وقعت أحداث هذه القصة بين جنبات المملكة وبالتحديد في مدينة مكة المكرمة ، وهي عن لسان الشيخ الدكتور/ يحي بن إبراهيم اليحي عن رجل كان يعرفه ، حيث قال : ذات يوم لفت نظري رجلًا من جيراننا يقف بعد صلاة العصر عند صندوق للقمامة ، وفجأة مد يده ليلتقط شيء ما ثم سار إلى بيته ، ففزعت مما رأيت وظننت أن جاري في حاجة ، لذا عزمت على زيارته ومساعدته .وحينما دخلت إلى بيته رحب بي وقدم لي من الخير الكثير ، فعلمت أنه في خير حال ولكن انتابني الفضول لمعرفة السر وراء ما فعل ، فلما سألته قال لي : والله يا أخي لقد رأيت في القمامة طعامًا صالحًا للأكل فتأثرت لوجوده بين القاذورات ، وأثرت أن أخذه وأكرمه بدلًا من وضعه في هذا المكان المهين ، فقد مررت بوقتٍ عصيب عرفت فيه قيمة الطعام ، ومن وقتها عاهدت الله أن أكرم الطعام ولا أترفع عليه مهما كانت حالتي .وتلك قصتي سأحكيها لك لعلك تدرك سبب فعلتي فقد مرت بي سنة عصيبة ، عانيت فيها من الفقر الشديد ولم يكن لي عمل حينها ، فكنت أخرج في الصباح أبحث عن أي عمل أقتات به لزوجتي وابنتي الوحيدة ، ولكن دون جدوى فلا أحد استعملني أو طلبني للقيام بشيء ، وحينما عدت إلى بيتي كان الألم والجوع يعتصر قلبي خاصةً حينما وجدت طفلتي وزوجتي في انتظاري ، وهما متلهفتان للطعام حتى أطفئ جوعهما .وظل الحال على نفس المنوال حتى مرت بنا ثلاثة أيام لم نأكل فيها شيء ، فأخذت أفكر في حل ينتشلنا من ألام الجوع والموت المحقق ، فلم أجد سوى فكرة مجنونة رأيتها حينها سوية ففكرت بأمر فاتحت به زوجتي ولكنها عارضتني ، ولكني تحت ضغط الجوع والفقر أقنعتها ، فقد قلت لها إلى متى سنظل عالقين بين الحياة الموت لا نجد لقمة نقتات بها ، فنحن على شفا حفرة من الهلاك ونحن إن صبرنا ابنتنا لن تصبر على الجوع .لذا لا حل أمامي إلا أن تمشطيها وتلبسها ثيابًا جيدة حتى أذهب بها إلى سوق العبيد ، وهناك أبيعها فتجد قومًا يطعمونها ، بينما نقتات نحن بثمنها ونأكل حتى لا نموت جوعًا ، ولكن زوجتي أنكرت عليّ ما قلت وظلت تحاول إثنائي عن الفكرة ، لكنها سرعان ما رضخت لقولي وبالفعل جهزت ابنتنا فخرجت بها إلى السوق ، وبينما نحن هناك مر بنا رجل من البادية فلما رآها أعجبته واسترخص ثمنها ، وبعتها له على اثني عشر ريالاً من الفضة .وعندما أخذت المال عدت مسرعًا إلى سوق التمور ، كي أشتري زنبيلاً من التمر نقتات به وبالفعل اشتريت زنبيلًا بريالين ، ولأن الجوع قد أخذ مني مبلغه لم أستطع حمله واستأجرت حمالًا يتبعني به إلى الدار ، ولما وصلت إلى هناك التفت إليه فلم أجده خلفي ، فرجعت أبحث عنه ولكني لم أعثر عليه ، ففكرت أن أشتري زنبيلًا أخر من العشرة ريالات التي تبقت معي ، ثم أبحث عنه في وقت لاحق .وحينما وصلت إلى السوق واشتريت الزنبيل ، وضعت يدي في جيبي لأنقد التاجر ماله فلم أجد شيئًا ، فنزل بي الهم والغم وشعرت أن الدنيا أظلمت أمامي ، فعزمت على الذهاب للحرم والدعاء هناك لعل الله يفرج كربتي ، وبينما أنا أقف وجدت البدوي يطوف ومعه ابنتي ، ففكرت أن أتربص به في إحدى الشعاب وأقتله حتى أخلص ابنتي من مصيرها الذي سلمتها له بيدي ، وعندما انتهيت من الطواف صلى خلف المقام فصليت خلفه .حينها رآني وقال لي يا رجل : من هذه الفتاة التي بعتني إياها فقلت جارية عندي ، فقال لي بل هي ابنتك فقد سألتها وأخبرتني ، ثم قال لي : أخبرني ما الذي حملك على بيع ابنتك ،فقصصت عليه ما مر بي من كرب وضيق وأننا لم نأكل منذ أيام ، وعندما خشيت عليها وعلى نفسي وزوجتي من الموت قررت بيعها لعل الله ينقذنا بها وينقذنا بك .ثم أخبرته بما جرى لي مع الحمال وأني فقدت ثمنها الذي بعتها به ، فقال لي : أيها الرجل خذ ابنتك ولا تأتي مثل هذا الفعل مرة أخرى ، ثم أخرج صرة كانت معه به 30 ريال ، وقسمها بيني وبينه ففرحت فرحًا عظيمًا بعودة ابنتي وبالمال الذي أعطاه لي ، وشكرته على حسن صنيعه بعد أن حمدت الله ، ثم انصرفت أنا وابنتي إلى سوق التمر مرة أخرى كي اشتري لنا طعامًا .وبينما أنا هناك فوجئت بالحمال ينادي عليّ ويقول لي : أين كنت يا شيخ لقد أسرعت في سيرك حتى أضعتك وأضعت الطريق ، وظللت أبحث عنك فلم أجدك لذا رجعت إلى السوق لعلك تعود باحثًا عني ، حمدًا لله أني وجدتك ، فقلت له : حمدًا لله ألحق بي حتى أعطيك أجرك ، ولما دخلنا إلى البيت وجئت له بإناء يفرغ فيه التمر ، وجدت العشرة ريالات التي فقدتها أسفل الزنبيل .فقالت : يا سبحان الله وعلمت حينها أن الفرج يأتي بعد الكرب ، وأن مع العسر يسرًا ومن وقتها عاهدت ربي على شكر نعمته وإكرام الطعام ، وألا أحقر طعامًا طيبًا أو أرميه أو حتى أتركه مع القمامة والقاذورات ، فتلك هي قصتي وهذا هو السبب وراء ما فعلت ، فهل ألام على ذلك يا شيخ !!