الأمر شديد الصعوبة حين تجبر على التعامل مع شخص مصاب بالوهم طوال الوقت ، شخص لا يشغل باله إلا أوهام في خياله ، أوهام لا أساس لها من الصحة ، شقيقتي الصغرى عمرها خمسة عشر عامًا فقط ، وتحيا طوال يومها وليلها في أوهام .والدي ووالدتي توفيا في حادث من خمس سنوات ، منذ ذلك الوقت أجبرت على أن أهتم بشقيقتي الصغري ، فقد كنت أشعر أنها ليست شقيقتي فحسب بل هي بمثابة ابنتي ، كنت أحب أن أراعيها وكنت أشفق عليها كثيرًا ، فقد كانت حين توفي والدي ووالدتي فقط في العاشرة من عمرها .كانت حياتنا مستقرة أنا أذهب إلى جامعتي وهي إلى المدرسة وكل شيء بخير ، كانت الحياة صعبة لأنني لم أكن معتادة على المسؤولية ، لكنني كنت أبذل أقصى جهدي حتى لا تشعر أن هناك شيء ينقصها ، حتى إن كان ذلك يعني أن أهمل في دراستي أو أضغط على نفسي ، لم أكن أبالي .تخرجت من الجامعة وبدأت العمل ، كان عملي قريب من المنزل ، ولذلك كنت أذهب لأتناول معها الغداء في وقت الراحة ، وحين أنتهي من عملي أذهب مباشرة إلى المنزل لأذاكر معها دروسها وأتحدث معها وأقضي معها الوقت حتى لا تحزن .كان كل شيء على ما يرام إلى أن بدأت دراستها الثانوية ، حيث أني كنت حينها قد ترقيت في عملي ، وقررت أن انتقل إلى فرع أخر ، وبالتالي كان لابد أن ننتقل كلانا ، حينها قررت أن نأخذ منزل جديد ، وكان لابد أن تنتسب شقيقتي إلى مدرسة جديدة ، لم يكن الأمر يعجبها ، لكني لم أستطيع الرفض .فمنصبي الجديد أفضل وراتبي أفضل ، لم تكن الشقة الجديدة سيئة بل كانت في مكان أفضل من منزلنا القديم ، وبجوارنا العديد من المحال التجارية والأماكن المناسبة للتنزه ، كذالك لم تكن المدرسة سيئة بل كانت أجمل وأفضل من المدرسة التي ستذهب إليها ، لكن على الرغم من ذلك كنت أراها غير سعيدة بالمرة .بدأت تتغير بشكل كبير بدأت تستعير ملابسي وأدوات التجميل الخاصة بي ، كنت أعتقد أن الأمر مجرد تمرد بسبب المراهقة ، لكن الأمر بدأ يتغير حين صارت تسرق من أموالي ، حاولت أن أتجاهل الأمر مرة ومرة أخرى ، لكن في المرة الثالثة تحدثت إليها بكل صدق وطلبت منها أن تطلب ما تشاء بدلًا من السرقة .تحدثت إلي حينها بطريقة سيئة اتهمتني بأنني أسرقها وبأنني أحرمها من كل شيء ، على الرغم من أني لم أكن أصرف قرشًا واحدًا من أموالها ، كنت أحتفظ بها في البنك ، وأنفق من أموال عملي .وبدأت مشكلاتنا تزداد وبدأت تتهمني بأني أتجاهلها عمدًا لأجعلها تغادر المنزل ، حاولت كثيرًا أن أقنعها أن لا شيء من هذا صحيح ، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد صارت نزاعاتنا يومية ، و تقريبًا انقطع الحديث بيننا ، وفي أحد الأيام تأخرت كثيرًا بعد المدرسة ، حاولت كثيرًا أن أتصل بها لم تجيبني أبدًا ، يومان كاملان لا أعرف ماذا حدث لها ، لم أترك مستشفى بالمدينة كلها إلا وذهبت لأطمئن عليها ، ذهبت إلى المدرسة وتواصلت مع معظم زميلاتها .وهنا عرفت القصة كلها ، عرفت أن شقيقتي تعرفت على أسوأ ثلاث فتيات في المدرسة ، وهن من دفعها لكل ما حدث بيننا ، لا أنكر أنها كانت حزينة بالانتقال إلى منزل جديد وإلى مدرسة جديدة ، ولا أنكر انشغالي عنها بعملي ، ولكن ليس لدرجة أن تتمرد علي بهذا الشكل ، أن تتركني أكاد أموت وأنا لا أعرف عنها أي شيء .بعد أن وصلت المنزل كنت أشعر بالحزن والإحباط ولكن وصلتني مكالمة من قسم الشرطة يخبرني أن شقيقتي هناك ، حين ذهبت إليها كنت أشعر بالصدمة والغضب كيف لها أن تصل إلى قسم الشرطة !! كيف لها أن تفعل بي هذا !!أخذتها معي إلى المنزل ، لم أنطق بكلمة واحدة طوال الطريق ، كانت هي تبكي بدون توقف ، عرفت من ضابط الشرطة أنها كانت تبيت في منزل واحده من زملاءها ، وهذا المنزل مشبوه بالكثير من الرذائل ، ولكنها حين قبض عليها كانت بغرفة مع زميلتها وكانت نائمة لا تدري ما يحدث بالخارج .ثلاثة أيام تجلس هي في غرفتها تبكي حتى تنام ، لا تأكل ولا تشرب فقط تبكي وتنام ، لم أحاول أن أقترب منها ، ولم أحاول أن أتحدث إليها ، لم يكن لدي أي شيء يمكن أن أقوله لها !!وفي اليوم الرابع كنت أجلس بغرفتي حزينة مشتتة حين طرقت علي باب الغرفة ، ودخلت إليها لتتحدث معي اعتذرت كثيرًا ، أخبرتني أنها تشعر بالندم على ما حدث منها في الأيام السابقة ، أخبرتني أن اليوم الذي قضته خلف القضبان جعلها تعيد تفكيرها في كل شيءاعترفت أنها تمردت بسبب زميلات السوء ، كن يوسوسن لها بالكثير من الأشياء السلبية ، ويخبرنها أن شقيقتها تسرقها ، كن يحرضنها على حتى كرهت الحياة معي ، وقررت أن تترك المنزل تمامًا حتى تجبرني أن أعطيها أموال أكثر !!منذ ذلك اليوم تغيرت شقيقتي ، وعادت الفتاة التي ربيتها واهتممت بها ، انتهى عهد تمرد المراهقة وعدنا من جديد كما كنا ، ابتعدت عن كل سيئ في حياتها وتقربت مني أكثر ، أنا أيضًا أعطيتها مزيدًا من الاهتمام ، مراهقة صعبة لكننا نحمد الله أنها مرت بسلام وأنتهي الأمر.