قصة الحفرة

منذ #قصص اجتماعية

انقلبت السيارة ، وانقلب معها عالم فاطمة ، يمكن للحكاية أن تبدأ من هنا ، من لحظة الحادث ، عندما صار للواقع أنياب كثيرة ، وهي ترتدي بيجامتها الوردية اللون ، وتغمس رقائق البطاطا بالشطة وتشاهد التلفاز ، وكانت تبلغ من العمر الثالثة عشرة .الحادث والفاجعة :
كانت الأمور تبدو على أنها على ما يرام ، عندما بدأ الكبار يتهامسون ، ويجففون دموعهم بأكمامهم ويتعانقون ، ويتداولون بأقل قدر من الضجة خبر موت والديها ، في ذلك الحادث المروع ، حتى تلك اللحظة ، كانت تغمس سبابتها في الشطة وتقوم بامتصاصها ، وكأن كارثة لم تحدث .تساؤلات وحيرة :
كانت فاطمة تتساءل في نفسها قائلة : ما بهم الكبار ، لماذا يتوافدون إلى البيت ويبكون ، ولماذا يهمسون هكذا ؟ ، ذهبت فاطمة لتتلصص ، فتسللت حبواً واختبأت خلف الباب  وأصغت السمع ، وتعرفت على كلمات جديدة ، جثمان ، مغسل ، موت سريع ، طريق عرعر ، سمعت شهقات ونشقات وأصوات انتزاع المناديل من العلب ، لم تكن تعرف حتى تلك اللحظة ، بأن الفجيعة تخصها أكثر من جميع الموجودين .التعاطف من الجميع :
عندما همت امرأة عمها بإغلاق الباب ، انتبهت إلى وجود فاطمة خلفه فشهقت ، ولوهلة شعرت فاطمة أن امرأة عمها سوف تقوم بتوبيخها ، على تلك العادة السيئة المعروفه باستراق السمع ، ولكنها لما رأتها لم تفعل ذلك ، بل عندما رأتها غطت فمها بكفيها وأجهشت بالبكاء الحار وهي تقول : حبيبتي فاطمة !هكذا دون مناسبة ، تسمرت فاطمة في مكانها ، وهي تنظر إلى امرأة عمها ، وتنظر لجميع الموجودين وهي تسمع أشياء بلا معنى ، فسمعت أحدهم يهمس ويقول لأخيها غير الشقيق : هل عرفت فاطمة بما حدث ؟ ، فأجاب أخيها : لا ، فتساءل الشخص مرة أخرى : وماذا ننتظر ، الله يكون في العون ؟طلبت إحدى القريبات الذهاب معها إلى فوق ، فتساءلت فاطمة لماذا ؟ ، فقد كانت تريد أن تشاهد الكبار وهم يبكون ويفقدون قوتهم ، وقالت قريبتها : تعالى نلعب يا فطومة ، هل عندك ألعاب تريني اياها ؟! ، فقالت فاطمة في نفسها : إنها امرأة مجنونه ، هل تراني فى الخامسة من عمرى ؟!أخيها غير الشقيق :
ثم وصل أخاها غير الشقيق ، أخيها الكبير ، الذي يكبرها بفارق سن ست عشرة سنة ، مربوع القامة ، عريض البنية ، ضخم اليدين ، أحمر الوجه ، كث اللحية ، ويرتسم خطوط طولية بين عينيه ، وثلاثة خطوط عريضة على جبينه ، احتضنه أعمامها ، قائلين له : البقاء براسك ، عظم الله أجرك ، الله يرحم أباك .ادراك الفاجعة :
ثم تساءلت : بابا !! هل بابا مات ؟ ، اعتصر البكاء وجوههم ، وأوشك أن يحط على وجه فاطمة ، فمال أخيها بجذعه ، ونظر إليها بعينيه الحمراوات ، وقال لها : أبوك وأمك يا فاطمة ، في ذمة الله ، قولي الله يرحمهما ، فقالت له : بابا الله يرحمه ، وماما الله يرحمها ، وماما وبابا الله يرحمهما ؟!الاعتراض والحفرة :
شعرت فاطمة أنها سقطت في الحفرة ، والحفرة التي سقطت فيها موجودة في داخلها ، الحفره هى نفسها ، السقوط هو نفسها ، وأصبحت السقطات في حياتها لا تنتهي ، فركلت وضربت بقبضتها ، فضمها أخيها غير الشقيق على صدره بقوة قائلًا لها : هششش ، اهدئي ولا تخافين لن أتركك وحدك ، سوف تأتين معي وسوف أهتم بك ، وبالفعل اهتم بها ، اهتم بها لدرجة أنها أصبحت شغله الشاغل ، اهتم بها حد تفتيها من الداخل بطباعه الغريبة المتشددة .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك