يُرْوَى أنه في فترة ليست بالفترة البعيدة في الزمن أنه كان يحيى رجل صياد في بيت صغيرة بجانب الغابة، وهذا الصياد كل نهار يستيقظ ويذهب بأدواته إلى الغابة لكي يصطاد ما يقدر عليه من أنواع الطيور ليبيعها، وفي يومٍ من الأيام خرج هذا الصياد إلى الغابة وبدأ يهيئ بندقية الصيد الخاصة به، وحين قام بتوجيه البندقية نحو الهدف إذا بفتاة على درجة بارعة من الجمال لم يره منذ وعي على الدنيا تظهر أمامه، حتى أنه لم يستطع أن يتكلم معها من شدة ما ذهله جمالها ورقتها، وفي دقائق معدودات اختفت هذه الفتاة من أمام وجهه، فقرر هذا الشاب أن يذهب إلى هذا المكان في كل صباح حتى يرى هذه الفتاة مرة أخرى ويتكلم معها.
وكان هذا ما حصل، فكان هذا الشاب كلما صحا من نومه ذهب إلى نفس المكان الذي رأى فيه الفتاة لكي يراها من بعيد، وفي يوم من الأيام قرر أن يصارحها بحقيقة ما يكنه في صدره ناحيتها، ويحدد معها موعدًا لكي يطلب يدها من والدها، ولكنه في اليوم التالي حين ذهب إلى نفس المكان لم يجد الفتاة وظل على ذلك عدة أيام والفتاة لا تظهر أبداً.
فشرع الشاب في البحث عن تلك الفتاة في جوانب البلدة يسأل عنها كل الناس من يعرفه ومن لا يعرفه، غير أنه لم يستطع العثور عليها مع كل هذا البحث، ثم خطر
على باله إحدى الأفكار بأن يرسم صورة لها يبين فيها ملامحها التي ترسخت في ذكرياته، وفعلًا قام الفتى برسم هذه الصورة وقام بنشرها في كل أنحاء البلدة، وبعد مرور بعض الأيام جاء هذا الشاب اتصال تليفوني، فرد الشاب ليجد أنها الفتاة هي التي تكلمه وتحدثه، وكان أول ما ذكرته له الفتاة هو: لماذا تريدني؟ ولماذا ترهق نفسك في البحث عني؟
فما كان من الشاب إلا أن قال لها وهو في غاية السرور والحبور والفرحة تكاد تخنق أنفاسه، قال: إنني أريد الزواج بك، فلا طريق للعيش إلا معك، وأنا أريد أن أذهب إلى والدك كي أطلب يدك منه ونتزوج ونقيم فرحنا ونبني بيتنا، غير أن الفتاة أخبرت الشاب أن والدها يريد أن يزوجها من رجل ثري يكبرها بسنوات كثيرة وهي لا تحبه، فقال لها: أنا أذهب لطلب يدك من والدك.
ثم ذهب مباشرة إلى بيتها وكلم والدها في الأمر وطلب منه يدها، غير أن والد الفتاة قام باشتراط شرط عليه وهو أن يأتيه بمثل ثروة الرجل الذي تقدم لابنته وهو وافق عليه خلال أسبوع فقط.
ومن فوره قام الشاب ببيع كل ما يملك وتوجه إلى التجارة كي يكسب ويربح ويجني الأموال للظفر بالفتاة، فقام يعمل ليله ونهاره لا يترك لحظة ولا دقيقة إلا وهو يعمل ويكد ويجتهد ويسابق الوقت، فهو ظل يعمل طوال هذه الأيام، غير أن الشاب لم يستطع جمع المال في هذه المدة البسيطة، فما كان من الشاب إلا أن قرر أن يذهب إلى والد الفتاة ليقدم له ما حصل عليه من مال ويقوم بأن يطلب منه أن يمهله أسبوعاً آخر.
فذهب الشاب إلى والد الفتاة وهو في قمة الأسى والحزن والحرج، غير أنه فوجئ مفاجأة كبيرة وهو يفتح باب البيت فإذا بضيوف كثيرة وحفلة كبيرة كأنه عرس، وظن الشاب من وقتها أنه عرس الفتاة على الرجل الثري صاحب الأموال الكثيرة، ولكن والد الفتاة بادره وسارع إليه وأخبره: أنه لن يجد أفضل من شاب مثله يكون زوجاً لابنته، وهو يقول له: لقد أثبتَّ جدارتك بابنتي؛ وأنت أهل للزواج منها، فتمت خطبة الفتاة مع الشاب وتزوجا وصارت حياتهما إلى هناء وسعادة، وأنجبا طفلين في منتهى الجمال، وكانت حياتهما في منتهى الحب والود والألفة.
هذه كانت قصتنا اليوم، وهي قصة كانت مشوقة إلى درجة بعيدة جداً، وأخذتنا نسرح في رحاب الحب الجميلة التي لا يشبع الإنسان منها أبداً، هذه قصة الشاب والفتاة اللذين اجتمعا على الحب والمودة والرحمة وانتهى الأمر بهما إلى الزواج والحياة الهنيئة السعيدة التي لا يكدرها شيء من منغصات الدنيا، فهنيئًا للذين يعيشون حياتهم في هدوء وبلا ضجيج، فالحياة الهادئة هي مظهر الحب الذي يعصف بقلوب المحبين، فالإنسان إذا أحب فليكن حبه طاهراً جميلاً نظيفاً لا تشوبه شوائب النفاق أو الغدر أو الخيانة أو غير ذلك مما يشوب الحب، والإنسان الحساس الشاعر بالحب لا يحصل له إلا أن يكون محبًّ بصدق لا نفاق في حبه ولا خيانة، ونتمنى أن تكون هذه القصة قد نالت إعجاب القارئ الكريم، ومع قصة أخرى في مكان آخر في هذا الموقع الجميل الرائع إن شاء الله تعالى.