قصة مآثرمن القصص الواقعية المؤثرة

منذ #قصص واقعية

الحياة الطويلة العريضة التي نحياها مليئة بقصص الكادحين الذين خاضوا غمار تلك الحياة بنفوس راضية مطمئنة ،نفوس يملؤها الإيمان واليقين في رحمة الله .

لكن (أحياناً) يكون من الصعب على النفس الكادحة أن تجد أنها عاجزة عن فعل أي شىء نافع لها أو للآخرين!!

من تلك النفوس أقص عليكم اليوم قصة مآثر تلك الفتاة المسكينة ذات النفس البريئة التي لاتحمل حقداً أو ضغينة لأحد على وجه الأرض.

جاءتني مآثر ذات يوم مكسورة الخاطر والفؤاد قائلة:

نحن أسرة صغيرة مترابطة نحب بعضنا بعضاً ، أسرتي مكوّنة من ثلاثة أفراد أبي الذي يبلغ من العمر 70عاماً وأخي عبدالستار الذي حصل على دبلوم فني متوسط بعد كفاح مرير، أما أمي فقد توفيت ونحن ما زلنا صغار ،وكنا نعيش كأي أسرة بسيطة نتحمل الظروف الصعبة القاسية وعائلنا هو أبي الذي خرج إلى المعاش وتقاعد لمرضه الشديد بحساسية في الصدر ، نفس المرض الذي ماتت بسببه أمي بعد معاناة رهيبة.

وجدت نفسي وأنا طالبة بالصف الأول الثانوي سيدة البيت المسؤلة عنه وأن علي أن أدبّر حياتنا بمعاش أبي البسيط الذي لا يتجاوز ستون جنيهاً ينفق جزء كبير منها على الأدوية الضرورية ،

فأصبحت أذهب للمدرسة كل يوم ثم أذهب إلى السوق لأشتري الطعام وأعود لأنظف البيت وأطهو الغداء وأغسل الملابس وأجلب المياه على رأسي لأن بيتنا ليست فيه !

أما أخي عبدالستار فعمل في مكتب للتجارة يديره أحد أقاربنا خلال أجازة الصيف وعندما تبدأ الدراسة يترك العمل ويتفرغ للدراسة ،لكننا لم نستطع تحمل الحياة بالمعاش الصغير فاضطر أخي للخروج مرة أخرى للعمل كعامل في محل للحلوى بمرتب صغير للغاية!!

وواصلنا الحياة بصعوبة ولكن نفوسنا مليئة بالمرح والأمل والعطف والحب لبعضنا البعض، فكنت في أيام الشتاء الباردة لا أجد ما نقتات به وأرى أخي المسكين عبدالستار عائداً من معهده على قدميه مسافة خمسة كيلو مترات منهكاً فأقوم على الفور وأصنع عجينة من الدقيق والزيت والماء وأصنع منها فطائر (عجينة) نأكلها بالسكر ونحمد الله على ذلك ،أما في أيام رمضان فكان بعض الجيران يدعوننا للإفطار بدعوى (العزومة) وهي في الحقيقة(صدقة) وجزاهم الله خيراً على كل حال ،كما اضطررت في مرات أخرى لقبول المساعدات المادية من بعض الأهل في رمضان في صورة (هدية) وهي في الحقيقة زكاة المال التي يخرجونها علينا!!

رغم كل شيء كانت الأيام تمر وربك لا ينسى عباده مهما كان الظلام فعندما كنت مريضة بإلتهاب اللوزتين المزمن وأنا في المدرسة وعرفت زميلتي بذلك فما كان منها إلا أن أحضرت لي كوب شاي وغداء على حسابها، أما أخي الحبيب عبدالستار فقد طلب منهم المدرس لابد أن يدفع عشرون جنيهاً لحجزه

فوقف صامتاً حائراً ،فما كان من زملائه إلا أن جمعوا له هذا المبلغ الكبير ودفعوه بأسمه!

وكثيراً ما كانت الأحصائية الإجتماعية في مدرستي توّزع في بعض الأيام سندوتشات على الطالبات الفقيرات فكنت أظل طوال الفسحة اتمشى أمام مكتبها ذهاباً وإياباً حتى تراني وتشفق علي فتعطيني ساندوتش بيض أو جبنة اتناول نصفه واحتفظ بنصفه الآخر لأخي عبدالستار حين أعود للبيت

أما المفاجأة الكبرى فقد حدثت حين نهضت أنا وأخي ذات يوم للذهاب للمدرسة وكان الجو بارداً جداً وكنت في غاية الجوع وليس في البيت أي طعام فقررت أن أشرب أنا وأخي كوباً من الشاي فقط ونخرج ولم أجد عود كبريت لأشعل الموقد , فرحت أبحث عن عود كبريت في شنطة المدرسة وفي جيوبي لفترة طويلة ، فإذا بالمفاجأة الكبرى انني وجدت ورقة مالية من فئة الجنيه ،لا أعرف من أين جاء ولا كيف اختفى طوال هذه المدة فصحنا من الفرح وأسرعت فاشتريت عدة أرغفة من الخبز وأكلنا بعضها وكان ساخناً لذيذاً بالسكر وتركنا لأبي رغيفين وخرجنا إلى المدرسة ونحن نمرح ونضحك!

وهكذا مضت أيامنا حتى تخرج أخي من معهده بصعوبة بالغة بسبب ظروفنا واضطراره للعمل ، أما أنا فقد وصلت إلى الثانوية العامة لكني رسبت فيها عامين متتاليين بسبب إضطراري أيضاً للعمل بعد غلاء المعيشة الرهيب وإرتفاع ثمن الأدوية لأسعار فلكية! وقد اضطررت لإعادة الثانوية العامة للمرة الثالثة وقد دفعت (مهر عروسة) للمدرسة لكي تعيد قيدي وكان مبلغاً كبيراً اقترضناه من الأهل وظللت أسدده فترة طويلة على أقساط شهرية حتى لايضيع مستقبلي ، وعاد أخي عبدالستار للعمل مرة أخرى لمساعدتنا على الحياة الصعبة!

ذات يوم رجع عبدالستار من عمله وحدّثني عن فتاة تعمل معه وأنه يحبها ويرغب في الإرتباط بها !

يا إلهى أخي عبدالستار يحب!! نعم يحب ! وفرحت له من قلبي وأنا في داخل نفسي أعلم أنه ليس من قدرنا نحن الكادحين في بحر الحياة الهائج أن نحب ونتزوج!! كيف ومن أين ولماذا؟!!

وحدث بالفعل ما توقعته من أول جلسة رأيت فيها فتاته وأدركت من أول نظرة أنها ليست من ذلك النوع الصابر الذي يمكن أن تنتظر كفاح فتاها إلى أن يكّون نفسه، وعندما صارحتها أن أخي لا يملك أي شيء غير راتبه الصغير وأن أمامه الطريق طويل حتى يكون جاهزاً للزواج، طلبت مني مهلة للتفكير وكان ردها سريعاً أنها لا تستطيع الإنتظار وتريد عريساً جاهزاً ،وقتها أشفقت على أخي عبدالستار مما ســــــوف يشعر به من عجز وألم حين أبلغه بذلك!

وحدث ما توقعته وأصبح عبدالستار حزيناً شارداً لا يتكلم إلا نادراً وحاولت إقناعه بأن هذه الفتاة لاتستحق الحزن عليها فأجابني متألماً بأنها على حق فيما قالت لأن الحب والزواج ترف لاتسمح به ظروفنا!!

وتضاعفت آلامي حين ظهرت نتيجة الثانوية العامه ورسبت للمرة الأخيرة وضاع مستقبلي وأملي في النجاح نهائياً ، وصدّقني أخي حين عرفت ذلك لم أبك لأن الدموع جفت طوال السنوات السابقة وإنما قلت الحمد لله على كل حال ،

وأنا الآن فقط أعيش في حيرة كبيرة وأريد مساعدة أخي عبد الستار فالوظيفة راتبها ضعيف وأرجوا أن يسخّر الله له أحد رجال الأعمال العرب لمساعدته بقرض صغير ليبدأ مشروعاً صغيراً يستطيع أن يبدأ به حياته العملية ويقف على قدميه.

تلك السيرة الذاتية الرائعة لتلك الأسرة الكبيرة هي حقاً وصدقاً خير تجسيد للأسرة المسلمة الصالحة كما أراد المولى جل في علاه بأن تكون تراحماً وتعاطفاً وتكاتفاً في وجه أنواء الحياة !

اعلمي أختاه إنه إذا غابت الشمس عن حياتك اليوم فسوف تشرق غداً بإذن الله، وإدا أمطرت السماء صواعق فسوف تصحوا السماء بإذن الله، إن خطوات الفشل ليست نهاية الطريق بل هي بدايته!

لا تحزني سوف تنجحين في إختبار الحياة الحقيقي بعون الله، وكوني على يقين إنكِ لم تخسري أي شىء ما دمت لم تخسرِي إيمانك باللـه فليس المهم أن يعرف الإنسان متى يصل ولكن الأهم أن يعرف أنه سوف يصل يوماًَ ما بمشيئة الله.

لقد تأملت كثيراً في مغزى هذا التراحم الملائكي الذي يأسر القلوب وأنت تتقاسمين كسرة الخبز التي حصلت عليها في المدرسة وتحرمين نفسك من نصفها لتقديمها لشقيقك في البيت أو وأنتما تتقاسمان أرغفة الخبز الجرداء بلا آدام لتتركا لأبيكما المريض بعضاً منها ليأكله!! ياالله إنها صورة رائعة من صور الرفق الذي قال رسولنا الكريم أن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخله عليهم، أما أخيك عبدالستار فسوف يُسخّر له المولى برحمته من يساعده في مشروعه الصغير ،

وأني لأرجوا الله أن يهدي رجال الأعمال في أمتي الإسلامية والعربية إلى طريق الحق ومساعدة شباب الأمة اليائس بمشروعات حقيقية ناجحة وليس نوادي ملاهي وصالات ديسكو وقنوات فضائية (جوفاء) تهدم نفوسهم وتسرق جيوبهم وتحطم آمالهم وأحلامهم عن طريق مسابقات المحمول والوهم العريض!!!

أتمنى أن أجد في أمتي رجل أعمال في وزن رجل الأعمال المصري الراحل عثمان أحمد عثمان الذي كان قدوة ومثل لم نحتذ به للأسف، بل مشينا نلهث وراء أقزام وشياطين أعمال لا يهمهم غير مصلحتهم فقط وليذهب الجميع إلى الجحيم بعد ذلك!!

ولسوف تحققين لنفسك كل ما تحلمين به وكل ما تستحقينه من الدنيا بعد كل هذا العناء ،وبهذه النفس الروحانية الطيبة العطوف التي تنطوين عليها واعلمي أن التعليم العالي ليس هو طريق النجاح الوحيد في الحياة ! فدروب النجاح عديدة، ومدرسة الحياة أكبر جامعة إنسانية لمن يريد أن يتعلم حقاً وتصقله التجارب والإختبارات والإبتلاءات .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك