بقديم الزمان بإحدى القرى الألمانية كانت هناك فتاة جميلة جداً لا يضاهيها أحد في جمالها، كانت تعيش مع أبيها المزارع، وذات يوم تقدما برفع طلب إلى حاكم المملكة يشكوان من الفقر، ويطلبان من جلالته أن يمنحهما قطة أرض للزراعة ليتدبرا منها شئون حياتهما والمعيشة، ففعل الحاكم واستجاب لطلبهما، وأعطاهما قطعة الأرض؛ وأثناء عملهما الشاق لزراعة الأرض وتكلف العناء حتى يحصدا ما قدمت أيديهما جزاء ما فعلا، وجدا هاوناً ذهبياً ضخماً ، فقرر الأب إعطائه على الفور للحاكم الذي أعطاهما قطعة الأرض، لكن الابنة الذكية اعترضت على قرار أبيها
وأشارت عليه بأنه يتوجب عليهما البحث عن مدقة الهاون وإعطائهما الاثنين معاً للحاكم حتى لا يعتقد الحاكم بأن المزارع احتفظ بالمدقة لنفسه وأهداه الهاون فقط؛ لكن كلامها ونصحها لأبيها كان بلا فائدة، لقد ذهب الأب بالفعل إلى حاكم المملكة ليهديه الهاون الذهبي، ففرح الحاكم بهدية الفلاح كثيراً ، ولكنه استشاط غضبا عندما سأل الفلاح عن مدقة
الهاون ولم يتلقى ردًا من الفلاح لذلك أمر بزجه بالسجن؛ مرت بضعة أيام والفلاح المسكين بالسجن لا يقبل أي طعام، فكما يضعون له الخبز يجدونه كما هو، فتعجب الحارس من أمره، ورفع شكواه إلى الحاكم مخبراً جلالته أن الفلاح السجين لا يأكل شيئاً أبداً، وأن على لسانه دائماً جملة واحدة لا تتغير:” ليتني استمعت إلى ابنتي، لم أكن أعلم أنها بكل هذا الذكاء”؛ فأستدعاه الحاكم على الفور ليستفسر منه عن قصة ابنته الذكية كما يقول، ولما جاءه الفلاح المسكين وقص عليه ما حدث وما كان رأي ابنته
أعجب الحاكم بذكاء الفتاة وفطنتها، وقرر أن يستدعيها ليتأكد من صحة كلام أبيها، ولما أقبلت عليه الفتاة ونظر إليها الحاكم فوجدها بغاية الجمال، واستحسن طلعتها البهية، وعرض عليها عرضاً مغرياً ولكنه بنفس الوقت ليس باليسير؛ إذا حلت اللغز سيفك أسر أبيها المسكين ويتزوجها إذ علم أنها بغاية الذكاء، لذلك أتاها بلغز يكاد أن يكون مستحيلا، قال الحاكم للفتاة الجميلة الذكية:” هل تستطيعين القدوم إلى بغير ملابس وألا تكوني عارية، وألا تستخدمين حصاناً أو حتى عربة، وألا تسيرين بالطريق ولا تخرجين عنه؟”، فأجابته بالموافقة وقبول تحديه، وذهبت إلى المنزل مسرعة لتنفيذ خطتها المحكمة حتى تربح التحدي، وبعد لحظات خرجت من منزلها تلف جسدها كاملا بالحبال(هي لا ترتدي ملابساً وليست بالعارية)، تسير على حافة الطريق بأطراف أصابعها (لا تمتطي حصانا ولا حتى عربة) إلى أن وصلت إلى الحاكم وهو كان يراقبها عن كثب، وبذلك أنقذت الفتاة الذكية أبيها من السجن وصارت زوجة الحاكم الوسيم.
كيفية إدارة الحاكم لشئون مملكته العظيمة وما دور زوجته الذكية:
وبعد انقضاء ثلاث أعوام على زواجهما الناجح، وذات يوم تجادلا اثنين من الرعايا ورفعا الشكوى إلى الحاكم ليقضي بينهما، كان الأول صبي صغير حيث وُلد له مهرا صغيرا ولكن هذا المهر الصغير يفضل المكوث تحت بقرة الثاني مما يجعله معتقدا بأن المهر الصغير من حقه، فقضى الحاكم بأن المهر من حق الثاني، فحزن الصبي حزناً شديداً
وقرر أن يطلب مساعدة الملكة الذكية، فأعطته فكرة جهنمية ليسترد بها حقه المسلوب راجية منه بألا يخبر أحداً عن صاحب الفكرة لكيلا يسبب لها المشاكل؛ وفي اليوم التالي قام الصبي بتنفيذ الخطة المحكمة، إذ جاء بشبكة صيد ليرميها بالشارع أثناء مرور الحاكم لهدف في باله، وعندما سأله الحاكم متعجباً من أمره، أخبره الصبي رداً على سؤاله أنه إذا كانت البقرة تستطيع أن تلد مهرا إذاً بإمكاني اصطياد سمكة من الشارع
بدلا من النهر؛ فأنكر عليه الحاكم أن تكون فكرته وأصر عليه واستخدم حيلاً وأساليب متعددة حتى علم أن صاحبة الفكرة هي زوجته، مما جعله غاضبا منها لدرجة أنه طلب منها الرحيل
وبسبب حبه الشديد لها أعطاها الحق بأخذ أكثر شيء عزيز على قلبها بالقصر، ففكرت الزوجة الزكية بحيلة إذ أن أعز شيء على قلبها بالقصر هو زوجها الحبيب، فدعونه للاحتفال معها قبل الرحيل، وأعطته مشروباً به منوماً لتتمكن من أخذه معها إلى منزلها القديم، وعندما استيقظ الحاكم من نومه وجد نفسه بمنزل الفلاح القديم فسأل زوجته عن سر قدومه الغامض، فقصت عليه زوجته العزيزة ما فعلته مبينة دافعها وراء كل ذلك، فأعجب الحاكم بفطنة زوجته وازداد حباً لها، وجعل منها وزيراً يستشيره في كل الأمور.