قصة لغز الرجل الطيب

منذ #قصص اجتماعية

استقر رجلاً طيباً يدعى بدر ، بإحدى القرى وقد جاء به صاحب ضيعة هناك ، وكلفه بتدبيرها كان يبدو وقتها قد نال حظاً من التعليم ، ولكن كان أكثر ما يطبع شخصيته الهادئة دون تراخي ، قربه من عمال المزرعة الذي صار نظرياً رئيسهم ، والمسئول عنهم وعن ما يقومون به .واتخذ بدر سكناً له في الضيعة ، وبعد بضعة سنين وقد أقترب الخمسين من عمره ، تزوج فتاة شابة تصغره بأكثر من عشرين عاماً ، وكانت من فتيات القرية اللواتي كانت تعملن بين موسم وأخر في الضيعة ، والأقربون منه يعلمون بأن بدر ينحدر من قرية ريفية قريبة ، من تلك القرية التي يعمل بها .ولم ينجب بدر من زوجته وشاعت الأقاويل بأنه عقيماً ، فرجلاً في مثل سنه عليه آلا يطمح بالإنجاب ، وتوطدت علاقة بدر بأهل القرية وصار واحداً منهم ، ولم يعد كثيرون يطرحون السؤال عن أصوله ، وكان خدوماً ومتواضعاً فالهدوء ، والذي كان يغلب على طبعه كان يعبر عن مسحة حزن ، أو حالة انشغال بشيء ما ، وكانت تلك الحالة من الحزن تلازمه كثيراً ، طلبت زوجته عائشة ذات يوم أن تتبنى طفلاً ، ولكنه وان لم يبدي رفضه بوضوح لم يعلن موافقته .وكانت تعلم أن الرجل في مثل تلك المواقف ، لا يلين لذلك لم تلح عليه ولما بدأ بدر يشعر بثقل السنين ، والتي بدأت تتولى صار يميل إلى العزلة ، وقل كلامه وصار دائم التفكير ، حاولت زوجته عبثاً أن تنفذ إلى ما كان يشغل باله ، لكن لم تصل إلى شيء .ومرت السنوات وكان عمره قد أقترب من السبعين ، وأصابت حياته الرتابة والملل وصارت زوجته ، تمضي من الوقت الكثير عند عائلتها ، وكثيراً ما كانت تفضل تقضي الليالي هناك ، لعله بدأ يشعر بانه قد أصبح رجلاً مسناً .وكان صاحب المزرعة ذاك الذي جاء به من قريته ، قد توفي منذ سنوات وباع ورثته الضيعة ، وجاء مالكيها الجدد يطالبونه بإفراغ السكن ، والذي كان يشغله في الضيعة ذاك الذي بناه لنفسه ، فظن أن مغرب عمره قد أقترب ، وكذلك كان يردد عندما كان يزوره أحد من معارفه .وذات يوم من أواخر الشتاء اختفى السيد بدر ، بحثت عنه زوجته وأخوتها في كل مكان وفي المساء ، أوقفوا البحث عنه وفي الغد لم يعثروا عليه وتوالت الايام ، وبعد أسبوع عثر مزارعون على جثة تطفو في البحر ، وكان قد مر على اختفائه عشرة أيام ، وقد كانت الجثة في حالة تحلل ، أفقدت الوجه الكثير من ملامحه ، ولكن أحد من أصهاره قال أن الجثة هي جثة بدر بعينها ، ونقلت الجثة إلى المشفي وكانت البصمات في حالة تفسخ ، بعد أيام تم دفن جثة بدر ، وحدها عائشة زوجته التي بكت ، والآخرون أسفوا لرحيل رجل طيب .وقام مركز الشرطة بإجراء تحريات ، ولكن لم تتمكن تلك التحريات من كشف أسباب غرق بدر في البحر ، وظل اللغز محيراً ولكن في أغراضه التي استعادتها عائشة عند دفنه ، وجدت رسالة قد كتبها بخط يده ، ولم تكن عائشة تستطع القراءة بعد ، وعادت عائشة لتسكن مع أهلها ، وقد سلمت مفاتيح السكن إلى الملاك الجدد للضيعة .وأخذت عائشة الأوراق والرسالة ، وذهبت بها إلى ابن عمها الذي كان يدرس القرآن في مسجد القرية ، وعندما أطلع على الرسالة بدت عليه بعض علامات الدهشة ، ثم فجأة سألها : هل علم مركز الشرطة بتلك الأوراق ؟ ، فردت عائشة : لا بل أنت أول من وثقت به وسلمتها له ، فقال : أظن إنه علينا أن نسلم تلك الرسالة ، والأوراق إلى مركز الشرطة .فقالت عائشة : لماذا ؟ ، فقال : إنها رسالة كتبها السيد بدر منذ فترة بعيدة ، يحكي فيها أسباب خروجه من دياره وتغيبه عن منزله ، فهل تعلمين الأسباب ؟ ، فقالت عائشة : لقد قال لي من قبل إنه فقد والديه ، ويريد زيارة قبرهما ، فقال لها : لا ، الأمر لا يبدو كذلك سألخص لك مضمون الرسالة .ففي تلك الرسالة يقول السيد بدر ، إنه ينحدر من قرية مجاورة ويذكر أنه هرب من القرية منذ سنوات بعيدة ، وبعد أن قتل ابن عمه الذي استولى على قطعة أرض للعائلة بمفرده ، وذكر أنه خنقه حتى الموت بعد عراك بينهما ، حدث في أطراف القرية ويظن أن لا أحد رآه ولكنه متيقن بأن الشهود ، سيذكرون العداء الذي كان بينهما حول تلك الأرض ، ولذلك قرر الفرار .كما يذكر بأنه كان متزوجاً من قبل ، ولكن بعد أن التقى بالرجل الذي أوكل إليه تلك الضيعة ، وجدها فرصة للهرب من قريته ، كما يذكر في الورقة ملكيته لقطعة أرض ، ذهلت عائشة مما ذكر في تلك الورقة من معلومات ، لم تكن تعلمها من قبل عن زوجها .وتساءلت كيف استطاع زوجها الحفاظ على هدوئه ، والذي عرف عنه طوال تلك السنين بينما تثقل ضميره جريمة قتل ، مضت عائشة بالرسالة وقررت العودة إلى قريته للاستعلام ، عن ملكية تلك الأرض التي ذكرها في رسالته .وكانت القرية لم تعلم بشأن العراك ، الذي دار بينه وبين ابن عمه ، وعندما قابلت عائلة زوجها ، لاقت منهم ترحاباً فقررت الاستقرار بينهم ، والتستر على ما فعله بدر من جرائم ، ولم تسلم الرسالة إلى مركز الشرطة .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك