قصة آمنة: وحدة المصير

منذ #قصص واقعية

النفس البشرية مثل الكأس التي تمتلئ عن آخرها وتفيض فجأة إذا تلقت قطرة واحدة زائدة على قدرتها النهائية على قبول المزيد !

وبكل أسف هناك

بعض) الأزواج يتغافلون عن إدراك أن كأس شريك حياته قد امتلأت ولم يعد بها متسع للمزيد ، وبدلاً من محاولة إفراغ مخزونها القديم من المرارات بالاعتذار ومحو الإساءة وحسن العِشرة والعطاء ، نجدهم يواصلون الضغط وإضافة المزيد والمزيد حتى تفيض الكأس بما فيها ويطفح الكيل ويحدث الانفجار الكبير !

وحدة المصير بين أي زوجين وحدة كلية لا تتجزأ أو تقبل القسمة على اثنين وفي الحديث الشريف :

التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، والجماعة بركة والفرقة عذاب

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .هكذا ينبغي أن يكون الحال بين الأزواج ، حيث يقدّر كل منهما الآخر ويحترمه ويصبح الجو العام السائد بينهم هو المودة والرحمة .

لكن ما حدث مع آمنة كان مختلفاً، فقد ندمت على ما فعلت ولكن بعد فوات الأوان ... تقول آمنة : أنا سيدة في الثامنة الثلاثين من عمري ، نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وستة من الأبناء ، رحلت أمي عن الحياة وأنا طفلة صغيرة ن ولم يصبر أبي وسارع بالزواج من سيدة أخرى وانفرد معها بأكبر غرفة في شقتنا الصغيرة التي نقيم فيها وتكدسنا نحن الأبناء الستة في الغرفة الثانية ، ولم تلبث الحياة أن كشرت لنا عن أنيابها وبدأ الصراع بيننا وبين زوجة أبي الذي انصرف عنا كلياً وانشغل بزوجته ، فكانت النتيجة أن فشل كل إخوتي في الدراسة ، أما أنا فقد تمسكت بفرصتي في التعليم ودبرت أمري بحيث أواصل الدراسة مهما تكن الظروف قاسية وصعبة .

وفقني الله والتحقت بكلية التجارة ، وهناك في مجتمع الجامعة بدأت أرى زميلاتي يرتدين أحدث الملابس والموديلات ، وأدخل بيوتهن فأرى التليفزيون الملون والمياه الساخنة وأشياء كثيرة أعيش أنا وإخوتي المساكين في حرمان تام منها ! في الكلية توثقت العلاقة بيني وبين زميلة لي يعمل والدها بأحد البنوك الاستثمارية الكبرى ، فكنت أتردد عليها كثيراً وأقضي معها أوقات طويلة . مرت الأيام وتخرجت من الكلية ، وألححت على صديقتي أن ترجو والدها أن يتيح لي فرصة للتدريب في البنك معها ، وافق والدها وتدربت خلال عام الخدمة العامة ، وبعد عامين عُينت في نفس البنك بمساعدة والد صديقتي وتم توزيعي على أحد أقسام البنك ، وهناك وجدت رئيس القسم عبد الله، شاب يكبرني بنحو عشر سنوات ، وسيماً أنيقاً ، خدوماً ويحسن التعامل مع العملاء .

نظرت حولي فوجدت كل فتيات القسم معجبات به ويتمنينه لأنفسهن ، فأدركت أنه حلم صعب المنال بالنسبة لي ! ذات يوم وبالمصادفة البحتة سمعته يتحدث إلى صديق له في التليفون ويضرب له موعداً للقاء في الثالثة بعد ظهر اليوم التالي أمام البوابة الرئيسية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب . على الفور قررت أن أذهب للمعرض في نفس الموعد والتقي به كما لو كان لقاء المصادفة !!

ذهبت للمعرض ورأيته وعبرت الطريق أمامه كأنني لا أراه وناداني محيياً ، فأظهرت دهشتي لتلك المصادفة السعيدة ، قلت له : ـ كنت على موعد مع إحدى صديقاتي لزيارة المعرض لكنها لم تحضر .. صدفة عجيبة فقد كنت أنا الآخر على موعد مع أحد أصدقائي ولم يحضر ! وسألني عبد الله عما إذا كنت أرغب في مشاهدة المعرض معه ، فرحبت علي الفور ، وفي اليوم التالي أمضيت معه يوماً سعيداً آخر ووجدته إنساناً كريماً ودوداً ، وفوجئت به في نهاية اليوم يعرض علىّ الزواج ، ساعتها غلبتني دموعي من الفرحة ن وفاتحت أبي برغبة رئيسي في العمل في التقدم لي ، فرحب به وجاء عبد الله مع أخته وأخيه والتقوا بأبي ، وصارحه أبي بأننا لا نملك شيئاً وأنه إذا أراد أن يتزوجني فعليه أن يتكفل بكل شيء دون أي مساعدة منه ، ووافق عبد الله وتم عقد القران ، وبعد فترة قصيرة تم الزواج وانتقلت إلى شقة زوجي الجميلة المؤثثة بكل الكماليات وأجهزة التكييف والأجهزة الكهربائية الحديثة .

أخيراً تحقق ما كنت أحلم به وأصبحنا نذهب سوياً للعمل ونرجع منه معاً كل يوم ، وكنت أدخر كل مرتبي في دفتر توفير بالبنك لأن زوجي الكريم رفض نهائياً أن أنفق شيئاً علي البيت ! مرت الأيام وحملت وأنجبت طفلة جميلة وحصلت علي إجازة بدون مرتب من عملي ، وحملت مرة أخرى ثم ثالثة وأصبح لدينا ولدان وبنت . . مضت أيامنا جميلة هادئة وكنا نتجاوز بالتسامح والمودة جميع خلافاتنا البسيطة ، وتقدم زوجي عبد الله في عمله وازداد دخله وتقدمت أنا باستقالتي من البنك كي أتفرغ لأطفالي وبيتي .

مرت الأيام وزوجي الحبيب يضعنا في بؤرة اهتمامه ولا يعكر علينا صفو حياتنا سوى عصبيتي الزائدة عن الحد مع زوجي وأطفالي . كنت أثور لأتفه الأسباب وعبد الله يهدئ من روعي ويستحلفني ألا تحدث أي مشادة بيننا أمام الأطفال حتى لا تتأثر نفسيتهم .

في تلك الفترة دخل زوجي في بعض المشروعات التجارية مع بعض أصدقائه وبدأت مشروعاته في النمو ، وأصبحت تدر علينا دخلاً كبيراً ، وحاول عبد الله الحصول على إجازة بدون مرتب ليتفرغ لأعماله التجارية فلم يوفق ولم يجد مفراً من الاستقالة من البنك والتفرغ لأعماله الخاصة .

فجأة اضطربت مشروعاته التجارية حين استولى أحد شركائه على قيمة أحد الشيكات وفر بها فتأثرت الأعمال التجارية واضطربت أحواله ووصل الأمر إلى ساحة القضاء ! لم ييأس عبد الله والتحق بالعمل بأكثر من شركة تجارية ولم يوفق . في تلك الفترة زادت عصبيتي معه بشكل فظيع ، فكنت اشتبك معه في مناقشات عنيفة حتى الفجر وهو يرجوني أن أخفض صوتي حتى لا يسمعه الأبناء .

تطورت الأمور بيننا وهجرته إلي بيت أبي أشكو إليه حالي ، فقال لي أبي أنه لا دخل له بحياتي مع زوجي وأن من حقه أن يدير أموره كيفما يشاء ما دام لا يقصر في شيء مع أولاده .

مرت الأيام والشهور وفجأة رحل أبي عن الحياة وأنا مقيمة لديه ، بعد وفاته أخبرتي زوجته أن الشقة باسمها ، وفوجئت بحضور سيدة أخرى تخبرني إنها زوجة أبي أيضاً وهذا الطفل ابنه ! هكذا وجدت الدنيا كلها تنهار حولي ولم يعد لي مكان في بيت أبي ، فاضطررت للعودة لبيتي ومعي أولادي ، وبعد وفاة أبي بدأ أخي الأكبر الذي لم يكن يزورني كثيراً من قبل ، بدأ يزورني ويهتم بأمري ، تعجبت من اهتمامه المفاجئ بي لكني كنت سعيدة بذلك وبدأت اعتمد عليه وأحكي له كل كبيرة وصغيرة في حياتي ، وأصبحت استجيب لنصائحه حتى أنني هجرت غرفة نومي وكنت أنام في حجرة الأبناء بناء على نصيحته حتى يجد زوجي عبد الله حلاً لمشكلاته كلها !

ذات يوم طلب مني عبد الله أي مبلغ معي كي ينفق منه على البيت ، إلي أن يحل موعد صرف شيك معه يستحق السداد بعد شهر ، فنهرته بشدة ونطقت في حقه بألفاظ جارحة كثيرة ، وعبد الله صامت لا ينطق حتى استيقظ الأطفال من نومهم على صوتي يصرخون ويبكون !، فأدخلتهم حجرتهم وأنا سعيدة لأنهم ظنوا أباهم يعتدي علىّ بالضرب ! مضت الأيام وزوجي يحاول إصلاح الأحوال بلا فائدة ، فقد كانت نصائح أخي تنسف جهوده دائماً . هكذا أحلت حياتي إلي جحيم واعتاد الجيران سماع صوتي العالي وإهاناتي لزوجي الطيب وهو يتحمل صابراً يستحلفني بالله أن أدعه يعيش في أمان وهدوء حتى يستطيع تدبير رزقه ورزق أولاده ، لكن هيهات . هيهات فقد ركبني شيطان العناد واستمرت حياتنا على هذا المنوال أكثر من عام ، حتى جاء يوم أسود فوجئت بورقة طلاقي تصلني من زوجي عبد الله ، وكانت صدمة هائلة لي ، فجمعت منقولاتي واستلمت مؤخرا الصداق وأسرعت اتصل بأخي فحضر ليشاركني في مصيبتي !

اتفق شقيقي مع عبد الله أن آخذ معي أولادي بناء على طلبي مقابل أن أتكفل بنفقاتهم وألا أطالب مطلقي بشيء ، وذهبت للإقامة في بيت أخي لفترة لم تطل لكثرة المشاكل بيني وبين زوجته ، فانتقلت للإقامة في شقة صغيرة على السطوح .. مضت الأيام وأنا أتحمل مسئولية الإنفاق على أبنائي من مدخراتي ، وفوجئت ذات صباح بابنتي الكبرى تخرج دون أن تعود ، وعلمت بعد ذلك أنها تقيم عند أبيها وسوف تعود في الغد ، وذهبت لإحضارها ومعي إخوتها من أمام المتحف المصري ، وبعد قليل حضر زوجي السابق بسيارته ومعه ابنتي واندفع إليه الولدان في شوق ولهفة وفرح ، ورأيته يحتضنهما ويقبلهما والدموع تملأ عينيه ، ثم أعطي كل واحد مظروف به ألفان من الجنيهات ولابنتي مظروفاً مماثلاً ، وودع الأبناء وانصرف مسرعاً بسيارته وأنا أقف فوق الرصيف وكأنه لا يراني ويتجاهلني تماماً !

بعد ذلك الموقف حدث تحول غريب من الأبناء تجاه والدهم وبدئوا يتهمونني بأنني السبب في حرمانهم من أبيهم ، وأصبحت أعيش في موقف حرج للغاية وأدركت مدى الجرم الذي افتريت به على عبد الله ومدى الخطأ الجسيم الذي ارتكبته في حقه .. لقد حطمت حياتي ودمرت بيتاً كان من أسعد البيوت .. لقد خسرت كل شيء بسبب استماعي لنصائح أخي الذي لم ينفعني في شيء !

وانتفض مارد العصيان داخلي وسد كل أبواب التفاهم بيننا .. لقد تناسيت وتغافلت عن حقيقة هامة هي أن مصيرنا واحد وأن ما يربطنا هم أولادنا وكان واجبي أن أحافظ على بيتي من أجلهم ، لكنني بغباء شديد استسلمت لأهواء نفسي وعصبيتي الزائدة ، فحطمت كل شيء جميل حولي ! لقد كنت في نعمة كبرى ، جحدتها وجحدت فضل ربي علىّ ، وليس هكذا تفعل الزوجة المخلصة التي ترتبط مع زوجها بوحدة المصير في السراء والضراء ، والصحة والمرض ،وفي الفقر والغنى ! اعترف أنني نادمة وكم كنت متحجرة المشاعر .. صخرية القلب حتى كفرت بعِشرة زوجي الطيب الحنون الذي تحمل منى الأذى صابراً محتسباً !

لكن هل يفيد الندم بعد فوات الأوان ؟!!

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك