قصة اغتيال

منذ #قصص بوليسية

ارتفعت الشمس في السماء في ذلك اليوم من أيام شهر يونيو الحارة ، وعلى الرغم من حرارة الطقس ، استلقى أحد الرجال المتشحين بالسواد على بطنه فوق سطح احدى المباني العالية في ذلك الحي المشهور من أحياء العاصمة اللبنانية الشهيرة .القناص والبندقية :
وبهدوء مسح الرجل العرق المتصبب على جبهته وهو يفرغ حقيبته سوداء اللون ، ذات شكل خاص والتقط منها مشطًا صغيرًا ، يحمل خمس طلقات طويلة نحاسية اللون ، وأمسك بإحدى الطلقات وهو يتأمل شكلها في صمت للحظات ، ثم وضعها في المكان المخصص لها داخل البندقية ، ليدفعها في ماسورة البندقية مطلقة صوتًا معدنيًا مميزًا ، تبعته ابتسامة خفيفة ، وكأنه يتمتع بسماع ذاك الارتداد المعدني .القناص والفتاة :
واقترب بعينه اليمنى ليلقي نظرة فاحصة عبر المنظار المعدل ، وأسرع يدون بعض الأرقام في سرعة وحنكة ، ليمد يده في سرعة إلى تلك الفتاة التي رقدت هي الأخرى بجانبه لتقرأها في سرعة بصوت مسموع ، وهي تضع المنظار الضخم على عينها لتقول له في اهتمام وتركيز شديدين : الرياح الآن شمالية شرقية ، تسير في متوسط 8 كيلومتر في الساعة ، ستحتاج إلى مراجعة الحسابات على المعطيات الجديدة ، لتحصل على إصابة مباشرة على المسافة المحددة .ساعات الانتظار :
ومن دون أن يلتفت إليها القناص ، أخذ يراجع الحسابات الجديدة ، ويعدل من وضعية المنظار وهو يطبق صفيرًا بلغته الأم حتى التفتت إليه الفتاة ، قائلة في حدة : كفى عبثًا ، وقم بالتركيز .ضم القناص شفتيه في حنق وفتح جهاز الارسال ، وجلس ينتظر في صبر ، مرت دقائق طويلة ، وحاولت الفتاة عبثًا أن تجفف ذلك العرق المنهمر وابتسم القناص بالرغم منه ، حتى ارتفع هذا الصوت الخشن من جهاز الإرسال قائلاً : استعدوا .. الهدف سيظهر لكم في غضون ثلاث دقائق .ظهور الهدف :
وفي حركة سريعة ، أدار القناص صمام الأمان للبندقية وقام بإدارة القبعة التي يرتديها إلى الخلف وحبس أنفاسه قليلًا ، ثم بدأ يأخذ أنفاسه بطريقة منتظمة في انتظار الهدف ، وللحظات خيل للفتاة أنه لم يعد يشعر بأية مؤثرات خارجية ، وقد تحول إلى قطعة من الصنم على سطح البناء ، حتى لاح لها الموكب في الأفق ، وصوب القناص ذبابة العدسة الخاصة بالبندقية على السيارة التي تتوسط الموكب متابعًا إياها حتى توقفت أمام ذلك المتحف ، وترجل الجميع من الموكب ، وظهر الهدف بشعره الأبيض الوقور وابتسامته الرصينة ، وعاد القناص لحبس أنفاسه من جديد وهو يداعب الزناد بسبابته في هدوء بالغ .واستمرت المراسم وهو … ينتظر وينتظر ، حتى تقدم الهدف من المنصة ، وتقدمت تلك الفتاة الصغيرة التي تحمل باقة من الورود ، وانحنى الهدف يقبل الطفلة ويحملها وهو يواجه كاميرات الإعلاميين ، سطعت أضواء الكاميرا في المكان بشدة ، وهتفت الفتاة : الآن .الرحمة والحزم :
لكن مشاعر القناص توقفت تمامًا ، وهو ينظر لوجه الفتاة وقد عجزت سبابته عن ضغط الزناد ، فقد كانت الأوامر تقتضي اغتيال الهدف أمام كاميرات الاعلاميين والصحافة ، وذلك لصنع الضجة اللازمة بعد تصفية الهدف ، وعادت الفتاة تكرر في عصبية : ماذا تنتظر! الهدف واضح !نظر القناص إليها مجيبًا في حزم : لن أطلق النار على الهدف ، وهو يحمل تلك الفتاة . استلت الحسناء مسدسها من حزامها ، وهي تصوبه نحوه في عصبية وهي تصيح : قلت لك أطلق النار ، ابتسم القناص وهو يتحسس سلاحه هو الآخر قائلًا : هل ستقتلين أحد أفضل القناصين بسلاح الاغتيالات الإسرا .اغتيال :
بتر القناص عبارته مع صوت الرصاصة التي انطلقت من كاتم الصوت الذي تحمله الفتاة في سلاحها ، وجحظت عيناه في ذعر غير مصدق ليسقط جثة هامدة ، وفي هدوء مدت الحسناء يدها إلى جهاز الإرسال لتبدل موجة الإشارة في هدوء ، ثم هتفت قائلة : لقد رفض .. س 1 ، التعامل مع الهدف ، وتم التخلص منه ، وألقت جهاز الإرسال وهي تنظر إلى جثة القناص في ازدراء لتنهض مستطردة في حنق : أيها الأحمق ..قتل بدم بارد :
واستلت جهازًا آخر من حزامها وهي تلقي نظرة لا مبالية على الهدف ، وتضغط على الزر الأحمر في جهازها بكل قوتها ، ليدوي الانفجار ويهز أرجاء ذلك الحي اللبناني العريق بصوت مدو يصم الآذان ، تناثرت على أثره أشلاء جميع الأشخاص في تلك البقعة ، تبعها صوت تهشم الزجاج المقابل لذلك المتحف ، ليتحول المكان إلى قطعة من الجحيم ، وفي هدوء مستفز غادرت الفتاة المكان ، غير مبالية بما فعلته منذ ثوان لتضع جهاز الإرسال في جيبها .. هذا الجهاز الذي يحمل شعارًا خاصًا لجهاز المخابرات الإسرائيلية .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك