يُحكى أن فلاحًا ميسور الحال كان يعيش مع زوجته وأولاده الخمسة في قرية من قرى من المدينة ، وكان هذا الفلاح يقتات من زراعة الأرض وينفق من خيرها على أسرته ، ولكن في أحد مواسم الزراعة انحبس المطر ولم يسقط كعادته ويسقي حقله الصغير ، فحزن الفلاح لذلك حزنًا شديدًا وأخذ يغني متوسلًا المطر للنزول ، ولكن المطر لم ينزل .فلازم الفلاح بيته وأصابه الهم واليأس ، وعز على زوجته أن تراه على تلك الحال فأخذت تواسيه وتنصحه ألا يستسلم لسوء حظه ، ويسعى في الأرض بحثًا عن رزقه الذي كتبه له الله عز وجل ، لم يكترث الفلاح بكلام زوجته وأخذ يسخر مما قالته له فقد جف حقله وأكلت العصافير الحبوب التي وضعها فيه .ولكن الزوجة لم تيأس وعادت من جديد تحث زوجها على الخروج والسعي في الأرض بحثًا عن رزقه ، وأخيرًا اقتنع الزوج بنصيحة زوجته ، وقرر السفر إلى خارج بلدته بحثًا عن بابٍ جديد للرزق ، وخلال رحلته تلك قابل العديد من المشقات والأهوال حتى وصل إلى قصر السلطان .وهناك وقف على بابه يستأذن الحارس في الدخول ولكنه حاول منعه ، فسمع السلطان صوتهما وطلب من الحارس أن يأذن له في الدخول ، ولما دخل الفلاح على السلطان سأله عما يريده ، فقال الفلاح : يا مولاي لقد جئتك من قرية بعيدة بعد أن ضاق بي الحال وأود أن تسمح جلالتكم لي بالعمل في الزراعة حتى أقتات أنا وأسرتي من خيرك .فقال له السلطان : ولكني لدي ما يكفي من المزارعين لذا ما رأيك أن تعمل في مهنة أخرى ، فأنا أحتاج عاملًا لتكسير الصخور والاستفادة منها ، فوافق الفلاح على عرض السلطان وأخبره السلطان أن يمنح العامل دينارًا من الذهب كل أسبوع أجرًا له على عمله .فأطرق الفلاح رأسه مفكرًا ثم أخرج من جيبه منديلًا صغيرًا مطرزًا ببعض الخيوط الملونة ، وقال للسلطان : ما رأي مولاي أن يعطيني وزن هذا المنديل ذهبًا في نهاية كل أسبوع ، فضحك السلطان كثيرًا وأخذ يسخر من تفكير الفلاح الساذج ، فوزن المنديل خفيف جدًا مقارنة بالدينار الذهبية .ووافق السلطان على اقتراح الفلاح الذي بدأ العمل بالفعل في تكسير الصخور ، ولأن هذا العمل شاقٌ جدًا كان الفلاح يتعرق كثيرًا ، وكان كلما نزل العرق على جبينه أخر منديله المطرز ومسح به عرقه المتساقط ، وظل الفلاح يعمل بجد واجتهاد طيلة الأسبوع وكان العرق يتصبب منه كحبات المطر المنهمرة ، فأخذه يمسحه بالمنديل حتى انتهى الأسبوع وجاء موعد دفع أجرة الأجير .دخل الفلاح على السلطان ومعه منديله الصغير ، ثم وضعه في كفة الميزان كي يزنه الملك ويدفع له وزنه ذهبًا ، فاندهش السلطان حينما وجد أن وزن المنديل يساوي عشرة دنانير ذهبية ، حتى أنه ظن أن الميزان به خطب ما أو أن هذا الفلاح ما هو إلا ساحر ماكر ألقى بتعويذته على المنديل فأثقل وزنه .وأراد السلطان أن يحاسب الفلاح على فعلته فهدده بالسجن أو القتل إن لم يعترف بما فعله في ذلك المنديل ، فابتسم الفلاح في ثقة وهدوء وقال يا مولاي السلطان : القصة ليس فيها من السحر شيء ولكنها تتلخص في عرق الإنسان .فإن عمل الرجل عملًا شريفًا بكل تفاني والخلاص فإن عرق جبينه وقتها سيزن الكثير ، اقتنع السلطان بما قاله الفلاح وقال له : لقد استحققت الدنانير العشرة عن جدارة ، بارك الله لك في جهدك ومالك أيها الفلاح الطيب ، فشكر الفلاح السلطان وغادر وهو سعيد مسرور إلى زوجته وتبدلت حياتهم من ضيقٍ إلى سعادة ورخاء .