تعد ثورة الجزائر للتحرير من القبضة الفرنسية لها على مدار 132 عامًا ، واحدة من أعظم الثورات التي شهدها التاريخ بالوطن العربي ، حيث قدّم شعب الجزائر خلال تلك الثورة العديد من الأبطال من أبنائها المخلصين ، وشهدت الكثير والكثير من التضحيات.ولكن العديد من القادة الجزائريين وجدوا أنهم قد تم تشويههم في بعض كتب التاريخ ، وتم اتهامهم تارة بالخيانة ، وتارة أخرى بالتواطؤ والمعارضة للاستقلال ، ومن بين الشخصيات القيادية التي قدمت الكثير من التضحيات لثورة الجزائر هو السيد أحمد باي إبان فترة الاحتلال الفرنسي لدولة الجزائر الشقيقة.حياته :
ولد أحمد بن الشريف بن القلي ، والشهير باسم أحمد باي عام 1784م ، في ربوع مدينة القسنطينة ، وكان والده ذو أصول وجذور عثمانية بينما تحمل والدته الجنسية الجزائرية ، عُرف عن أحمد باي الملقب بالحاج أحمد قوته وذكائه وحزمه الدائم مع من حوله ، وذلك إبان فترة حكمه لمقاطعة الشرق والتي كانت تعرف آنذاك ببيلك ، وذلك في عام 1826م.فترة حكمه :
عُرفت مقاطعة بيلك بانتشار الاضطرابات بها ، سواء أكانت الإدارية أم عدم الاستقرار بوجه عام بداخلها ، وإثر توليه الولاية على تلك المقاطعة قام أحمد باي بإعادة المقاطعة لما ، كانت عليه من أوضاع طبيعية واستقرار ؛ حيث قام الحاج أحمد بالعديد من الإصلاحات مما جعله يكسب قلوب سكان قسنطينة ، ولعل هذا هو ما جعل السكان المحليون بها إلى التمسك ببقاء الحاج أحمد في ولايته ، إبان فترة احتلال الجزائر من أجل مساعدته في الدفاع عنها معه.وكانت تلك الثقة من جانب السكان بالمقاطعة هي ما أججت الثقة بداخله ، ودفعته لإعلان الجهاد والمقاومة ضد فرنسا المحتلة ، وانطلق الحاج أحمد في مقاومة شعبية بشكل رسمي ضد المستعمر الفرنسي .أحمد باي والمقاومة الشعبية :
كان الداي حسين قد فرض على حكام المقاطعات الجزائرية أن يقوموا بدفع العطايا والهدايا ، كل ثلاث سنوات له وفقًا لأعراف الدولة العثمانية ، فتوجه أحمد باي إلى العاصمة الجزائر من أجل دفع تلك الهدايا إلى الداي حسين.قاد الجنود الفرنسيون الجنرال دي بورمون ، متجهًا إلى العاصمة الجزائرية فيما عرف وقتها بالحملة الفرنسية على الجزائر ، وفي تلك الأثناء كان الحاج أحمد باي في العاصمة الجزائرية من أجل دفع الهدايا ، فأشعل هذا الأمر الأمل في قلوب الشعب الجزائري ، وتأججت لديهم فكرة المقاومة والتصدي لهذا العدوان القادم بقيادة الحاج أحمد باي.خطة أحمد باي :
قام الداي حسين العثماني باستدعاء الحاج أحمد باي ، واستشاره بشأن كيفية مقاومة الاحتلال الفرنسي بالعاصمة الجزائر ، ولم يخيب الحاج أحمد ظنه فتوجه إليه مسرعًا ، واقترح عليه أن يترك الجنود الفرنسيون يهبطون نحو مدينة شرشال .وبعد انسحاب القوات الجزائرية منها ، ثم يتركونها للجنود الفرنسيين حتى ينزلون جميعًا بشاطئ سيدي فرج ، وبعد الاطمئنان لنزول الجنود الفرنسيين على الشاطئ بكافة عتادهم وعدتهم ، يتم الهجوم عليهم من جانب الجيش الجزائري المرابط في شرشال ، وكانت تلك هي نفس خطة الحاج أحمد باي في المقاومة داخل مدينة قسنطينة.بالطبع شكّلت خطة الحاج أحمد باي فارقًا كبيرًا مع الجزائر في التصدي للعدوان الفرنسي ، إلا أن الجيش الجزائري كان قد انهزم في معركته أمام الجيش الفرنسي ، في معركة شهيرة تعرف باسم معركة سطاوالي ، وعقب تلك الهزيمة اضطر الداي حسين لإعلان استسلامه ، وتم التوقيع على معاهدة لتسليم الجزائر إلى فرنسا.مقاومة أحمد باي :
في نفس الوقت ، اندلعت ثورة شعبية جديدة في غرب الجزائر العاصمة ، وكانت بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري ، وكانت فرنسا تتلقى ضربات المقاومة من الجانبين في مقاطعة بيلك وغرب الجزائر أيضًا ، مما جعلها غير قادرة على مواصلة ما بدأته مع اشتعال المقاومتين .ولكن الأمير عبد القادر كان قد أقدم على توقيع اتفاقية هدنة مع فرنسا عرفت باسم معاهدة التافنة ، تلك المعاهدة التي كان من شأنها أن سمحت لكافة الجنود الفرنسيين بالهجوم على المقاومة في الناحية الأخرى بقيادة أحمد باي ، الذي انسحب بجنوده إلى الصحراء وواصل تشكيل معسكره بجيش جديد ، حاول من خلاله التصدي والمقاومة للاحتلال الفرنسي .ومنعه من التقدم أكثر داخل الجزائر ، وهذا ما جعله أن يرفض التفاوض بأي شكل من الأشكال مع المحتل الفرنسي ، فلم يرغب الحاج أحمد باي من تعزيز فرنسا لركيزتها داخل الجزائر ، وظل يقاوم ويكافح ضد المستعمر الفرنسي ، حتى وافته المنية بحلول عام 1856م ، وخلد التاريخ اسمه في مقاومة المستعمر الفرنسي حتى نهاية حياته.