قصة مذكرات مرآة

منذ #قصص اجتماعية

لقد كان أشعث الشعر ، مزرى الهيئة ، رث الثياب ، غير أنه كان يتمتع ببدانة لم أر مثلها من قبل ، كان يمكن أن يكون أفضل من ذلك ، ولكنه معذور ، فلابد أن هناك سببا وجيها لهذا الشكل المربع الجالس أمامي ، فقد يكون السبب هو عدم توفر المال لإعطائه إلى الحلاق نظير أخذ شعره ، أو بسبب كونه مشغولًا في معظم الأحيان بجمع المال وتكديسه !مذكرات مرآة :
إنني المرآة الأخيرة في محل الحلاقة هذا ، كان الحلاق قد اختار هذا المكان لحلاقة الزبون البدين لكثرة أصدقائه المتطفلين ، لكنه رغم ذلك لم يتخلص منهم تمامًا ، لقد بدأ الحلاق برش الماء على شعره لكنه فوجئ بشعر الرجل صار مجرد كومة من الطين الدبق ، فحثه على غسل شعره قبل أن يأتي في المرة القادمة ، فدمدم البدين ببضع كلمات غير مفهومة .كنت أراقب الحلاق وهو يؤدي كل ما حفظه من حركات قديمة ومبتكرة حتى صار طول شعر الزبون لا يزيد على ربع سنتيمتر تقريبًا ، حسب ما قدرت من خبرتي الطويلة ، ربما كان سبب هذه القسوة هو رغبة الحلاق في عدم رؤية هذا الشخص والتمتع بوسامته أطول زمن ممكن .أمطرت السماء :
بعد دقائق قليلة ، رحل هذا الرجل المريع الشكل ، وانتصب أمامي مستطيل عرضه حوالي العشرين سنتيمتر تقريبًا ، وطوله يزيد عن مائة خمسة وثمانين سنتيمترا آه ! لقد جاء ما تعودت أن ألقى منه ما لا يسير ! إنه يقوم دائما بأعمال لا أستطيع فهمها أو تبريرها مثل شد الحاجة على الاهتمام بشكله : فبالأمس ظل يحاول دون جدوى أن يمنح صورته شيئًا ، من الانتظام قربه الساعة ، وعندما هم أخيرًا بالخروج أمطرت السماء !علامات الغضب والهيستريا :
أما اليوم فقد بصق عليّ رغم أنه كان يظن أنه يبصق على نفسه ، مرددًا عبارات غريبة : ما أسوأ هذا الشكل ، و بصقة عليك ! .. مما جعلني لا أتمالك نفسي من الضحك ، لقد فكرت في إمكانية تغير صورته ليقتنع بشكله ، وهذا ما استبعدت حصوله ، ولأتجنب هذا الرذاذ اليومي ، حاولت أن أفعل ذلك لكني فعلت الأسوأ : فلقد عكست صورته بحيث أصبح جذعه أنحف من عود ثقاب كبر رأسه حتى عاد كالبالون المنتفخ .تخيلت بأنه يسعد عندما يرى نفسه واقفا أمام المرآة ، كتلك التي كانت منتشرة في مدائن الألعاب ، لا أتكتم سرًا أني كنت في زمن ما واحدة من تلك المرايا ، لكني بدأت ألحظ علائم الغضب والهيستريا على وجهه .غيبوبة لم أستفق منها :
فجأة وبدون مقدمات رماني بالمشط بكل قوته ، لم أستطيع فعل شيء ولكنه لحسن حظي لم يصب قلبي بل خدش الزاوية العليا اليسرى من جسدي ، ورغم ذلك تألمت كثيرًا : تألمت لحالي ولحال هذا المخبول الذي كان يقف أمامي قبل أن يدفعه صاحب المحل بعيدًا ويبدأ الشجار معه .لم أستطيع أن أتيقن أنه تشاجر معه من أجلي ولأني خدمته طيلة خمس سنين ، وحتى هذه اللحظة ، لكنني أستطيع أن أجزم بأنه لم يكن يتشاجر إلا لأنه دفع ثمني عشرة آلاف دينار ، ثمن أربعين رأسا من هذه الرؤوس التي جلست أمامي ونهضت من مقاعدها وحاولت تهدئة الأمر ، لم أكن منتبهة حين جاءتني ضربة أخرى قوية ومباشرة ، من منفضة للسكائر كانت موضوعة على الطاولة ، لقد أصابتني في الصميم فأغرقتني في غيبوبة لم أستفق منها إلا وأنا ملقاة في مكان مظلم ، حيث لا يوجد ما أراه أو يراني ، ولم يكن هناك من صوت سوى صوت الجرذان ، التي لم أعرف لونها : أسمراء هي أو بيضاء !في الانتظار :
منذ ذلك اليوم وأنا أنتظر الساعة التي أعود فيها إلى الخدمة ، إلى الضوء ، وأظل أحلم : ربما يقطعونني قطعا صغيرة ، تفترش حقائب النساء ، أو أتحول إلى شظايا مدورة تزين ثوبا أو مبراة أقلام الحذاء ، ربما ، ربما ، وعندها سأعود لأكمل عليكم ذكرياتي !

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك