قصة بابا ياجا : ساحرة الغابة المرعبة

---

هناك العديد من الاساطير عن الوحوش مثل النداهة والطنطل والذى يقال انهم من الجن ، وهنتك أيضا اساطير عن اشخاص عاديين تحولوا إلى وحوش بفعل السحر الاسود مثل اسطورة وحش الوينديجو الذى كان شخص عادي وتحول إلى وحش آكل لحوم البشر بسبب السحر الاسود.. لكن اسطورتنا اليوم عن ساحرة الغابة ..

تخيل معي عزيزي القارئ انك تسير فى الغابة وحيداً ليلاً ولا يوجد سوى ضوء خافت من القمر يساعدك على رؤية الطريق وفجأة تسمع صوت ضحكة عالية شريرة مخيفة مثل ضحكة الساحرة الشريرة التى كنا نشاهدها فى افلام الكرتون وتنظر في كل مكان لكي تحدد موقع الصوت ولكن كلما تقترب منه لا ترى شئ بسبب الاشجار المحيطة بالمكان ، وفى منتصف الغابة ترى سياج طويل مصنوع من عظام بشرية ومزين بالجماجم البشرية وخلف هذا السور ترى كوخ الساحرة بطلة اسطورتنا اليوم والتى تدعى بابا جايا .. و ها انت تقف امام كوخ دخله كثيرون لكن لم يخرج سوى القليل جداً .. وهذا القليل تتغير شخصيته تماماً ، أحياناً يفقد القدرة على الكلام ، وقد يمتنع تماماً عن الحديث عما رآه من اهوال في داخل هذا الكوخ .. والبعض منهم كانوا يحذرون الاشخاص وينهونهم عن دخول الغابة والاقتراب هذا الكوخ .. وفيما آخرون كانوا يحاولون اقناع أنفسهم أن ما شاهدوه ليس حقيقة.

!@!
مثل العديد من الاساطير كانت بابا يوجا تستخدم لتخويف الاطفال الحقيقة العديد من اساطير الوحوش مثل (امنا الغولة وابو رجل مسلوخة والبعبع الخ...) كان الغرض منها حمل الأطفال على التصرف بشكل لائق ، وهذا ينطبق أيضا على اسطورة (بابا ياجا) الشائعة فى روسيا واوروبا ..

بابا ياجا فى نظر البعض هي جدة الشيطان وام الارض والعظام واكلة لحوم البشر ، وأحياناً تكون الساحرة الطيبة التي تقدم المساعدة للمحتاجين إذا كانوا يستحقونها بلفعل.

تظهر البابا ياجا فى القصص السلافية القديمة وكانت مسيطرة على معظم اساطيرهم وتجسد صفات الساحرة فى معظم القصص الشعبية .. كات تستخدم هذه الاسطورة للترهيب والترغيب فى نفس الوقت ، فإذا كنت ولد سئ فسوف تأتى بابا ياجا لخطفك والتهامك اما إذا كنت ولد صالح وفزت فى تحدياتها والغازها سوف تحقق لك احلامك وامنياتك.

اول ذكر تم رصده لكلمة بابا ياجا كان فى كتاب قواعد اللغة الروسية فى عام 1755 للكاتب ميخائيل لومونوسوف وشرح كلمة بابا ياجا بمعنى الام او الجدة او السيدة العجوز ، واقرب ترجمة هى العجوز الشريرة او الساحرة العجوز.

في الحقيقة بابا ياجا لها العديد من النسخ المختلفة عن بعضها ، فهي تارة عجوز شريرة تقوم بالتهام المسافرين عبر الغابة ، وحيناً هي ثلاث ساحرات شقيقات يحملن جميعاً اسم بابا ياجا ، وفي حكاية ثالثة تظهر بابا ياجا كساحرة المستنقع الطيبة التي تقوم بمساعدة من يحتاج إليها ولكن بشرط ان يكون يستحق فعلاً هذه المساعدة ، وفي هذه القصة تقوم بابا ياجا الطيبة باختبار من يحتاج لمساعدتها وتقوم بتقديم الألغاز والمهمات وإذا نجح فى حل اللغز واداء المهمة تكافؤه بطريقة سحرية ممكن ان تغير حياته.

نحن لا نستطيع التكلم عن نموذج ثابت لـ بابا ياجا ولا نقدر ان نصنفها على انها عجوز شريرة دائماً او عجوز طيبة دائماً لأنه إذا فشل الاشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدتها فى اجتياز الاختبارات سيتحولون إلى وجبة شهية لها!.

