قصة احسان: انكسارات الحياة

منذ #قصص واقعية

الحياة بأحزانها وآلامها وانكساراتها يجب علينا مواجهتها بروح عالية لا تنال منها الأحزان والانكسارات ولا تطبعها بطابع المرارة والسوداوية والأحقاد ، فمهما كانت كئيبة وسوداء فسوف نجد فيها زاوية مضيئة تعادل الأحزان والآلام ، ونعم الله علينا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى والوعي بهذه النعم نعمة كبرى وفضل كبير من الله سبحانه وتعالى علي عباده كي يعينهم على مواجهة صدمات الحياة وأحزانها .

إحسان سيدة حامدة شاكرة لربها على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، واجهت أقدارها بكثرة الحمد والتسبيح ، تقول إحسان :

أنا ببساطة ممن ينظرون إلى نصف الكوب المملوء ولا يركزون أنظارهم على نصفه الخالي فتثور لديهم أسباب السخط وعدم الرضا ، كما أنني أيضاً ممن يحمدون الله دائماً على أي حال ما دام قد رضيه لي وأراد أن يختبرني به ، فحين كنت أعاني من قسوة زوجي حسن واهاناته الشديدة لي كنت أنظر إلى أبنائي وأنا في غمرة الضيق فأجدني في نعمة كبيرة حُرم منها غيري ، وحين كان أهل زوجي يتمادون في استفزازي وإهانتي كنت أحمد الله على صديقاتي المخلصات التي امتدت صلتي بهن من أيام الدراسة واستمرت قوية دافئة حتى الآن فأشعر أن الدنيا ما زالت بخير ، وحين قرر زوجي أن ينهي دوري في حياته مع انتهاء عمله خارج البلاد وعودتنا إلى بلادنا وأنا ما زلت في الثلاثين من عمري ؛ عدت أنظر إلى أولادي أتحدى بهم واقعي المؤلم !

وخلال رحلة العذاب بين أروقة المحاكم بحثاً عن حقوق أبنائي وحقوقي علي زوجي الظالم الذي لم يتق الله فينا ولم يحفظ عِشرة السنين ؛ كان بصري يتعلق بالسماء دائماً أملاً ورجاء في رحمة الله .. ورغم أن زوجي كان ينتصر دائماً بأساليبه الملتوية لإثبات عوزه وإعساره حتى يتنصل من مسئولياته المادية ؛ كنت أسجد لله شكراً لأنه أنعم علىّ بنعمة الرضا والقناعة واليقين بصره لي في النهاية .. وكلما استسلمت للذكريات المؤلمة والأحزان أفقت من هذه الأفكار السوداء والمحزنة على ابتسامة أطفالي الذين وهبهم الله لي وهم يتحركون حولي في مرح وسعادة فأرضى بنصيبي من الدنيا وأحمد الله على كل حال .، واتخذت قراري النهائي بالتفرغ التام لأولادي ورفضت الزواج مرة ثانية وشغلت نفسي بزيادة قدراتي واتجهت لتعلم الكمبيوتر ودراسة اللغات ، وانشغلت كلياً بمطالب أطفالي الصغيرة وحكاياتهم اللذيذة وشواغلهم الممتعة ، فوجدت كل الذكريات الحزينة تنحسر من ذاكرتي تدريجياً .

ذات يوم التقيت بزوج شقيقة طليقي التي أسهمت فعلياً بالنصيب الأكبر في هدم بيتي وتشتيت أبنائي ، فوجئت به يبدي لي أسفه على ما كان من زوجته وأسرتها معي ، فقلت له أن هذا قدري وأنني أحمد الله على كل حال وتركته ومضيت في طريقي ، ساعتها فكرت فيما قاله لي وحمدت الله أن أظهر ظلمهم لي حتى لأقرب الناس إليهم ! وظننت أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد إلا أنني فوجئت به يطاردني في كل مكان أذهب إليه ويصارحني بأنه يحبني ولا يستطيع الحياة بدوني ، واعترف لي بأن زوجته كانت قد استشعرت هذه العاطفة القوية لديه تجاهي حين كنت زوجة لأخيها فدفعها ذلك لتدمير حياتي وافتعال المشاكل بيني وبين أخيها ، وقال لي أيضاً ‘نني زهرة يجب أن تُروى بالماء وإلا جفت وذبلت وماتت خاصة إنني في الثانية والثلاثين من عمري ، ساعتها وجدتني وبغير أن أشعر انفجر فيه وأقول له أنني لست ممن يهدمن البيوت على أصحابها ، وتركته ورجعت إلى بيتي حزينة متألمة مما قاله ، ولكني فكرت في حديثه قليلاً وعذرت زوجته أنها فعلت مثل أي زوجة تخشى على زوجها وحياتها ، وتساءلت لماذا لم تصارحني بهواجسها ؟.. ولو كانت قد فعلت لكنت أعنتها على استعادة زوجها واحتفظت في نفس الوقت بزوجي وأولادي !

إنني والحمد لله رفضت الغدر بشقيقة زوجي بالرغم مما فعلته بي وانتصرت على انكسار النفس وصدمات الحياة بقوة إيماني ويقيني بالله سبحانه وتعالى ومازلت أواصل مشوار الحياة لرعاية أولادي واثقة في عدالة السماء ومشيئة الله .. هكذا انتصرت إحسان على نفسها وجاهدت الجهاد الأكبر الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ها هي قد تصالحت مع نفسها وظروفها فتمتعت بالسلام النفسي بأن تقبلت أقدارها ورضيت بكل ما حملته لها أمواج الحياة .

تلك هي الحياة يوم حلو ويوم مُر وليست نزهة خلوية في بحر هادئ الأمواج ، وإنما هي دائماً أفراح وأتراح ونجاحات وإخفاقات وانتصارات وانكسارات ، وأنه كما يحق لنا أن نسعد بأوقات الانتصار فإن من واجبنا كذلك أن نتقبل هزائمنا وانكساراتنا !

أكثر ما أعجبني في إيمان وكفاح إحسان هو وعيها السليم بالنعمة الكبرى في حياتها وهي أولادها ورضاها الدائم عن المقدر والمكتوب ، هكذا قال إمام المتقين على بن أبي طالب كرم الله وجهه معزياً رجلاً حزيناً في أمر شق عليه احتماله :

منَ رضي بقضاء الله جرى عليه القضاء وكان له أجر ، ومنَ لم يرض به جرى عليه القضاء وحبط عمله

.

أما ما فعلته شقيقة زوجها وأسرته بها فتفسيرنا له أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ، ولقد كان الإمام جعفر الصادق يقول :

وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد

.. وقال عز وجل في كتابه الكريم

فوقاه الله سيئات ما مكروا) ولنتذكر دائماً وأبداً قول المولى سبحانه وتعالى

إن الله يدافع عن الذين آمنوا

والحمد لله على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك