ما تزرعه في الصغر ، تحصده في الكبر هذا ما ينبغي ، علينا جميعًا أن ندركه سواء شئنا أم أبينا ، خاصة إذا ما تتبعنا السير الذاتية لأعتى من اشتهروا ، في عالم الإجرام والسجون ، وتشارلز مانسون أحد أولئك المجرمون .بالطبع مر مانسون بطفولة غير طبيعية ، فهو ابن لسيدة تدعى كاثليين مادوكس ، واسمه الحقيقي تشارلز ميلز مادوكس ، وكانت أمه تمتهن البغاء ومدمنة على الكحول ، وتعيش حياة لاهية حيث كانت تبلغ من العمر سبعة عشر عامًا فقط ، ولا تكسب رزقها سوى من مهنة الدعارة تلك .بعد فترة تزوجت كاثلين من رجل آخر ، وقامت بإيداع ابنها تشارلز إحدى المدارس ، الخاصة للبنين ولكن ما لبث أن فر منها ، ليرتمي في أحضان أمه الضائعة تلك ، والتي لم تحسن استقباله وطردته ، ولم يعثر لها على أثر قط بعد ذلك .قضى تشارلز طفولته في أحضان الشوارع ، فكان بيتًا له ينام ويمرح ويأكل ويشرب فيه ، وبالطبع ساعدت تلك الظروف مجتمعة على تفجير مجرم ، من أعتى المجرمين وقضى نصف عمره مسجونًا بين القضبان .عندما بلغ تشارلز السابعة عشرة من عمره ، تزوج من فتاة تعيسة الحظ التقت به لدى بعض الأصدقاء ، ثم انتقل برفقتها إلى كاليفورنيا وحملت منه ، ولكن شوقه إلى الجرائم كان يسري في عروقه ، حيث كان قد تم سجنه من قبل في قضايا سرقة سيارات ، وما يلبث سوى عام واحد خارج السجن حتى ألقي القبض عليه مرة أخرى بسرقة سيارة عام 1956م .كان الفترات التي يخرج منها تشارلز إلى خارج السجن ، لبضعة أشهر تحت المراقبة ، يمتهن هو خلالها تجارة المخدرات والدعارة والسرقة وغيرها من المهن القذرة ، التي يمكنها أن تدر عليه ربحًا سهلاً ويسيرًا ، وتم إيداعه بسجن ماكنيل المحصن ، حيث بدأت ملامح شخصيته الشرسة في الظهور منذ هذا الوقت تحديدًا ، فقام بارتكاب أولى جرائم الاغتصاب ، تجاه أحد زملائه بالسجن ، حيث هدده بموس الحلاقة ليخضع له زميله !أمضى تشارلز بالسجن عشرة أعوام ، ثم خرج عام 1967م لينضم إلى عدد من الطوائف العقائدية والجماعات المنحرفة ، التي اختص معظمها بالتمييز العنصري والتعصب الوطني ، حيث كانت فترة الستينات من القرن المنصرم هي منبع تلك الخرافات والتوجهات المتخلفة .كان تشارلز قد بدأ يذهب إلى الكنيسة ، ويسمع دروسًا عن الحرب بين قوى الخير والشر ، فبدأ يمحور أفكاره الشريرة السادية عن القتل ، ويحاول أن يجد لها أسبابًا قوية ، ومبررات مقنعة له من أجل التنفيذ .بدأ تشارلز في تكوين فريقًا أو جماعة من تابعيه ، لهم نفس أفكاره وتوجهاته المنحرفة ، وعندما ازداد العدد حملهم تشارلز وذهب إلى مزرعة نائية في مدينة سان فرانسيسكو ، حيث بلغ أتابعه المائة وكان أغلبهم من المراهقات ، حيث كان يسهل السيطرة عليهن .خلال مكوثه بمزرعته في سان فرانسيسكو ، استطاع تشارلز أن يستقطب عددًا آخر من المراهقين ن وأقم العديد من حفلات المجون وتعاطي المخدرات ، وحبوب الهلوسة وغيرها وكان يلقي محاضراته عليهم ، ويحدثهم عن معركته الفاصلة في المجتمع .كان تشارلز يسمي مجموعته العائلة ، وكان هو بالنسبة لهم أشبه بالرسول أو القديس الذي لا يخطئ ابدًا ، حيث شجع تشارلز تلك الصورة لديهم بقوة ، ثم استقر تشارلز عقب عدة جولات برفقة العائلة ، في مزرعة أخرى خربة تسمى مزرعة سبان ، لينطلق من خلالها إلى مهمته الكبرى كما أسماها .وضع تشارلز خطته أخيرًا موضع التنفيذ ، واختار ثلاثة فتيات هن سوزان أتكينز ، وباتريشا كرينوينكل وليندا كاسابيان ، وطلب منهن تأمين الملابس والأسلحة والأدوات الحادة ، بالإضافة إلى فرد آخر يدعى تكس .وتوجهوا جميعًا إلى هدفهم ، الذي كان يعرفه تكس فقط ، ولا تعرف الفتيات ما الذي سوف تشاركن به ، ثم توقفت السيارة عقب حوالي الساعة أمام منزل الممثلة شارون تيت ، تلك الجميلة ذات السادسة والعشرون ربيعًا من عمرها ، والتي شاركت في فيلم وادي الدمى .كانت شارون تقيم برفقة زوجها وكانت في هذا الوقت حاملاً بطفله ، بينما كان هو في لندن يستعد للتحضير لفيلم جديد ، بينما كانت شارون في المنزل بصحبة امرأة تدعى أبيجيل فولجر ، وصديقها ومصفف الشعر الخاص بشارون .قام تكس وأفراد العائلة بقطع خطوط الهاتف ، ثم تسلقوا التلة خلف المنزل ، ليفاجأ تكس بوجود سيارة أمام المنزل ويهبط منها شخص ، فقام بقتله وكان هو أول ضحايا المذبحة التي حدثت في تلك الليلة ، وكان صبيًا صغير السن ، تواجد فقط في المكان الخطأ في تلك اللحظة .ثم انطلق أفراد العائلة جميعهم عدا فتاة واحدة ، ظلت بالخارج بالسيارة وبدؤوا في الشروع بطعن كل من في المنزل ، بالأدوات والسكاكين الحادة ، في مذبحة بشعة حيث انهالت الطعنات وسط الصراخ والعويل ، وفي النهاية خلفوا جثثًا لكل من بالمنزل بلغت عدد الطعنات بها ، مائة وعشرون طعنة وكانت شارون آخر من لفظ أنفاسه بالمنزل .في صباح اليوم التالي ، اكتشفت خادمة شارون الجريمة وأبلغت رجال الشرطة ، الذين أخذوها يجوبون في المكان ، لمعرفة القاتل بينما أشار تشارلز لأفراده بأنهم قد أحدثوا فوضى كبيرة ، وطلب منهم إزالة آثار الدماء عن ثيابهم ، والسيارة وقرر أن يهذب بنفسه في المهمة التالية ، وبالفعل انطلق برفقة منفذو المهمة الأولى ، وطلب من إحدى الفتيات اختيار الضحايا التاليين واختارتهم بالفعل ، لينطلق تشارلز برفقة أفراده نحو الضحايا الجدد ، من أجل الإجهاز عليهم .في اليوم التالي للجريمة التالية ، عثر رجال الشرطة على رجل مطعونًا حوالي 12 طعنة متفرقة ، بالإضافة إلى زوجته ، مع وجود عبارات مكتوبة بدماء الضحايا ، مثل انهضوا والموت للخنازير ، وهلتر سكلتر !لم يتمكن رجال التحقيقات من العثور على الجناة ، قرابة الشهر سوى بالمصادفة ، حثي قامت الشرطة بحملة على المزرعة التي تختبئ فيها العائلة ، إثر بلاغ قد وصل إليهم بشأن ارتكاب عمليات سرقة ، وتخريب وهكذا فتم إلقاء القبض على أربعة وعشرين شخصًا منهم ، وكان تشارلز من بينهم وسوزان أتكينز .أثناء تواجد سوزان بالسجن ، أخبرت إحدى النزيلات ، بوقائع الجريمتين والتي نقلت بدورها الأخبار لنزيلة أخرى ، ذهبت لرجال الشرطة وأخبرتهم بتلك التفاصيل .في هذا الوقت كان رجال الشرطة ، يحققون في مقتل الرجل وزوجته ، فيما عرفا بضحايا جريمة لابيانكا ، وكانت تدور التحقيقات مع أحد أعضاء فرق سرقة الدراجات النارية ، وتبين للشرطة أن تشارلز قد حاول ضمه إلى العائلة ، ممنيًا إياه بأية فتاة يختارها من العائلة ، وأخبر آل سبرينجر الشرطة بواقعة مقتل شارون تيت ، والتي تطابقت تفاصيلها مع ما أدلت به النزيلة ، التي استمعت للتفاصيل من سوزان ، وبمضاهاة الأقوال تم التعرف على مرتكبي الحادثتين ، وإيداعهما معتقلاً وسجنًا خاصًا .تمت محاكمة المتهمين من خلال محاكمات كبرى ، شهدها الرأى العام في عام 1969م ، وتم خلالها الحكم عليهم جميعًا بالإعدام باستثناء ، المتهمة كازبيان والتي ساهمت مع الشرطة في إلقاء القبض ، على المتهمين والذين فوجئوا بأن ولاية كاليفورنيا ، قد ألغت عقوبة الإعدام لذلك أسقط الحكم عنهم جميعًا ، ومن بينهم تشارلز مانسون الذي كان ينتظر الإفراج عام 2007م المنصرم ، ولكنه لم يخرج في ذلك الحين ، ولقي حتفه في السابع عشر من الشهر الجاري لعام 2018م .