اما بالنسبة إلى شكلها فيختلف بتنوع الحكايات ، لكن الخصائص الجسدية المشتركة بين جميع الحكايات تحكي عن سيدة عجوز قبيحة لها انف طويل مدبب وساقان نحيفتان اقرب الى سيقان الهيكل العظمى ، وبالرغم من أن هذا الوصف قد يوحي لك بأنها امرأة ضعيفة إلا أن اسنانها حادة جداً لدرجة تكسير عظام الضحية ، ويصف البعض اسنانها على انها من المعدن ، وسيقانها النحيفة تعتبر السبب لتسميتها بعظمية الساق فى قصيدة بابا ياجا التي ألفها الشاعر الروسىى نيكولاي نيكرسوف عام 1840 ، وقد حكى هذا الشاعر عن طبخ 12 سيدة شريرة مع بعضهم لكي يصنع منهم امراة واحدة فقط تمتلك نفس شر الشيطان نفسه ونتيجة هذا الفعل ظهرت ساحرة المستنقع بابا ياجا والتي اعتادت على الخروج من الجحيم إلى العالم المادي لاداء اعمال الشر قبل الرجوع للجحيم مرة أخرى لكي تأخذ مكافأتها ، ووصفها نيكرسوف على أن لديها أذن ضخمة وقرون عملاقة بارزة من جبتها ، وبدلاً من عينيها يوجد ثقوب مع جلد يشبه جلد الثعابين وانياب تتدلى من فمها الى صدرها كما هو واضح ان الشاعر يرى بابا ياجا على أنها شيطان وليست امراة عجوز .

وعلى العكس تماماً عما نعرفه عن الساحرات انهن يرتدين قبعات طويلة مدببة ويطيرون بالمكانس السحرية فإن بابا ياجا تطير بهون ضخم (مهراس أو مدقة) وان يد الهون تستخدمها كدفة لتوجيه الهون ، وبالرغم من غرابة الوصف إلا انك ستجد هذه الطريقة عملية جداً بالنسبة لساحرة تقوم بخطف الاطفال وتقوم بطحن عظامهم فى الهون ، سوف تجد انها تزين الهون بعظام بشرية او على اقل تقدير بقايا العظام ومعها أيضاً مكنسة تقوم بها بمسح آثار سيرها في الغابة او اي شئ يدل على وجودها لكي لا يصل لها أي احد ، وبالفعل بعد ظهورها في الليل واختفاءها عند شروق الشمس يقوم بعض الاشخاص بالخروج والبحث عنها والسبيل الوحيد للعثور عليها هو أن تجد كوخها الموجود فى اعماق الغابة والمرتكز على أقدام دجاج عملاقة ، وهذه الأقدام تساعدها على نقل الكوخ من مكان إلى آخر.

وحتى اذا عثر بعض الاشخاص على كوخها فلا أحد يقدر على الدخول إلا إذا قال جملة واحدة وهذه الجملة بمثابة كلمة سحرية وهي : (ادر ظهرك للغابة ووجهك لي) ويقال ان هذه الجملة هي المسئولة أيضاً عن توقف كوخ الغابة أثناء تحركه في الغابة.

بالطبع دار في ذهنك سؤال وهو ما هي حكاية الأرجل التى يسير عليها الكوخ؟ ..

الإجابة هي أن اقدام الدجاج تمثل صورة رمزية وإسقاط على سعة حيلة بابا ياجا وانها تقدر أن تستفيد من أقل الأمور مثل ارجل الدجاج ، ويرى البعض الآخر ان ارجل الدجاج ليست اكثر من مجرد جذوع اشجار ويرجع هذا الاعتقاد إلى ان السكان الاصليين لسيبيريا كانوا يقومون بتخزين الطعام في اكواخ صغيرة مسنودة على ركائز خشبية مرفوعة عن الأرض لإبعاد الحيوانات المتطفلة.

فى معظم القصص عن بابا ياجا لا يسلم من شرها وسحرها إلا نوع محدد من البشر وهم اصحاب القلوب النقية ، هولاء فقط يكونون محصنين ضد بابا ياجا او على أقل تقدير لديهم فرصة للنجاة والاستفادة من جانبها الخير.

ومن اشهر التجسيدات لـ بابا ياجا هي فى القصة الروسية (فاسيليسا الجميلة) التي تتناول حكاية فاسيليسا التى تعيش تحت ظلم زوجة أبيها وبناتها ، حيث بعد وفاة والدتها تزوج والدها من امرأة اخرى واستغلت زوجة الاب القاسية وبناتها غياب الأب بسبب ظروف عمله كتاجر واساؤا معاملة فاسيليسا وقاموا باستغلالها ابشع استغلال ، فعاشت فاسيليسا حياة صعبة وسط ظلم وقهر مستمر ، وبعد أن تقاطع طريقها مع ساحرة المستنقع تم اختبارها بمجموعة من المهمات ، ومع نجاح فاسيليسا فى تنفيذها قامت بابا ياجا بمساعدتها في رفع ظلم وقهر زوجة أبيها وبناتها فتغيرت حياتها تماماً وانتهت بزواجها من الأمير ، وتثبت هذه القصة الجانب الطيب من بابا ياجا وانها على اتم الاستعداد لمساعدة المحتاجين لها اذا كانوا حقا يستحقون مساعدتها ولكن هذا لا ينفي أنه في نفس القصة فأن بابا ياجا قامت بتهديد فاسيليسا انه إذا فشلت فى المهمات الموكلة لها سوف يكون مصيرها الموت ، أي أن الجانب المظلم والمخيف كان موجود أيضاً.