حرص بضعة شبان من الحي على اللقاء كل مساء ، في منزل مميزاً وكان ما يميزه أنه ترك بدون دهان ، وظل مظهر الطوب الأحمر يغلب على المنزل ، وكان في داخله غرفتان صغيرتان ، ويملك ذلك المنزل الشاب خليل مرزوق ، وقد آل إلى ذلك المنزل بعد وفاة جدته منذ سبعة أعوام ، ربما كان وريثها الوحيد وكان خليل ينادي جدته أمي ، بعد وفاة والدته منذ صغره .يعمل خليل دهاناً موسمياً وكان عمله ذاك يبرر وجود ، خمسة سلالم خشبية بأطوال مختلفة في مدخل المنزل ، وكان يأتون عنده كل مساء خمسة أصدقاء منهم ، من هم عاطلون ومنهم من يعمل موسمياً كحاله هو .وتمضي تلك المجموعة مجتمعة ليال طوال ، حتى طلوع الفجر وتتشابه الأحاديث المطروحة في كل ليلة ، وعادة يكون حديثهم عن كرة القدم ، والبطولات والمباريات ، أثناء تلك المناقشات كان المتسامرون يستهلكون الكثير من السجائر .وبعد انتهاء السمر تتفرق المجموعة ، وأحياناً يمكث مع خليل واحد أو اثنين ولم يكن حال ذلك المنزل ، كما هو الآن عندما كانت الجدة على قيد الحياة ورغم أن خليل سعى ، أن لا تكون تلك اللقاءات مصدر إزعاج للجيران ، لكن بدأ الامر يخرج عن سيطرته حين يحتد النقاش ، وكان الشخص الأكثر إزعاجاً من ضمن تلك المجموعة ، لصوته الجهوري هو عبد القادر العاطل والذي يعيش ، على ما تجود به أمه من حين لأخر .وكان من ضمن المجموعة التي يستضيفها خليل ، كل مساء شخص يدعى محسن كان يحرص دائماً على أناقة ملبسه ، ومظهره كان يصمت كثيراً ويقضى أوقات أكثر في التفكير ، واعتبرته المجموعة شخصاً غامضاً ولذلك حين أنقطع عنهم ، دون أي مبررات لم يسعى أحد للسؤال عنه ، فحضوره كان مثل غيابه .لم ينتبه الأصدقاء مع مرور السنوات أن العمر يمضي ، ويتقدم بهم فأغلبهم قد بلغ الأربعين عام ولعل إدمانهم ، على شرب السجائر والكيف أفقدهم ذلك الإحساس ، الطبيعي بمرور الوقت .حيث لا يختلف إيقاع حياتهم إلا في الأيام التي يشتغل فيهم شغلاً موسمياً ، وأولئك كانوا يغيبون وإنما خليل قد سلم أحدهم نسخة ، من مفاتيح المنزل عندما طلب من أحد دهان المنزل ، بطوابقه الثلاث فكان يحتاج إلى مساعد ، ولكنه فضل آلا يكون من تلك المجموعة .و ذات مرة في وقت المغرب في فصل الصيف طرق الباب ، فنهض عبد القادر وفتح الباب فوقع نظره على شاب كل لباسه ، أسود ويرتدي قبعة تشبه ما يرتديها رعاة البقر الأمريكيون ، ثم قال : أفسح الطريق يا عبد القادر فتنحى عبد القادر جانباً .ودخل الرجل ذو الرداء الأسود ، وتقدم نحو الغرفة التي اعتادت المجموعة ، أن تجلس فيها وما أن دخل حتى اسرع نحوه خليل ، وإذا به صديقهم الغائب منذ فتره محسن فمضى يعانق كل واحد منهم ، فقد أنقطع محسن عنهم منذ خمسة أعوام ، وأخبرهم أنه منذ ذلك الحين لم يأتي إلى البلدة ، وطلب منهم القيام بجولة داخل سيارته ، فتعجب الأصدقاء كيف صارت له سيارة خاصة .ثم نهضوا جميعاً وخرجوا لرؤية السيارة ، وكانت السيارة فخمة وجديدة ، وما أن ركب الأصدقاء حتى أدار محسن محرك السيارة ، وتحركت السيارة وأخبرهم أنها سيارة ألمانية وعندما سألوه عن وجهتهم ، أخبرهم أنه سيأخذهم في جولة على الشاطئ ، ودعاهم لتناول وجبة سمك .ووعدهم بتناول أفضل عشاء لم يسبق لأحد تناوله طيلة حياته ، وبدا لهم أنه يريد أن يلمح لهم أنه صار من الأغنياء ، وإن زمن الفقر الذي كان يعيش فيه قد ولى ، ثم وقفت السيارة عند أفخر مطاعم السمك المطلة على البحر .وجاء النادل يستقبلهم ثم أعد لهم طاولة في الشرفة ، وجلس الأصدقاء ينتظرون قدوم الطعام ، ومال خليل على محسن وسأله عن سر غناه ذلك ، ولكن محسن أخبره بأن ذلك سر لن يبوح به ثم ضحك ، وأخبره أنه انخرط في تجارة ما منذ أن غادرهم ، ونجح بها وربح منه مال وفير ، لكن خليل ساوره الشك في صدق ما قاله صديقه ، ذو الرداء الأسود ورجح أن صديقه قد انساق وراء تجارة ممنوعة ، وبعد أن أنهى الأصدقاء تناول العشاء غادروا المطعم ، في طريقهم للعودة وبينما السيارة تسبح في ظلمة الطريق ، لمح خليل وميض ضوء على بعد أقل من مئة متر .وما لبث أنه اتضح بأنه حاجز أقامه رجال الشرطة ، وما أن وصلت السيارة حتى طلب ضابط الشرطة ، من محسن التوقف أقصى اليمين وطلب منه أوراق السيارة ، ورخصه القيادة بل وطلب فتح صندوق الأمتعة .ولمح الشرطي به شيئا ما لف بالورق البلاستيكي ، بل وكانت أوراق السيارة لا تحمل اسم محسن ، وذلك ما لاحظه الشرطي وعندما حاول فتح ، ما لف بالورق البلاستيكي حاول محسن الفرار .ولم يبتعد كثيرًا حتى أمسكت به الشرطة ، وكان الأصدقاء الخمسة يحبسون أنفاسهم في دهشة ، مما يحدث وتم نقلهم جميعاً إلى مركز الشرطة ، وعلموا هناك أن محسن كان يحمل في سيارته ، لفائف من الحشيش وزنها 20 كيلو جرام ، وعلموا وهم قيد التحقيق أن تلك السيارة الفاخرة ، كانت مسروقة وكان ذو الرداء الأسود ، يستعمل السيارات المسروقة في تهريب المخدرات .