برقة هي اسم صقيع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية ، وإفريقية واسم مدينتها أنطابلس وتفسيره الخمس مدن ، بينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر ، فمن الصعب استنباط دوافع عمر وبن العاص التوسعة باتجاه الغرب ، في أعقاب فتح الإسكندرية ، فقد تكون : جزءًا من الخطة التي استهدفت مصر ، أو نتيجة لظروف طارئة واجهت القيادة العسكرية ، فارتأت ضرورة تأمين الغطاء الدفاعي للحدود الغربية ، بفتح مواقع أخرى تشغلها حاميات عسكرية ، ومراكز مراقبة ، أو نتيجة غريزة التوسع لدى القائد الإسلامي .
رؤية عمرو بن العاص للتوسعة باتجاه غرب : والواضح أن الحملة التي قام بها عمرو بن العاص في هذا الاتجاه ، والتي أثمرت عن فتح برقة وطرابلس ، قد تغريهم بالتحصن هناك والتربص حتى تحين الفرصة للثأر ، والعودة إلى مصر لاستعادتها ، فكان عليه فتح هذه المنطقة وتأمين مركز المسلمين في مصر ، وطرابلس هي مدينة في شمال إفريقية على شاطئ البحر ، ومعناها بالرومية والإغريقية ثلاث مدن .
فتح برقة : لذلك خرج بقواته من الإسكندرية في عام 22هجريًا ، الموافق 643م ، بعد أن اطمأن على استقرار الأوضاع في مصر ، وتوجه نحو برقة التابعة للإمبراطورية البيزنطية ، وتسكنها قبيلة لواتة البربرية ، لم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويًا ، بل كانت عليه سلسلة من المدن والمنازل متصلة ، وأكثر أرض خصبة ذات زرع .
شروط الصلح مع أهل برقة : كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين ، فلم يصادفوا مقاومة تذكر ، فاستسلمت المدينة ورضى أهلها بدفع الجزية ، ومقدارها ثلاثة عشر ألف دينار سنويًا ، وتضمّن الصلح شرطين ملفتين ، الأول : أنه أبيح لسكان برقة أن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم ليؤمنوا الجزية المفروضة عليهم ، ويبدو أن عادة بيع الأبناء كانت شائعة في أوساط هذه القبيلة ، فلم يحرمه المسلمون إلا على من أسلم .
الثاني : أنه كان على سكان برقة أن يحملوا الجزية إلى مصر ، حتى لا يسمح بدخول الجباة إلى بلادهم ، وأرسل عمرو بن العاص ، عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة ، وأضحى ما بين برقة وزويلة خاضعًا للمسلمين وزويلة بلدان أحدهما زويلة السودان مقابل أجدابية في البر بين بلاد السودان وإفريقية ، وزويلة مدينة غير مسوّرة في وسط الصحراء ، وهي أول حدود بلاد السودان .
الاتجاه لفتح طرابلس غرب : سار عمرو بن العاص ، من برقة إلى طرابلس ، وكان مرفأ حصينًا فيه حامية بيزنطية قوية ، فأقفلت أبوابها ، واستعد السكان للحصار الذي ضربه المسلمون عليهم ، وأملوا في تلقي إمدادات عن طريق البحر تساعدهم على الصمود .
الجهة البحرية : والمعروف أن الجبهة البحرية كانت مفتوحة وغير محصنة ، وذلك بفعل اعتمادها على القوة البحرية البيزنطية ، وانقضت عدة أسابيع دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى إمكان وصول المساعدة المنتظرة ، وتعرّض المدافعون عنها إلى الهلكة نتيجة الجهد القتال وشدة الجوع.
هجوم الجيش الإسلامي عن طريق الجبهة البحرية : وعلم المسلمون آنذاك أن الجهة البحرية خالية من الدفاعات وغير محصنة ، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك ، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المولجة بالدفاع عن هذه الجهة ، وصاح أفرادها
الله أكبر
فتردد أصداد التكبير في طرقات المدينة وأزقتها .
ولمعت سيوف المسلمين بفعل انعكاس أشعة الشمس ، فذعر المدافعون عن المدينة ، ودّبت الفوضى في صفوفهم ، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين .
فتح طرابلس : ولما رأى الحراس فرار الحامية تركوا مراكزهم ، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة، وأرسل عمرو بن العاص فرقًا عسكرية جابت المناطق المجاورة ، وسار هو على وجه السرعة إلى مدينة سبرت ، وهاجمها صباحًا على حين غرة ، وسبرت هو اسم مدينة إفريقية وهي نبارة ، وسبرت السوق القديم ، ونبارة هي قصبة لكورة طرابلس ، وذُعر السكان ، وقد ظنوا أن المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس ، واضطروا إلى فتح أبواب المدينة عند أول هجمة إسلامية ، واحتوى المسلمون على ما فيها لأنها فتحت عنوة .
عدم السماح بفتح باقي مدن شمال إفريقية : وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب ، يستأذنه في الزحف إلى تونس ، وما وراءها من شمالي إفريقية ، فلم يأذن له ، وربما خشيّ عمر بن الخطاب من تفرق المسلمين في بلاد واسعة ، ولما تثبت أقدامهم فيها .