نهض أشرف من النوم ممتعضًا ، بعد أن أيقظته أمه في التاسعة صباحًا ، في محاولة منها لتحفيزه للبحث عن عمل ، فهو قد تخرج منذ ثلاثة أعوام ولم يحصل على فرصة عمل جيدة حتى الآن ، بالإضافة إلى أنه يرافق بعض أصدقاء السوء منذ فترة ، التحاقه بالجامعة تلك المجموعة ، التي لا هم لها سوى أن يخرجوا ويجلسون على مقاهي ، يلعبون ويلهون حتى الفجر ، ويتحدثون إلى الفتيات .كذلك تلك الفتاة غريبة الأطوار والتي سيطرت عليه كثيرًا ، هي لا تغار منها كونها سوف تحصل على ابنها ، ولكنها كانت ترى ابنها الوحيد يلبي لتلك الفتاة كافة مطالبها ، بكافة الطرق سواء أكانت مشروعة أم غير مشروعة .كان حدسها بشأن رفقة ابنها أشرف ، مثل أي أم صائب بنسبة كبيرة ، فبدأ أشرف يمتعض من تحفيزها له ، ويراها بتلك الطريقة تتدخل في شئونه الخاصة والتي لا يجب أن تكون على علم بها من الأساس .نهض أشرف وارتدى ثيابه ، وقرر أن يخرج من المنزل ويهذب في هذا اليوم للمبيت لدى حازم صديقه ، فقد بدأ يشعر بوجع في رأسه نتيجة نفس الحديث ، المتكرر يوميًا هذا حاولت أمه أن ترتجيه للجلوس معها والحديث ، ولكنه أزاحها بيديه وخرجت ، بعد أن طرق الباب بعنف خلفه وهو لا ينوي العودة .مر اليوم بالطبع برفقة حازم وبعض الأصدقاء ، وفي منتصف جلستهم أتاه اتصال من صديقته وحبيبته مريم ، تلك الفتاة التي استطاعت أن تسلب عقله وقلبه وكيانه كله ، فأشرف حنونًا بطبعه ولكن تلك المشاعر تحولت إلى قسوة مع والدته ، لكونها ترفض علاقته بتلك الفتاة وهؤلاء الأصدقاء .تحدث إلى مريم قرابة الساعة ، حتى صاح حازم بأن يرحلوا ، فأغلق أشرف هاتفه وأخبره أنه سوف يبيت لديه الليلة ، بالطبع وافق حازم وانطلق الشابين نحو منزل الأخير ، إلا أنهما في الطريق هاتف أحد الجيران أشرف وأبلغه بوفاة أمه !قال أشرف يا إلهي أرحلت حزنًا من أفعالي ، لم يدر أشرف أيحزن لفراق أمه ، أم يفرح كونه أصبح صاحب المنزل وحده ، ولن يكون عليه الاستيقاظ باكرًا بسبب أمه التي تصر عليه بالذهاب وإيجاد وظيفة محترمة ، ولكنه ترك كل تلك المشاعر ، ليذهب إلى المنزل بعد إجراءات الدفن والعزاء ، ليجد صاحب المنزل واقفًا أمامه يطالبه بالإيجار المتأخر منذ أسبوع مضى ، هنا اصطدم أشرف بالواقع الآن وقد وجب عليه العمل ، حتى يستطيع دفع إيجار المنزل الذي لن يجد غيره قط ، وكانت أمه تتكفل بتلك الالتزامات من عملها بالتطريز والخياطة .وعد صاحب المنزل بدفع الإيجار عقب أسبوع ، حتى يجد عملاً وبدأ أشرف بالفعل في الذهاب للبحث عن عمل ، حتى وجد أمامه بعد يومين إعلانًا لشركة كبرى ، تطلب عددًا من المحاسبين ، اندهش أشرف فتلك شركة كبرى وقد يعمل بها البعض ، من قبل حتى أن يجف الطلاء على جدرانها ، ولكنه قرر أن يخوض التجربة .ذهب أشرف إلى مقر الشركة المكونة من اثني عشر طابقًا ، ليجدها خالية ! نعم كانت الشركة خاوية على عروشها وليس بها أحد ، فنظر حوله إلى المبنى الفاخر من الخارج والعتيق جدًا من الداخل ، ليجد مصعدًا أمامه ، فينطلق نحوه وبمجرد أن وقف أشرف أمامه ، حتى انفتح باب المصعد وأغلق خلفه فورًا ، وكأنه لا يرغب بترك الفرصة له لكي يخرج منه مرة أخرى .لم يجد أشرف أمامه أية أزرار ! كان شكل المصعد غريبًا ، ولكن أشرف لاحظ وجود أربعة أزرار متجاورة يجب أن يكتب فيهم أرقام ، هنا خطر لأشرف أن يكتب تاريخ أول يوم ذهب فيه إلى المدرسة ، فجأة أعمى ضوء ما عينيه ، ليجد نفسه واقفًا خائفًا وأمه تربت على يديه ، وتقبله بحنان وتدع له بالتوفيق ، يا لها من أم رائعة حدث أشرف نفسه ، طالما خشيت عليّ وعلى مستقبلي ، وغمرتني بعطفها .فجأة عاد أشرف إلى المصعد مرة أخرى ، فكتب تاريخ أول يوم له بالجامعة ، ووجد نفسه واقفًا يملؤه الطموح ولا يعرف أحدًا ، وهناك يجلس حازم في أول مرة يلتقيه ، بالفعل حازم وصحبته هم من غيروا طباعه وكان لأمه الحق في قلقها ، فكيف لهذا الطفل البريء الواقف بجوار أمه ، أن يتحول إلى ما هو عليه الآن ، سوى بعد أن عرف هؤلاء ممن لا يحضرون محاضرة ، أو يستذكرون وليس لديهم أية طموحات بعمل أو غيره ، هم فقط يرغبون في اللهو .هناك وجد مريم تقف في انتظاره ، تلك الفتاة التي أحبها بشدة ، وقد استأذنت عقب أن جاءها اتصالاً على الرغم من أن أسرتها ، لا يتشددون معها بشأن المكوث داخل الجامعة طويلاً ، ولكن يا ترى ممن كان هذا الاتصال ؟ حدث أشرف نفسه قائلاً أنه لم يسألها في أية مرة بشأن هذا الاتصال .سار أشرف خلف مريم ليرى آخر شيء قد يتوقعه ، فهاهي جالسة برفقة حازم ويسخرون من أشرف ، يتحدثون بشأنه وقد كان الأمر كله مجرد مزحة لتحصل هي منه على المال ، ثم يأخذه أشرف.كم كنت رقيقة يا أمي حدّث أشرف نفسه ، وبدأ بالبكاء والنحيب بشدة ، وهو لا يدر ما يفعل بعد أن فقد أمه ، نتيجة قسوته عليها وحزنها الشديد عليه ، وتمنى بداخله لو تعود مرة أخرى ، حتى فوجئ بمن يهزه بعنف ، أشرف .. أشرف ، فتح أشرف عينيه ليجد أمه توقظه وتربت على كتفه وتمسح دموعه التي انهمرت ، وهو يحلم فنهض مقبلاً يديها وأخبرها أنه سوف يذهب للبحث عن عمل ، وهنا دق هاتفه باسم حازم فابتسم وهو بمحي رقمه ، وقال لأمه بدّل المصعد أحوال ، وقد عزمت دائمًا على الصعود ولن أهبط مرة أخرى .