بعد يوم طويل مليء بالخوف والحب استسلمنا للنوم ولكننا استيقظنا على صوت جرس الباب وطرقات سريعة لا نعلم مصدرها ، أفقنا قليلًا و توجه سهيل إلى الباب لكي يفتحه ، سمعت صوت والدته تبكي وتنهره بشده لأنه لا يجيب على هاتفه ، حاول أنه يشرح لها أنه كان نائم لكنها لم تقتنع وأصرت أن نذهب سهيل وأنا من جديد إلى القصر ، فمنذ عاد أبناء الأسرة بالأمس إلى القصر وأخبروها ما حدث لم تستطع تمالك أعصابها ولم ترتح إلا حين رأته ولن تقبل إلا بعودتنا إلى القصر ، طلب مني سهيل أن أذهب لأرتدي ملابسي وأعد أشيائي لنذهب ، وحين كنت في الداخل أعد أشيائي سمعته يطلب منها أن تحسن معاملتي وأن تعتبرني مثل ابنتها وألا تعيد ما حدث معي وإلا ذهب مرة أخرى ، فأنا زوجته ولابد أن يحترمونني إن كانوا يحترموه ويحبوه.
شعرت بحبه في تلك الكلمات ، وتذكرت موقف رامي مما حدث في السابق وتأكدت حينها أنني كنت على حق ، سهيل رجلًا يعرف ما يريد ويطالب به ويدافع عنه ، سهيل هو الرجل الصحيح لي مثلما قال والدي لي قبل زفافي بساعات ، وصلنا إلى القصر وتعامل الجميع معي برقي وذوق ، كانوا مقدرين للموقف الصعب الذي مر بسهيل وبي ، ويبدو أن شقيقه أخبرهم عن الصدمة التي أصابتني فوجدت والدة سهيل تحتضنني وتقول ” لقد عاد الفرح إلى منزلنا بعودتك يا عروس ، لم أكن أعلم أنك تحبين ابني بهذا القدر ، أتمنى أن تكون حياتكم آمنة وسعيدة ” شعرت أنها لأول مرة تشعر ناحيتي بشيء إيجابي وأعجبني الأمر.
حين صعدنا إلى غرفتنا أقترب مني سهيل محاولًا تقبيلي ولم أستطع منعه ، في الواقع لقد قضينا ثلاثة أيام كاملة لا نذهب إلى العمل ولا نخرج من غرفتنا ، أخبرني سهيل أنه يريد أن يعوض كل الوقت الذي فات وكنت بعيدة عنه فيه ، بدأت حياتنا تختلف ، بدأت أتحدث معه بصراحة أكبر وبدأت أشتاق له أكثر ، بدأت أخبره بما أشعر به ناحيته كل يوم ، حسنًا لقد تمكن سهيل من إيقاعي في حبه ، بل جعلني أعشقه.
مرت الأيام ومازال الحب بيني وبين سهيل يكبر ويصبح أقوى ، كنا في منزل أبي مع الأسرة كلها حين أخبرنا أبي أن رامي قرر أن يتقدم لخطبة شقيقتي الكبرى ، ضحكت ساخرة ويبدو أن سهيل كان يراقب ردة فعلي ، حين خرجنا سألته عن الأمر ، أجاب ” أردت التأكد أن الأمر لا يعنيك ” طلبت منه أن يتوقف جانباً ، نظرت له في عينيه وأخبرته ” أنا لا أرى من الرجال الآن سواك ، ما كان بيني وبين رامي هو وهم من ناحيتي وطمع من ناحيته ، لم أكن أنا المعنية وقد عرفت هذا من اليوم الذي طلبت منه أن يدافع عني ولا يسمح لك أن تقترب مني ورفض ، واليوم تأكدت ولذلك ضحكت” قال متسائلًا ” لم تحبيه ؟ ” أجبت بثقة ” سهيل ، أنا لم أشعر بالحب إلا معك أنت فقط ، أنا لم أعرف نفسي إلا معك أنت ولم أحب الحياة إلا معك أنت ”
تزوجت شقيقتي من رامي وبعد أقل من شهرين توفى والدي ، كانت صدمة كبرى بالنسبة لي وشعرت أن عالمي ينهار ، لم يتنظر أعمامي مرور شهر واحد على وفاة والدي وطالبوا بتقسيم نصيبه ، خاصة أن كل ذريته من البنات وبالتالي هم مشتركون معنا في الميراث ، عرفنا من الوصية التي تركها أبي أنه ترك لنا أموال سائلة وأصول من شقق وعقارات ولكن الشركات وهبها أبي لأعمامي ، تعجبت من الأمر كثيراً ، ولكن لم أعترض فهذه رغبة والدي وطالما احترمت رغبات والدي ، لكن ما قتلني هو ما حدث معي بعد تقسيم الميراث ، فقد قرر عمي محمود وابنه رامي أن لا مكان لي في الشركة لأنني ببساطة كما قالوا ” أعيش في معسكر الأعداء”
عدت إلى شقتنا أنا وسهيل ولم أرد أن أعود للقصر حيث عائلته ، أخبرت سهيل على الهاتف أنني في شقتنا ، إن أراد يمكنه أن يذهب إلى القصر، كنت أشعر بالغدر والمرارة ، فلم أكن أنتظر هذا من عمي أو من رامي ، بعد أقل من نصف ساعة وجدت سهيل أمامي ، أخبرني أنه عرف كل شئ – حسنًا سهيل يمكنه معرفة أي شئ – طلب مني ألا أحزن وأن باستطاعتي أن أعمل معه إن أردت ، على الرغم من رقته وعرضه السخي إلا أنني لم أتحمل الضغوط أكثر شعرت بدوار وكدت أسقط أرضاً ، اكتشفت يومها أنني حامل ، احتفلت بي أسرة سهيل بشدة والتفوا حولي جميعهم ، طالبت والدته أن أذهب إلى القصر لكي تتمكن من الاعتناء بي.
يبدو أن خبر حملي أزال أطنان الهموم التي تراكمت على كتفي منذ وفاة والدي ، بدأت أشعر بأن الحياة قد تكون جميلة مرة أخرى ، مرت شهور حملي بسلام ورفضت أن أنزل للعمل مع سهيل ، فضلت أن أقضي هذه الفترة بعيدة عن التوتر والقلق ، وبالفعل أتممت شهور حملي وأنجبت صبياً جميلاً ، فاجئني سهيل حين أخبرني أنه أطلق عليه أسم ” فريد ” على اسم والدي ، شعرت أن الدنيا كلها تحتفل بطفلي الصغير ، وتأكدت أنني اخترت الرجل الصحيح ، ولا أنكر أن ما فعله زاد قدره في قلبي درجات كبيرة.
مر عامان من السعادة مع سهيل وفريد الذي كان مدلل الأسرة كلها ، فهو الحفيد الأول مثله مثل والده وبالتالي حظي بالدلال كله ، لكن السعادة لم تستمر فقد مرض سهيل فجأة وصار يفقد الوزن بسرعة كبيرة ، كانت لدي مخاوفي والتي للأسف أكدها الطبيب ، سهيل مريض بالسرطان ، الحمد لله كان في مراحلة الأولى ولكن الأمر مازال خطيراً ، تركت فريد لجدته والدة سهيل وسافرنا سوياً إلى فرنسا ، قضينا هناك ثلاثة شهور كاملة حتى تعافى سهيل تماماً من مرضه وعدنا إلى الوطن من جديد.
كانت الأمور شديدة التعقيد ولم نعرف عن الأمر شيئاً إلا بعد أن عدنا ، عادت الحروب بين عائلتي عائلة علوي وبين عائلة سهيل عائلة القنصل ، حين عدنا للعمل كانت هناك أمور كبيرة مختلفة ، ولكنني بدأت أشعر بشيء غريب ، حتى سهيل شعر به ، لقد كانوا يعاملونني على أنني عميل مزدوج ، وما زاد الأمر سوءًا هو أن الشرطة ألقت القبض على الشخص الذي أطلق النار على سيارة سهيل وأعترف أن رامي محمود علوي هو الذي اتفق معه وأعطاه المال ، كنت أرى الاتهامات في أعينهم جميعاً ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل أن جميع العاملين في الشركة من عائلة القنصل رفضوا أن أكون جزءًا من اجتماعاتهم وهو ما أشعرني بالإهانة فأخبرت سهيل أنني سأترك العمل نهائياً معه في الشركة ، وافق سهيل .
في نفس اليوم في المساء وأثناء اجتماع كل عائلة القنصل أخبرهم سهيل بأنه قرر أن ينسحب من العمل وأن يؤسس لشركة جديدة له ولي وأنه سيبدأ في تنفيذ قراره من الغد ، وهو ما أصابهم جميعاً بالصدمة وأنا أيضاً ولكنها كانت صدمة حب ، سألت نفسي ” كم يحبني هذا الرجل ؟ لقد تخلى عن أسرته وأعمالهم من أجلي أنا ، تخلى عن تراثه وما سعى طوال عمره من أجل تحقيقه من أجلي ” حين صعدنا إلى غرفتنا طلبت منه أن يعدل عن رأيه ، أن يتراجع فأسرته لن تسامحني على قراره هذا .
أمسك بذراعي وضمني إلى صدره قائلاً ” حتى لو قاطعوني جميعاً ، أنا أكتفي بك ، لن أتراجع عن قراري ولن أتخلى عنك ، سنؤسس لشركتنا ، لعملنا ولن ندع أي شخص أو شئ يبعدني عنك ، ولن أقبل أبداً أي إهانة لك ، فأنت حبيبتي ، شريكتي ، وأم طفلي ولن أتنازل يوماً عنك ، أنا رجل أعرف ما أريد وأطالب به ، وأدافع عنه ، لذا لن أتخلى أبداً عنك ”