أصبح الاقتراع السري عنصراً مهماً في معظم الانتخابات والاستفتاءات الحديثة والتي تبدو مترادفة للغاية مع أعمال الديمقراطية فمن الصعب أن نتخيل أن هناك وقتاً لم يكن فيه الاقتراع السري وهو الحق في الإدلاء بالصوت بعيداً عن الأعين أصبح قانوناً في بريطانيا من 18 يوليه لعام 1872م .
ولكن لم تكن بريطانيا الدولة الوحيدة التي استخدمت الاقتراع السري في انتخابتها ، كانت كل من المستعمرتين الأستراليتين ، فيكتوريا وجنوب أستراليا قد وضعوا القانون عام 1856م ، وعلى الرغم من أن الفكرة كانت قيد المناقشة لسنوات في بريطانيا وضعته المستعمرتان على مدار عقد من الزمان موضع التنفيذ ، وذلك عندما تم التصويت السري في الولايات المتحدة وعرف أيضاً باسم الاقتراع الاسترالي ” Australian Ballot ” كانت الانتخابات غير معروفة قبل إقرار قانون الاقتراع السري ، وكانت مثل أيام التصويت الحديثة في إتباع نفس الصيغة الأساسية : الناخبون يدخلون كشكاً خاصاً ، ويضعون خياراتهم على ورقة اقتراع ثم يقدمون بطاقة الاقتراع بطريقة يمكن لأي أحد من خلالها إقناع الناخب بالتصويت لشخص معين ، وكانت الانتخابات قبل قانون الاقتراع لعام 1872م شأن عام .
تطور الشكل وبدأ الناخبون يدخلون جناح الاستطلاع ويعلنون عن أسمائهم ووظائفهم ومؤهلاتهم لموظف الاستطلاع أو الانتخاب ، وبمجرد تسجيل المعلومات سيطلب الكاتب رغبته في التصويت ثم يسجل الاختيار في صندوق الاقتراع ولم تكن هنالك أي شكل من أشكال الخصوصية في التصويت ، وكان التصويت حينها مشهداً عاماً ، كان الناخبون والمرشحون والمتفرجون يتجمهرون حول الأكشاك وكانوا قادرين على معرفة اسم المرشح الذي اختاره الناخب .
كانت مراكز الاقتراع في أوائل القرن التاسع عشر أماكن صاخبة ومخيفة وعنيفة في بعض الأحيان ، اندلعت عدد من الأحداث المتطرفة مثل حدث عام 1868م عندما تم ركل الناخب من حزب المحافظين حتى الموت في بلاكبيرن ، في كثير من الأحيان ، كان يتعين على الناخب أن يضع تصويته تحت وابل من التهديدات والحجج الساخنة بين المرشحين ، وكانت محاولات الرشوة شائعة أيضاً ، لاسيما في الدوائر الانتخابية المثيرة للجدل أو الحاسمة .
ومما جعل الوضع أكثر سوءا ، فإن كتاب الاقتراع الرسمي الذي يحمل أسماء وعناوين المرشحين واختيارهم من الناخبين كان يباع في الغالب إلى الصحف بعد الانتخابات ، مما يعني عدم وجود أي شيء من السرية أو الخصوصية للناخب ، وأدى الافتقار للخصوصية هذا لتقويض الديمقراطية في بعض الدوائر الانتخابية مما جعل أرباب العمل وأصحاب العقارات إرغام موظفيهم على التصويت لشخص ما فمع سهولة الوصول للسجلات جعل العقوبات سهلة عليهم .
وفي النهاية فقد سمح ذلك للأثرياء وأصحاب الأعمال بتوجيه مسار الانتخابات وعلى المستوى الشخصي كان التصويت بناء على الصداقة وعلى مستوى الأسر والزملاء دون أي اعتبار للمصلحة العامة .
وفي القرن التاسع عشر والذي كان مليئاً بالإصلاحات الانتخابية وخاصة في المملكة المتحدة ، تم تمرير قانون الاقتراع السري في المرة الأولى لرئيس الوزراء ويليام جلادستون وهو محور السياسية البريطانية الجديدة ، وعلى الرغم من أن قانون الإصلاح لعام 1832م قد زاد بشكل كبير من الامتياز مما منح عدداً أكبر من الناس التصويت في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى ، فقد أعطى الاقتراع السري هذه الحرية الانتخابية الجديدة في كيفية تصويتهم واختيارهم للمرشحين .