قد يستحيل على الأم أن يرق قلبها لفلذة كبدها ؛ حقًا أصبح كل شيء متوقع ومباح في هذا الزمان الذي بات فيه الابن عاق والأب قاتل ، إذن فلا عجب حينما تكون هناك أم قد تجمد قلبها لدرجة جعلتها لا تترحم على جثمان ابنتها الموضوع أمام بيتها أو تصفح عنها ، لقد حدث بالفعل في المملكة حيث أن هذه الأم كانت على خلاف مع ابنتها دام لعشرات الأعوام ؛ وهو ما تسبب في تلك الحالة العجيبة والمؤلمة من عدم الصفح على الرغم من وفاة الابنة .خلاف بين الأم وابنتها :
كانت تعيش الابنة مع أمها في بيت الأسرة بعد أن توفي والدها ، ومضت حياتها راكدة في انتظار زوج المستقبل ، وحينما طال الانتظار قررت الابنة الزواج من أي شخص حتى إذا كان غير مناسب خوفًا من العنوسة ، ومن هنا بدأت المشاكل تتشابك بينها وبين الأم حيث تقدم لها رجل كان يكبرها كثيرًا في السن ؛ فأعلنت الابنة موافقتها على هذه الزيجة ، ولكن الأم ثارت غاضبة لرفضها لهذا العريس غير المناسب .أصرّت الابنة على الموافقة بل إنها تركت منزل أمها وذهبت للزواج من هذا الرجل رغمًا عن أمها ، وهو ما جعل الأم تغضب على ابنتها بشدة وتقاطعها بسبب فعلتها ، حتى دام خصامهما لعشرات الأعوام التي عاشت فيها الابنة مع زوجها في استقرار دون أن تلجأ إلى أمها الغاضبة عليها والتي لم يرق يومًا قلبها لتحدث ابنتها أو تسأل عنها .مرض الابنة :
مرت السنون سريعًا وأنجبت الابنة العديد من الأبناء ، ومازال الوضع كما هو مع أمها التي لم تحاول أن ترى أحفادها ، وذات يوم شعرت الابنة بالتعب الشديد وبعد الفحص الطبي علمت بأنها مصابة بمرض السرطان اللعين ، فعاشت فترة عصيبة جدًا من الألم والمعاناة مع هذا المرض شديد القسوة ، ومع ذلك لم تتواصل الابنة مع أمها أو الأم مع ابنتها على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تمر بها الابنة ، إلا أن غضب الأم كان شديدًا جدًا ولم تستطع أن تتغلب على هذا الشعور لتقف بجانب ابنتها المنكوبة .عاشت الابنة هكذا ما بين آلام المرض وآلام قسوة الأم ، وكانت تتلقى علاجها بصورة طبيعية حتى حان موعد الرحيل ، حيث أن الابنة قد وافتها المنية نتيجة لشدة مرض السرطان والذي لم تستطع مقاومته أكثر من ذلك ، ومن هنا بدأ الأقارب في محاولة لفضّ نزاع قديم بين الأم وابنتها بعد الوفاة ؛ وذلك كي تسامحها الأم لتقابل ربها دون وزر غضب أمها عليها ، ولكن حدث ما هو غير متوقع من أم لا يلين قلبها .العفو المستحيل :
حينما تواصل الأقارب وبعض المصلحين مع الأم لإخبارها بخبر وفاتها من أجل أن تصفح عنها ؛ وجدوا الأم في حالة جمود تام ولم تهتز من هذا الخبر ، فما كان منهم إلا السعي الجاد لجعل قلب الأم يلين ، فوردتهم فكرة وضع الجثمان أمام بيت الأم قبل أن يواريه الثرى ، وبالفعل ذهبوا حاملين جثمان الابنة الراحلة ليصمد أمام بيت الأم ، وهنا كانت الصدمة القاتلة حيث أن الأم أبت توديع جثمان ابنتها أو الصفح عنها ، وكأنها وضعت قطعة من الحجر مكان قلبها حتى تظهر بكل هذه القوة الصادمة لجموع المشييعين الذين رغبوا للابنة ببعض الراحة في قبرها .