجب معها الانتظار ، ظل الشاب المسكين لينزف لبعض الوقت حتى لاحظه أحد العاملين في مراقبة الطرق ، فاستعان بزميل له وأسرعوا على الفور يطوون الطريق طيًا حتى وصلا إلى الشاب المسطح على أسفلت الطريق .حملاه على الفور إلى سيارة أحدهما واتصلوا بالإسعاف حتى يستطيعوا إنقاذه ، وبالفعل وصلت العربة بعد وقت قصير ، وطوال كل تلك الفترة التي كان ينزف فيها الشاب لاحظ الرجلان أمرًا عجيبًا ، فقد كان الشاب يتمتم بكلام غير واضح اعتقد العاملان أنه يحاول أن يقول لهما شيئًا ، ولكنه لم يكن ينظر لهما وحين اقتربا منه تبينا أنه كان يتلو آيات من القرآن رغم إصابته البالغة وإشرافه على الموت .استمر الشاب بقراءة القرآن طوال الطريق إلى المشفى ، وظل الرجلان يستمعان إليه وهم منبهرين بإيمانه الجم ، ويخيل إلى رائيهم في تلك اللحظة أنهم أقاربه أو أصدقائه ، فقد ألف الله بينهم وبينه وجعلهم قلقين عليه ويتمنون شفائه ، لحظات وانقطع الصوت لم تعد آيات القرآن تتلى في العربة ، فقد اختفى صوت الشاب وانقطعت أنفاسه .نظر إليه الرجلان في وجل فإذا به يرفع سبابته متشاهدًا ويرقد في صمت ، فأخذا يفحصانه جيدًا بصحبة الطبيب المسئول ، ولكن دون جدوى فقد خرجت الروح إلى بارئها وسلمت نفسها لرب كريم ، لم يستطيع كلا من الرجلان أن يتمالك نفسه من البكاء على هذا الشاب اليافع الذي أثر بهم ، وجعلهم يدركون أن وراء كل هذا الإيمان قصة عظيمة .وما هي إلا دقائق ووصلت العربة إلى المشفي وهناك نزلت جثة الشاب لفحصها وعمل الترتيبات اللازمة لدفنه ، وحينما سألوا الرجلان عن هويتهما حكا لهما ما حدث فحزن الجميع على هذا الشاب التقي الذي أحسن الله خاتمته وجعل أخر ما ينطق به لسانه هو اسمه سبحانه وتعالى جل جلاله .بعد ذلك توجه أحد موظفي المشفي إلى الهاتف واتصل بمنزل الشاب المتوفى حتى يعلم أهله بما حدث ، فرد عليه أخاه وبعد أن تلقى الصدمة الكبيرة في موت أخيه ، سأله الموظف عن أعماله وقال له بالله عليك يا رجل حدثني عن الأعمال التي قام بها أخيك في حياته ، فقد أحسن الله خاتمته وأبغي أن أعلم كيف كان يحيا وما الطيب الذي فعله في حياته كي يرضى الله عنه ويحزن عليه من لا يعرفه ؟قال الأخ : والله يا سيدي لقد كان دائم التفقد للمساكين والأرامل ، دائم المساعدة للمحتاجين ، ما ترك صغيرًا ولا كبيرًا إلا زاره أو عايده ، لم ينسى حلوى الصغار في القرية يومًا ليدخل السعادة والسرور على قلوبهم ، كان الوحيد الذي يزور جدته التي تعيش وحدها في القرية ، وكان يستفيد من طول الطريق في الاستماع للقرآن وحفظه .وبعد ذلك أنهى الموظف المكالمة وهو على إرادة أن يغير حياته ، ويجعل أخر أيام هذا الشاب في الدنيا هي بداية أيامها فيها ، فقد كان في موته عبرة وعظة لكثير ممن سمعوا بقصته وعرفوا بحسن خاتمته ، جعلنا الله وإياكم من المبشرين بها .