قصة عندما يطرق الموت باب بيتك


الموت ذلك الضيف الثقيل غير المرحب و الذي وُصف بهادم اللذات و مفرق الجماعات ، فهل يرسل لنا ذلك الضيف علامات تنذرنا بقدومه ؟ هذا ما سوف أحاول التطرق إليه في هذا المقال .

منذ أن أبصر أبونا آدم نور الله جل جلاله و هو يبحث عن الخلود ، و كأن الخلود غريزة في الأنسان يسعى إليها قبل أن يعلم أنه سيموت ، حتى أغراه الشيطان و وقع في المحظور في سبيل الخلود ، قال تعالى

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ

سورة طه الآية 120 ، ثم أتى أولاد آدم ليكرروا نفس الخطأ و يقعوا فريسة لشياطين الأنس و الجن من سحرة و مشعوذين لمعرفة موعد مصيرهم المحتوم .

و مع هذا قد يعطيك الموت علامات واضحة مجانية على قدومه دون الحاجة لتكبد عناء الذهاب إلى مدعين معرفة الغيب .

!@!
كتب أحد المشاركين في أحد الموقع المهتمة بالظواهر الماورائية " في إحدى الأمسيات الشتوية كنت أجلس حول المدفئة برفقة والدي و كنا نتبادل القصص و النكات مستمتعين بدفئ النار المتقدة ، و فجأة سمعنا طرق شديد على الباب ، فاستغربنا ممن قد يخرج من منزله في هذا الجو العاصف ! أستمر الطرق ثلاث مرات متتالية مما دفع أمي إلى النهوض و التوجه إلى النافذة لمعرفة هوية الطارق و أشعلت المصباح الخارجي ،

و لكن مهلاً ، لم تجد هناك أحد ! فنظرت حول المنزل لعلها تجد أثار أقدام خلّفها الطارق على الثلج المتراكم و لكنها لم تجد أي أثر و كأنه أختفى في الهواء ، عادت أمي و قد تغيرت معالم وجهها بين الرعب و القلق و هي تتمتم بكلمات غير مفهومة ، و عندما جلست سألها والدي عن الطارق ؟ فقالت : لم أجد أحد ، حتى أني لم أجد أثار أقدامه على الثلج ، إنه أمر غريب !.

فحاولت التهدئة من روعها و قلت : ربما اهتز الباب بسبب العاصفة الثلجية ، ساد الصمت لبرهه من الزمن ثم قالت : هذا نذير الموت يخبرنا أننا سوف نفقد شخص عزيز علينا قريباً ، تقول الأسطورة أن تكرار الطرق على الباب نذير شؤم ، ضحك والدي و قال : أمك مهووسة بالخرافات و الأساطير و لن تقتنع أبداً .

و بعد انقضاء تلك الليلة المشؤومة استيقظنا على خبر وفاة عمي تشارلي .

و هناك العشرات من المواقف التي يتحدث أصحابها عن قرع الباب المتكرر الذي يسبق فقدان شخص عزيز عليهم .

يعود أصل أسطورة طارق الموت

death knock

إلى عصور قديمة حيث اعتقدت بعض قبائل الهنود الحمر الأمريكية أن قرع الطبل ثلاث مرات من تلقاء نفسها نذير شؤم يدل أن أحد الأقارب سوف يموت بعد ثلاث ساعات أو أيام أو شهور ، أو أنه قد مات بالفعل ،

هذا الأسطورة لم يقتصر انتشارها على أمريكا فقط ، ففي إيرلندا و إسكتلندا يتم تعليق عصي معدنية خارج المنزل و اذا أصدرت صوتاً لأكثر من دقيقتين دل ذلك على وفاة أحد أقاربهم .

عليك العودة غداً Nale Ba :

اعتاد سكان القرى في ولاية كارناتاكا الواقعة جنوب غرب الهند على كتابة عبارة Nale ba على جدران منازلهم ، و التي " تعني عليك العودة غداً " حيث يعتقد القرويون أن هناك شبح عروس أرملة يطوف ليلاً و يطرق الباب و إذا أجابه أحد فإنه سيموت ،

و قد يخدع الشبح فريسته و ينادي عليه بصوت يشبه أحد أقاربه ، و لهذا يتعمد سكان القرى عدم الإجابة على من يطرق الباب ليلاً حتى يتجاوز عدد الطرقات ثلاث طرقات ، فالشبح لا يطرق الباب أكثر من ثلاث مرات ، و كتابة عبارة عليك العودة غداً تجعل الشبح يعود أدراجه ليعود في الغد ، و من غد إلى غد يقع في فخ التكرار و الدائرة المفرغة .

و قد أنتجت بوليوود فلم رعب كوميدي عام 2018 م يحمل عنوان Stree تدور أحداثه عن شبح فتاة تقتل رجال القرية ليلاً .

و غير بعيد عن الهند تقع مملكة تايلاند جنوب شرق آسيا ، حيث تتكرر نفس الأسطورة ، يعتقد سكان القرى في ضواحي العاصمة بانكوك أن هناك شبح أرملة تحوم حول المنازل ليلاً لتأخذ تعساء الحظ من الرجال إلى العالم الأخر لتتزوجهم ،

و لهذا نجد أن الرجال في هذه القرى يقومون بعمليات تنكر غريبة و عجيبة للنفاذ بجلودهم من ذلك الشبح القاتل ، فمنهم من ينام تحت السرير و منهم من يرتدي ملابس نسائية بل و يضع أحمر الشفاه و طلاء الأظافر ليخدع الشبح و يظنه إمرأة ، و عندما فشلت هذه الحيلة قام السكان بصنع تماثيل بلون أحمر و لها أعضاء تناسلية ذكرية و نصبها أمام منازلهم لطرد تلك الأرواح الشريرة .

