الحياة عبارة عن صراع كبير ، طوال الطريق نصارع غيرنا ونصارع الظروف وأحيانًا نصارع أنفسنا وقلوبنا ، هذا الصراع هو الكلمة التي تصف حياتي وحياة كل من حولي ، دعوني أعرفكم بنفسي لينا علوي من عائلة علوي الشهيرة التي تمتلك نصف استثمارات المدينة والتي لا يقترب منها في النفوذ والأموال سوى عائلة القنصل والتي لطالما كانت على خلاف وفي صراعات مستمرة مع أسرتي. أنا الابنة الصغرى لفريد علوي الشقيق الأكبر لكلًا من محمود علوي و جمال علوي ، أمتلك اختان أكبر مني ، ولا يوجد لدي أشقاء ذكور ، فضلت أختاي أن يكملوا مشوارهن التعليمي ويكتفوا بهذا ، يقضون حياتهن بين النادي الرياضي والمنزل وأماكن التسوق ، الحقيقة لم تكن تلك حياتهن فقط ، بل كانت حياة كافة سيدات الأسرة ،
ولكن بالنسبة لي كان الوضع مختلف ، كنت دائماً أحلم أن أقف جنباً إلى جنب بجوار والدي وأن أتعلم من خبرته ومهارته في عالم التجارة.
درست العلاقات العامة في الجامعة وتخرجت منذ ثلاثة أعوام ، من قبل التخرج وأنا أعمل مع والدي في المقر الرئيسي للشركة والذي يديره عمي محمود علوي ، والذي حرص على أن يساعدني منذ اليوم الأول وأن يدفع ابنه الأكبر رامي على أن يشرح لي كل ما أحتاج حتى أتقن عملي ، حين تخرجت توليت مسؤوليات أكبر وكان هذا أكبر دافع لي لأعلم أنني أسير في الطريق الصحيح وأن ما اخترته لنفسي أفضل ما يمكنني أن أفعله في حياتي ، كانت العلاقة العملية بيني وبين رامي قوية ولا أنكر أنني شعرت بمشاعر قوية اتجاهه ، وكنت أحب قضاء الوقت معه ، وزاد الأمر حين صارحني هو بمشاعره اتجاهي ، وبالفعل تحدث والده مع والدي وكان الاتفاق أن تتم الخطبة عقب أن تنتهي مراسم زفاف شقيقتي الكبرى ، كانت المسألة ترتبط بالوقت ليس إلا فزفاف شقيقتي بعد أقل من شهر واحد.
شهدت الفترة قبل الزفاف الكثير من التوتر والقلق خاصة في العمل ، فقد حرصت عائلة القنصل كعادتها أن تضايقنا وأن تصارعنا في كل صفقة نحاول الدخول إليها ، احتدم الوضع كثيراً ولكن باقي رجال الأعمال في السوق أتفقوا جميعاً على أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر ، فليس من مصلحة عائلة علوي أو القنصل الاستمرار في هذه الحرب ، وليس من مصلحة أياً من رجال الأعمال الآخرين في السوق أيضاً ، فهذا التوتر ينتقل إليهم ويؤثر على ما يقومون به من أعمال أيضاً.
اجتمع رجال الأعمال ومن ضمنهم والدي وأعمامي وكنت أنا أيضاً ورامي من ضمن الحضور ، وكذلك حضرت عائلة القنصل بكافة أفرادها والحقيقة أنهم أيضاً كانوا منخرطين في أعمال أسرتهم بشكل كبير ،
فالشقيق الأكبر المسؤول عن العمل لديهم لم يتزوج وأعتبر أولاد أشقاءه مثل أولاده وبالتالي كانوا مسؤولين معه عن مسيرة العمل ، وكان نصيب الأسد من حق سهيل الذي كان الحفيد الأول للأسرة وأكثرهم خطراً فقد كان له عقلية تجارية لا يمكن أبداً الاستهانة به وكان يعرف كيف يستخدم أدواته بشكل ممتاز.
كان أكبر رجال الأعمال سناً في هذا الاجتماع كمال الطوبجي والذي تحدث لأطول فترة وطلب من أسرتنا وأسرة القنصل التعهد بألا نزعج بعضنا البعض من جديد وأن نتفق كي لا تستمر هذه الحرب بدون أي داعي ، وافق الطرفان احتراماً لهذا الرجل الكبير والذي نقدره جميعاً ، ولكن قبل نهاية الاجتماع تقدم سهيل وقال ” أن أفضل شئ لضمان تنفيذ هذا الاتفاق هو أن يتزوج أحد رجال أسرة القنصل بفتاة من أسرة علوي” ، وبالطبع كان السبب في هذا أن أسرة القنصل 90% منها رجال ، إلا فتاة واحدة في الثامنة من عمرها وبالتالي لا تصلح للزواج.
وافق أبي وأعمامي على هذا الاقتراح بعد ضغط من كمال الطوبجي وعرفنا يومها أن العريس المقصود هو سهيل نفسه ، لم أشعر بأي قلق حينها ، فهناك شقيقة لي أكبر سناً وبالتالي من المنطقي أن تكون هي الاختيار ، كذلك هناك ثلاثة فتيات أخرى غيري وغير شقيقتي في سن الزواج وأنا أصلاً في عداد المخطوبة لابن عمي ” رامي ” ، يومها طلب سهيل أن يتعرف علينا لكي يختار عروسته ، لم أتحمل الأمر أكثر من هذا وصرخت في وجهه ” من تعتقد نفسك ؟ أنت لا تشتري قطعة ملابس أو هاتف غبي ، أنت تختار عروس ، فتأدب ” توقفت القاعة بكل من فيها عن الحديث وغطت في صمت رهيب لم يقطعه إلا صوت سهيل وهو يضحك ويخبر أبي ” حسناً ، سنقرر في يوم زفاف كريمتكم العروس المقبلة ” ، شعرت بغيظ ولكن والدي أمسك بيدي وضغط عليها كي لا أرد عليه مرة أخرى.
ذهبت مع رامي في سيارته وكنت تقريباً أصرخ طوال الطريق من كثرة الغيظ ، كيف يمكنهم احتمال هذا الشخص المتكبر المغرور ، من يعتقد نفسه لكي يتحدث بهذه الثقة و يفكر في بنات الأسرة وكأنهن قطع بضائع يختار منها ما يشاء ،
قاطع رامي تفكيري بسؤال غبي فنسيت غضبي وبدأت أضحك على سذاجته.
في يوم الزفاف كانت جميع الفتيات متأنقات للغاية فمن تارة أنها فرصة جيدة للتأنق كما أنه على ما يبدو كلاً منهن تتصارع لكي تكون هي العروس الفائزة ، كنت أنظر لهن بسخرية على مدى التفاهة والغباء ، فهن لا يعرفن مدى سوء هذا العريس المنتظر ، مر يوم الزفاف بسلام ، طلب مني أبي أن أذهب معه للترحيب بعائلة القنصل ، ذهبت معه رغم رفضي وحاولت أن أتجنب الاحتكاك مع سهيل بأي شكل ، حين سلم علي أقترب من أذني أقرب من اللازم وقال ” الدور القادم أنتي ” توقعت أنه يتحدث عني وعن رامي ، لكن ما حدث في الأيام التالية لم يكن في الحسبان.
في أول أيام العمل بعد زفاف شقيقتي فوجئت بـ ” سهيل ” يجلس مع عمي محمود الذي استدعاني وأخبرني أن سهيل كان في مكان قريب من شركتنا فقرر أن يمر ليسلم عليه وعلي ، تعجبت و طلبت من عمي أن أنصرف لأن لدي الكثير من الأعمال التي تشغلني ، في نفس اليوم في المساء اجتمعت العائلة كلها في منزلنا و تناولنا العشاء سوياً بحضور العروس ، وحينها فجر والدي المفاجأة التي لم تكن في الحسبان ” سهيل يريد الزواج من لينا ” هكذا قالها والدي بكل هدوء ، لم أفهم ما قاله والدي للتو و حاولت أن أجادل ، لكن والدي وأعمامي جميعهم أخبروني أن الأمر لا يمكن فيه المناقشة ، فـ سهيل يعتبر الوريث الشرعي لأعمال عائلة القنصل وحالة السوق في الوقت الحالي توجب علينا التعاون لا الحرب ، وإن رفضت هذا الزواج ستقوم الحرب من جديد.
لم يعجبني ما سمعت وغادرت إلى غرفتي ، فكرت كثيراً ماذا يمكن أن أفعل حاولت أن أتصل بـ رامي أكثر من مرة لكنه لا يجيب وهاتفه لا يعمل ، تخيلت أنه في حالة نفسية سيئة ، فأنا أبنة عمه وحبيبته ولابد أنه يشعر بالسوء ، في اليوم التالي ذهبت مبكراً إلى العمل وانتظرت رامي في مكتبه ، كانت حالتي سيئة فأنا لم أنم ساعة واحدة وأشعر أن الدنيا تخنقني ولا تترك لي أي فرصة للتنفس ، تحدثت طويلاً مع رامي وطلبت منه أن نهرب ، نترك كل شئ خلفنا ونسافر إلى مكان أخر ، إلى دولة أخرى لا يعرفنا فيها أحد ونبدأ سوياً فأنا قد أقتل نفسي ولا أرتبط بسهيل هذا ، وقف رامي أمامي جامد كالصنم ، وبعد فترة من الصمت قال ” إنها أسرتنا ويجب أن نضحي من أجلها ومن أجل مستقبلها ، وزواجك من سهيل القنصل سيوفر مستقبل أفضل للأسرة وأعمالها ، ويجب ألا تكوني أنانية ، لقد تخليت عنك من أجل الأسرة ويجب أن تضحي أنت أيضاً ”
لم أعرف كيف يمكنني أن أرد على ما قاله رامي ، شعرت أنه يصفعني بلا رحمة ، لكنني وقفت أمامه بشموخ وقلت له ” كنت أعتقد أنك رجل ، لكن من الواضح أنك لست كذلك ، حسناً ، سأضحي وسأتزوج سهيل الذي أراهن أنه رجلاً أكثر منك ، فعلى الأقل تمكن سهيل من أن يطالب بما يريد ، أما أنت فلا يمكنك حتى الدفاع عما هو لك بالفعل ، أنا أكرهك من كل قلبي ” صفعت الباب وخرجت ، خرجت من الشركة وتوجهت إلى المنزل حيث كان والدي ، أخبرته أنني أوافق على الزواج من سهيل.