قد يبدو أن ما يفعله هؤلاء القرويون أمر مضحك بالنسبة لك عزيزي القارئ ، لكن الموضوع بغاية الجدية و الخطورة بالنسبة لهؤلاء المساكين بل أنه الخط الفاصل بين الحياة و الموت كما هو حالنا اليوم مع وباء كورونا ، فمنذ عام 1983 م حتى بداية التسعينات شهدت تلك القرى عشرات الوفيات لشباب أصحاء لم يشكوا من أي مرض ، مما ساهم في انتشار الرعب من أسطورة شبح الأرملة القاتلة ، مع انتشار الغموض و الجهل كان لا بد من تدخل العلماء لسبر أغوار تلك القضية و فك لغز الوفيات الغامضة في تلك القرى ،

ليظهر وزير الصحة التايلندي في مؤتمر صحفي و يعلن أن سبب الوفيات الغامضة يعود إلى النظام الغذائي في تلك القرى ، حيث يتناول الفقراء الأرز المهروس و الممزوج بعصير السكر ، هذا النظام الغذائي الغني بالكربوهيدرات و المفتقر إلى الفيتامينات الهامة للجسم قد يؤدي إلى اضطرابات في مستوى الأنسولين مما تسبب في و فاتهم ، هذا بالإضافة إلى الخوف و الحالة النفسية السيئة ، و بالفعل فقد انخفضت نسبة الوفيات بعد تغييرهم للنظام الغذائي.

لماذا تتحقق النبوءة أو يقع شر نذير الشؤم ؟

تنتشر كثير من الأساطير و علامات الشؤم من رؤية الغراب الأسود و البوم و غيرها ، و مع أن ديننا الإسلامي قد حرّم التشاؤم و الطيرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

لا عدوى ، و لا طيرة ، و لا هامة ، و لا صفر

و قال أيضاً

من ردته الطيرة عن حاجته ، فقد أشرك

، و الطيرة يُقصد بها التشاؤم ، فقد كانت العرب في الجاهلية يطلقون الطائر فاذا طار يميناً استبشروا خيراً و اذا طار يساراً تشأموا .

و لكن لماذا يتحقق التشاؤم و تحل المصيبة ؟ في الحقيقة أن للتشاؤم طاقة سلبية قوية تتملّك عقلية الأنسان و تنعكس على قراراته مما يتسبب له بالفشل و الخسارة ، و لهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم و أمر الناس بالتفاؤل .

و هناك أيضاً نظرية يُطلق عليها " الانحياز التأكيدي Confirmation bias – " و تنص النظرية على أن الشخص المؤمن بمعتقد ما يقوم بتفسير و تذكر المعلومات بطريقة تتوافق مع أفكاره و يقوم بإنكار كل المعلومات المناقضة لما يؤمن به.

و هذا بالفعل ما يحدث مع المتشائمين فكل مصيبة يعزونها إلى رؤية طير أو حظهم مع الأبراج ، و هذا مخالف للعقل و المنطق.

كيف نفرّق بين التشاؤم و نذير الموت ؟.

التشاؤم شعور غير منطقي يرتبط بأشياء لا تضر و لا تنفع مثل طير أو برج و يصبح هوس يسجن صاحبه في دوامة من الشك و الخوف ، أم نذير الموت فإنه شعور حقيقي بالموت مثل شعور الأم بوفاة أبنها في بلد أخر فتجدها تشكو من رجفان في القلب و ألم مفاجئ ، أو رؤية الموتى في المنام ، فقد لاحظت أن كثير من المرضى عندما يدنو أجلهم فأنهم يتحدثون عن رؤية أقاربهم الموتى في المنام .

هذا بالإضافة إلى ما يُسمى طبياً بصحوة الموت ، حيث يصحو المريض من غيبوبته و كأنه قد شُفي من مرضه و يستبشر أقاربه برؤيته ، حتى أن الطبيب يشرع بكتابة تقرير خروجه من المستشفى ، و لكنه يموت بعدها بوقت قصير و كأنه كان يودع أهله قبل رحيله ، و قد رأيت الكثير من تلك الحالات أثناء عملي في المستشفى ،

صحيح أنني أعتدت على رؤية الأشخاص يموتون أمامي و لكن تظل بعض الأسئلة عالقة في ذهني ، هل نظرات المرضى الشاحبة في الفراغ قبل وفاتهم بسبب الألم الذي يشعرون به أم بسبب رؤيتهم لملاك الموت ؟.

حقيقة الموت في الثقافات الأخرى :

الموت حقيقة مطلقة يؤمن بها كل كائن حي ، و قد وصفه الله سبحانه و تعالى باليقين لأنه حقيقة مطلقة ، قال تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

سورة الحجر الآية 99 ، و يؤمن جميع معتقدي الديانات السماوية أن الموت هو ملاك موكّل من الله سبحانه و تعالى لقبض الأرواح ، أما معتقدي الديانات الوثنية فينطبق عليهم مقولة " تعددت المسميات و الموت واحد " ، فمنهم من أعتقد أن الموت شبح و منهم من أعتقد أن الموت إله و قام بعبادته ، فقد عبد المصريون القدماء أنوبيس إله الموت و العالم السفلي ، و قد نحتوا له تماثيل على شكل رجل برأس كلب ،

أما الهندوس فقد عبدوا الإلهة كالي إله الموت و الدمار ، و التي تتجسد على شكل أمرأة سوداء بلسان طويل يخرج من فمها ، و الكثير من المعتقدات و التسميات التي تختلف باختلاف الثقافات و الحضارات ، لقد جرفنا الحديث من أسطورة طارق الموت إلى الحديث الفلسفي عن الموت بذاته

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك